عبد اللطيف عمران :البعث
يستمرّ أردوغان، كشخصيّة إشكاليّة تهدّد الاستقرار الإقليمي والدولي، في ممارسة أبشع أنواع البراغماتية السياسيّة والاجتماعيّة، وينعكس ببهلوانيّاته خطراً متصاعداً على تركيا ودول الجوار والعالم أجمع.
ومع ذلك نجد حتى اليوم من يراهن عليه كضامن للإسهام في نجاح المسار السياسي لوقف الحرب على سورية، رغم ما اتضح من أن المجموعات الإرهابية تلقّت أوامره بغيابها عن أستانا3.
لقد صار الرجل عبئاً على المجتمع الدولي، وصارت معه تركيا هكذا، فهو عبء على العرب والغرب، على الإيرانيين والكرد والأرمن، على المسلمين والمسيحيّين، فمن هو المرتاح معه، ومن الذي لم يتحسّس يده بعد أن صافحه في يوم من الأيّام؟!.
من يستطيع أن ينكر أنّه أدخل الإرهابيين القادمين من أوروبا عبر تركيا إلى سورية والعراق، فكانت تلك تجارة رابحة لديه، ثم عاد من طرف مقابل ليتاجر عكسيّاً بمسألة اللجوء من البلدين عبر تركيا إلى أوروبا، فصار كالمنشار بين المتاجرة بالإرهاب وباللجوء، فأرهق قادة الغرب وأربك دولهم ومجتمعاتهم، وهم يستحقّون هذا الإرهاق والمعاناة لأنهم لم يستمعوا إلى صوت الحق، وتنكّروا للحقيقة التي بذلت القيادة السورية جهوداً منطقية وواقعية جداً لتوضيحها، ولا سيما تأكيد الرئيس الأسد بأن “أردوغان مرتبط إيديولوجياً بتنظيمي داعش والنصرة ومتعاطف معهما كونه إخونجياً”.
وإشكاليّة الرجل توضّحت منذ ظهوره على مسرح السّياسة الإقليميّة بفوز حزبه “العدالة والتنمية” في الانتخابات التشريعيّة عام 2002 وعدم تمكّنه من تولي رئاسة الحكومة حتى عام 2003 بعد تجاوزه تبعات التُهم الموجّهة إليه جرّاء سجنه، فعهد برئاسة الحكومة إلى عبد الله غول ومن ثم أطاح به، وصولاً إلى توليه منصب الرئاسة في آب 2014، وفشل محاولة الانقلاب عليه في حزيران 2016، فصار الرجل بعدها أكثر شراسة وهمجيّة.
ومع هذا لايزال البعض يبذل محاولات جادة لتلافي شروره على أمن المنطقة محاولين احتواءه وترويضه باستغلال فشل الانقلاب عليه. والبعض الآخر يرى فيه ملاذاً للخروج من الورطة التي أوقعه فيها شرّ وقيعة على غرار مانراه من رهان المجموعات الإرهابية وهي تتخبط وتترنح مثله في الميدان، وعلى الطاولة.
فقد صار بحكم المنطق والواقع التعامل معه خطأ استراتيجياً، ونهجاً محكوماً بالفشل وبالخراب، وعلى العصابات المسلحة التي وصلت إلى طاولة المفاوضات في أستانا وجنيف أن تدرك هذه الحقيقة وتنطلق منها إذا بقي في جعبتها شيء من الوطنية والأخلاق، والعقل أيضاً.
لقد استفاد الرجل بانتهازيته المعروفة من صدامه المسرحي مع بيريز في دافوس مطلع 2009، واستثمر تجربة سقوط مرسي في مصر في حزيران 2013، فتحوّل إلى زعيم ميليشيا له دعاته في المساجد، ومجرموه في الشوارع، وبين مجموعات تنظيم الإخوان المسلمين العالمي باعتباره أعتى قلاع التنظيم المرفوض دينياً واجتماعياً وسياسياً.
إن شرفاء العالم وأحراره ينظرون إلى صدامه مع أوروبا اليوم بتشفٍ من خطأ السياسات الأوروبية في تعاملها مع جرائم الإرهابيين في أغلب البلدان العربية، وها هم قادة الغرب يستحقون ما يكابدونه من رعونته وهو يشن حرباً عليهم، ويعرفون أن وراءه جموعاً مضلَّلة ومغرراً بها أسهموا هم في تيسير ذلك له ولهم. فلم يصل إرهابي من بلدانهم إلى المنطقة إلا عن طريقه، ولن يعود إرهابي منها إليهم إلا عن الطريق نفسها.
وما تعانيه أوروبا اليوم من الرجل ستعانيه قريباً بعض دول الخليج والولايات المتحدة التي لم تستطع مدّ الإرهابيين بالمال والسلاح لولاه، فالجميع يدرك اليوم أنه رأس الأفعى الذي لم يعد يفيد معه شذرات الشتائم من الأوروبيين والأمريكيين ولا قلق بعض العربان، فهؤلاء لا شك سيتجرَّعون مرارة الكأس نفسها التي تجرّعناها.
فهل تستفيد أوروبا من هَذيان أردوغان وهو يتهمها بالفاشية، والنازية، ودعم الإرهاب، والعداء للمسلمين، متاجراً بالإسلام في الوقت نفسه… إلخ ؟ وهل يدرك العالم خطره وهو يستحضر التاريخ ويستدعي الماضي ليضرب الحاضر والمستقبل مستغلاً أبشع استغلال الإسلاموفوبيا مشكّلاً بذلك خطراً في الميادين السياسية والعسكرية والاجتماعية والثقافية والروحية على الشعوب كافة.
ومع سقوط الرهان على أردوغان، وتصدّع المجموعات الإرهابية في سورية والعراق صار لزاماً على كل معارض أن يلقي السلاح ويتجه إلى طاولة المفاوضات مقتنعاً بأن وقوع الرجل بين المطرقة والسندان درس يفرض عليه التسليم بأن الفوز في الميدان هو فوز على الطاولة أيضاً.
وها هي حركة التحوّل الإيجابي متسارعة في المشهد الوطني السوري، والنابهون يتوافدون للتسابق نحوها، وقريباً ستكون دمشق ملتقى واسعاً واضطرارياً للخروج من أزمة المنطقة. بينما الحمقى يجترّون ما كانوا يجترّونه قبل تطهير حلب رغم سقوط الرهان والقناع، وسيكون الموقف الإقليمي والدولي من أردوغان تجاه سورية مشابهاً للموقف بعد الحرب على العراق وطلب مساعدتها للخروج من تبعات مابعد الغزو.