رئيس التحرير علـي قـاسم
لا تزال تهمة العلاقة مع روسيا ترخي بظلالها على إدارة الرئيس ترامب، وتكاد لا تنتهي زوبعة حتى تثار أخرى أكبر من سابقاتها، وإن بدت أكثر إحكاما في الاستهداف، والتي اطاحت حتى اللحظة بأكثر من رأس داخل فريق عمل الرئيس ترامب،
وفي مقدمتهم مستشار الأمن القومي الأميركي، ولا تؤشر المعطيات إلى أنها ستنتهي عند هذا الحد، وربما يصح الاقتباس عليها لتكون «روسيا غيت».
الطرح هنا ليس لنقاش ما لها وما عليها، لكنها فقط كاستهلال يصلح للمقارنة مع المعارضات التي ربتها وتربيها أميركا على امتداد المعمورة ومن دون توقف، وعن الذين أوصلتهم الدبابات الأميركية إلى السلطة بقوة مدافعها أو عبر عدوانها، وصولاً إلى سائر المعارضات التي يتم تصنيعها في كنف العواصم الغربية والإقليمية ومنها ما بات يعرف اصطلاحاً بالمعارضات السورية المصنعة حسب الطلب الخارجي، أو وفق معايير الأطماع الغربية.
المسألة لا تقف عند حدود التهمة في إجراء محادثات حول العلاقات الثنائية والتي تكال لأغلب من طالته حملة الاستهداف الأميركي المنظم، بل في سياق أي مرتبة ستوضع جرائم يرتكبها معارضون ومعارضات تستقوي بالأجنبي على بلدها، ولا تشعر بالحرج وهي تطالب باحتلاله بالقوة العسكرية، ولا تخجل وهي تظهر غبطتها وفرحتها بعد كل اعتداء إسرائيلي، ولا تتردد في النقاش مع الآخر، أياً يكن الآخر تموضعه أو توصيفه في أدق التفاصيل التي تخص السوريين وحدهم دون سواهم، بما فيها مناقشة شكل الحكم والدستور وطريقة إجراء الانتخابات، وصولا إلى قبول كثير منهم أن يكون صوتاً بلسان سعودي أو قطري أو تركي ناهيك عن الإسرائيلي والأميركي والفرنسي .
لا نطرح هذه الأسئلة لكي ننتظر إجابات من هنا أو هناك، ومعظمها إن لم يكن كلها تصب في الخانة ذاتها وفي المشهد عينه، بل فقط للقياس عليه لنعرف أي قاع يغوصون فيه، وإذا كانت تهمة إجراء حديث حول العلاقات الأميركية الروسية كافية للإطاحة بمستشار الأمن القومي ودفعه لتقديم استقالته مرغماً للتكفير عما ارتكبه، ومنعاً من التأثير على الإدارة الحالية لأنه تجاوز القانون الأميركي..!! تُرى إلى كم استقالة يحتاج البعض من معارضاتنا؟، وإلى كم حملة منظمة وغير منظمة حتى يتبينوا الفارق بين الخيانة والخيانة؟، وفقط من باب التكفير عمن يدّعون تمثيلهم، أما بالنسبة للوطن وما فعلوه فالأمر يحتاج إلى سجال طويل وجدل أطول ونقاش يفوق الاثنين معاً.
لن نصاب بالدهشة إذا ما جاءنا من يحاجج بأنه ما يحق لأميركا لا يحق لغيرها، وما يصح في الغرب لا يمكن أن يكون ماخوذاً به هنا، وما هو متاح للدول الكبرى لا يسمح حتى بالتفكير به لدى الآخرين، لكن أيضاً وبالسياق ذاته لن تعوزنا الحجة ولن لا تغيب عن ذهننا القرينة بأن ما يجري تجوز فيه المقارنة، وقد يصلح ليكون معياراً للأخذ به في سياق ما يجري تداوله على نطاق أخطر بكثير مما تم حتى اللحظة.
وهذا ما يمكن تلمسه بوضوح في المفارقة القائمة على فرضية الناتج الحقيقي لما حصل، حيث النقاش المحرم والذي يصل إلى حد الفضيحة السياسية التي تترتب عليها جملة من المساءلة في الداخل الأميركي، هو ذاته الذي يجب أن يكون أيضاً في أي موقع ومكان، ومن استقوى على وطنه بالآخر لا يمكن أن يؤتمن على وطنه، ومن يستهدف بلده تحت أي مسمى لا يمكن أن يكون تحت أي ظرف صالحاً لتولي المسؤولية فيه.
ببساطة شديدة.. لم تكن الخيانة في يوم من الأيام وجهة نظر، ولا هي مجردة من التداعيات التي تنص عليها جميع القوانين ودساتير العالم، وسورية ليست استثناء ولن تكون، بل هي من صدّر للعالم مفاهيم الوطنية، وقد سطّر أبناؤها ما يكفي من مشاهد على التضحية، ولن يكون مسموحاً تحت أي مسمى النيل منها أو الاستخدام الخاطئ في بعض المنعطفات للعلاقة أو تجيير الحجج والذرائع لتبرير ما يصعب على العقل أن يبرره.
ما يجري في أميركا قد تكون له دوافعه وأسبابه وحساباته ومعادلاته الداخلية، لكنه أيضاً هو عنوان لا أحد يستطيع تجاهله أو تجاوزه، ولا يجوز التغاضي عمّا يطرحه من أسئلة جوهرية، رغم ما يشوبها من تباين في الكثير من التفاصيل الملحقة، أو الخلفيات التي قامت وتقوم عليها جملة من المقاربات المتصلة بجوهر ما يجري اليوم على بساط النقاش، لتكون فضيحة «المعارضة غيت» نسخة مشوهة تضاف في نهاية المطاف إلى كثير قبلها، وربما سيكون ما بعدها أكثر مما حصل حتى اللحظة..!!