ابراهيم احمد :البعث السورية
يعتبر حليم دمّوس من كبار الشعراء العرب في القرن العشرين، عاصر فحول الشعراء ، وكان من أبرز الوجوه الأدبية في نهضتنا الحديثة، ترك قصائد متميزة تؤرخ للأحداث التي جرت في عصره، وهو القائل: “ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا، وأقبح الكفر والإفلاس في الناس”.
ولد حليم دمّوس في أيار سنة 1888 في مدينة زحلة اللبنانية. عرف بنباهته وانفتاحه على النقد أثناء دراسته في الكلية الشرقية، تعلّم اللغة البرتغالية أثناء هجرته إلى البرازيل في عام 1905 بعد الانتهاء من دراسته الثانوية، فترجم بعض أشعار كازمير دي أبراو إلى العربية، وأسس جمعية أدبية في كورومبا، كما أسس جريدة الأقلام بعد عودته إلى الوطن، وكان من أعضاء الرابطة الأدبية في الشام. اشتغل في التجارة مع إخوته في مدينة كورومبا عاصمة ولاية ماتوغروسو، لكنه بعد ثلاث سنوات، رجع إلى لبنان، وعيّن إثر عودته أستاذاً في الكلية العلمانية في بيروت، ومن بعدها عاد إلى زحلة، وتولى عام 1916 إدارة حسابات “جفتلك” إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى، حتى إنه عندما مرّ الأمير فيصل حضر مهرجان استقباله في زحلة، وأنشده قصيدة، نال من الأمير فيصل على أثرها مكافأة قدرها خمسون جنيهاً. ذهب حليم دمّوس إلى الشام عام 1919، فعيّن في إدارة سكة حديد الحجاز كنائب رئيس للمحاسبة، كما عمل في حقل الصحافة محرراً ومراسلاً، وحررّ مدة في جريدة “المهذب” ثم أنشأ جريدة “الأيام” عام 1933 (جريدة أسبوعية أدبية سياسية) لمدة ثلاث سنوات، لكنه في عام 1935 انضم إلى جريدة “الاتحاد اللبناني” التي كان يصدرها الأب أنطوان عقل، وتولى فيها إصدار الصفحة الأدبية، كما انتسب إلى عدة جمعيات أدبية منها “النهضة الأدبية”، و”بزوغ الفجر” ، و”الإحسان”، والرابطة الأدبية في الشام، بالإضافة إلى عدة لجان وطنية. بدأت نزعة حليم دمّوس إلى الشعر باكراً، إذ نظمه في سن العاشرة من عمره قبل أن يتعلم أصوله ويدرسه، ولوالده الفضل الأكبر في توجيهه وتنمية قريحته الشعرية، فكان إن شاء نظّم قصيدة عمد إلى قلم رصاص وعدة ورقات بيضاء، ووضعها تحت وسادته عند ذهابه إلى النوم، فإذا ساد السكون في غرفته، واشتد سواد الليل صفا خاطره، وانطلقت قريحته وتوافدت عليه المعاني وأطاعته القوافي، فيختار منها ما يريد، وهو لم ينظم قصيدة إلّا ولظلمة الليل منها النصيب الأول، وكان شعره قوياً ومتيناً عذباً وسلساً، لا تعقيد فيه، عفوي العبارة، ورائع السبك، ونظم في الوصف والرثاء والطبيعة والوجدانيات، وأبرز مؤلفاته الشعرية كان “ديوان حليم” وهو ما نظمه من سنة 1905 إلى سنة 1920، بالإضافة إلى قصائد التهنئة والمراسلات التي حفظها في مجموعة سماها “صدى الجنان” وله مجموعة شعرية أخرى تحت عنوان “المثالث والمثاني”.
نظم حليم دمّوس “رباعيات وتأملات”، وهي مجموعة شعرية نثرية أخرجها تباعاً في عشرين جزءاً، تحوي أقوالاً بليغة وقصائد حكيمة، فيها عبرة وذكرى مستمدة من صميم الحياة والتجارب التي مر بها الشاعر الثائر على النظم العقيمة والتقاليد البالية، إضافة إلى نظمه لملحمة شعرية ضمنها بطولة العرب وآثارهم وفتوحاتهم ومدنيتهم، وتعتبر فتحاً جديداً في الأدب العربي، ومن مؤلفاته أيضاً “قاموس الإعلام- يقظة الروح”، كما عمد إلى صياغة كتب “الدكتور داهش” شعراً، وهذا كان أشبه بالأسطورة، واسمه سليم موسى العشي، وهي ثلاثة أجزاء تحمل عنوان “ثائر وشاعر”، وتضم أكثر من 600 قطعة أدبية، بالإضافة إلى ثلاثة مجلدات، يحمل الأول عنوان “المعجزات والخوارق الداهشية المذهلة”، والثاني “معجزات مؤسس العقيدة الداهشية ومدهشاته الخارقة”، والثالث “الوقائع الداهشية” المكون من 20 جزءاً. من يطلع على منظومات حليم دمّوس وآثاره، يلمس عبقريته في ميادين الأدب، فقد يترك بصمة واضحة في الشعر العربي وقصائد ترددها الأجيال، أليس هو القائل:
لو لم تكن أمّ اللغات هي المنى لكسرت أقلامي وعفت مدادي
لغة إذا وقعت على أسماعنا كانت لنا برداً على الأكباد
ستظلّ رابطة تؤلف بيننا فهي الرجاء لناطق بالضاد
أنا كيف سرت أرى الأنام أحبتي والقوم قومي والبلاد بلادي
لقد وهب الله الشاعر حليم دمّوس قريحة حافلة برياض الأدب العربي، فقد عرف بسرعته وغزارته ووضوحه في كتابة الشعر والنثر وببراعته في الإلقاء حتى لقب بـ”بلبل المنابر”.