دعوة للمراجعة

 

عبد الكريم النّاعم
ما سأقوله هنا ينطلق من مواقف (البعض)، وهم في الغالب من المتشنّجين، والذين ليس للرويّة في قاموسهم أيّ حضور.
البعض يزعمون أنّهم تقدّميّون، وتبلغ بهم تقدّميّتهم أنّهم يرفضون كلّ ماله علاقة بـ(الدّين)، ويعلنون أنّ ما جاء في الأديان عامّة كان سبب تخلّف المجتمعات!، وكأنّ العامل الدينيّ هو أقوى من كلّ العوامل الأخرى الفاعلة في التطوّر الاجتماعي، سلباً وإيجاباً!.
الدّين حين نجعل منه منصّة لتحقيق أهداف سياسيّة، لا يظلّ ديناً، بل هو مطيّة لشبهات سياسيّة.
“الوهّابيّة”، على سبيل المثال، نأخذها باعتبار حضورها التدميري، التفتيتي، اعتمدت على أقوال عدد من الذين سبقوها، ممّن أُطلِق عليهم اسم (أئمّة)!، وأضاف لها مؤسّسها محمد بن عبد الوهّاب، فجعل منها (مذهباً)، فهي ليست ديناً، بل مذهب في الدّين، وجد ضالّته في المصلحة والتحقّق في ظلّ سيف “ابن سعود”، ووجد هذا بُغيته السلطويّة في مناصرة ذلك المذهب، وكان من وراء الاثنين معاً المخابرات البريطانيّة، وهذا لم يعد خافياً، بل بلغ حدّ الإشهار والفضائحيّة، ولن يطول الوقت حتى نواجه حلْفاً إخوانيّاً، وهّابيّاً، صهيونيّاً، يخرج من الخفاء إلى العلن.
مثل هذا التوجّه ليس من (الدين) في شيء، بل هو من (السياسة).
الآن أقول خلال مطالعاتي المتنوّعة التي لم تنقطع منذ ستّين عاماً، وجدتُ ما يلفت في بعض الجُمل والأفكار الصادرة من عمق (التديّن) البصير، وربّما تحتاج إلى أكثر من وقفة.
سأتوقّف في هذه العُجالة عند حديث مرويّ عن الرسول الكريم (ص) جاء فيه: “مازال النّاسُ يأمرونَ بالمعروف، وينهون عن المُنكَر، ويفعلون الخيرات، حتّى إذا تركوا ذلك نُزِعَتْ منهم البركات، وسُلّطَ عليهم شرارُ قومهم، وسقطَ غضبُ الله، فيدْعو خَيارُهم فلا يُستجابُ لهم”.
تُرى حين نقارن مضمون هذا الحديث بما نحن فيه، أفلا ينطبق انطباقاً كبيراً على واقعنا الذي نمرّ فيه؟!.
لِيقلْ البعض إنّه استشراف النبوّة، وليقل آخرون غير ذلك، ومهما كان القولُ فلن يسلبه صدقيّته، وأنا أعتقد أنّ النفوس العالية الإنسانيّة الكبيرة، المتّصلة بتلك العوالم الغيبيّة، بصورة ما، أنّها في لحظة صفاء رؤياها، تنكشف لها حُجب الأزمان، وترى بروح شموليّة صادقة تفاصيل ما سيجري، ورؤيتُها هذه تكاد تكون قانوناً اجتماعيّاً يصلح لجميع الأزمنة والأمكنة، ومنهم تتفجّر ينابيع الحكمة.
أتذكّر الآن جملة لأمير المؤمنين والبلاغة عليّ (ع) إذ قال ما يمكن اعتباره قانوناً للاستهداء، لِمن يريد الهدى، فقال: “يُعرفُ الرّجال بالمقال لا المقال بالرّجال”، بمعنى أنّ مضمون القول هو قيمتُه، ويحذّر من أنْ نقول قال فلان، وقال فلان، فنسلّم عقولنا لهم دون تمحيص، ونُسبغ عليهم من العصمة ما ليس لهم.
لا تنسوا “قال الشيخ…”!.

اخبار الاتحاد