السنوات الست وربيع الإرهاب

الدكتور فايز عز الدين:الثورة

ربيعٌ ولم تفتّح فيه وردة، بل نشر ظلال الخراب، والنكوص الأخلاقي من ما قبل الأديان السماوية ليعيد الناس إلى أبشع مشاهد التوحش، والبربرية في التاريخ المعروف، والمكتوب. ربيع آيته الموت ويتحدث عن الحرية، والثورة، والثوريين. ووجهته الدمار،

ويعلن عن البناء والتجديد. ويتذرّع بالشعب، وهو يقدم له المفخخات، والعبوات الناسفة، ويتحدث عن الدولة وهو يحشّد الغرباء، ويملّكهم زمام التصرف بشؤون الناس عبر المحاكم الشرعية، ويتخرّص عن الداخل وهو مجنّدٌ من الخارج. ويدّعي السيادة وهو مرتهن لإسرائيل، وممالك الرمال، وأردوغان المطارد اليوم في معظم أنحاء أوروبا.‏‏

ويتظاهر بالإسلام والدين وهو أبعد ما يكون عن الدين كما أنزله الله على رسوله الكريم. ربيعٌ أجندته من نادي العدوان الإرهابي الوهابي وحلفاؤه من أعداء العروبة، ومن الذين ما فتئوا يخططون لتدمير سورية الدولة وتفكيك شعبها، وفرض نموذجٍ لشرق أوسط جديد كما هو وارد في الخرائط الأمروصهيونية. ومنذ أن سمع شعبنا الشعار الزائف سلمية، سلمية صار يشهد الاغتيال والقتل، وكم ادّعوا تمثيلهم للشعب وهم أول من أطلق النار عليه. سنوات ست مضت ومزّقت ستائر التضليل، وكشفت عن ماهية من يدعون الثورة؛ فالثورة من الشعب وبه، وليست عليه، وبالغرباء. والثورة من الداخل، وبقوى الوطن الحيّة، وليست من غرف عمليات أميركا، وأوروبا، والصهيونية، والأعراب.‏‏

والثورة من واقع الناس وأحلام مستقبلها في تعميق سيادتها على أرضها ومصيرها وقيم استقلالها، وليست من تحالف الدول والأمم، والتدخل في الشؤون الداخلية، ومنع مواثيق الأمم المتحدة، والقانون الدولي عن العمل وفرض غطرسة القوة على الشعب المستهدف، واستخدام الكيماوي لكي يتم اتهام الآخر، ويتهرب الجاني من جرائمه بتغطية التحالف الإرهابي الثائر. ما سمعناه، وقرأناه عن علم الثورة لم نرَ منه بنداً واحداً في الذي زعموه ثورة. والإرهاب الذي أتوا به لم نعرف له في التاريخ مصطلح التشكيلات الثورية المسلحة. ولم نعرف معارضة معتدلة بغير سلاح، ومعارضة مسلحة بغير اعتدال.‏‏

نعم إن غطرسة التوحّش التي مارسوها على شعبنا خرجت عن كل مفهوم للبشاعة كانت قد تعرضت له الإنسانية الحاضرة، والغابرة. وصور الفظاعة التي سمحت بها أوروبا، وأميركا بالتطبيق في بلدنا ها هي لم تبقِ من نموذج الحياة الحضارية الآمنة أي مظهر، وبات البشر في القارتين تحت رحمة الإرهاب.‏‏

ومن المثير لكل ما يعرفه العقل البشري من سخرية أن أوروبا وأميركا الصهيونية يطالبان سورية بالنظام البرلماني الديمقراطي، وها هو أردوغان الأداة الصغيرة التي استخدموها لكي تضخّ الإرهاب إلى بلدنا حتى يحقق لنا النظام البرلماني بالتكفير والقتل، والتدمير يذهب إلى أوروبا لكي يدعو المواطنين الأتراك إلى التصويت لنظامه الجديد الذي نسف البرلمانية الديمقراطية التي كانت، ويقوم على استبداد الفرد المطلق الصلاحيات أي السلطان العثماني الجديد.‏‏

ولو أن قادة أوربا الذين تمّ شراؤهم من مكرمات البترودولار عند طويلي العمر يتذكرون كيف دخلوا تاريخاً من أحطّ القيم الإنسانية، والأخلاقية وراء ممالك الرمال ومشيخاته، وراء أردوغان لكانت استدارتهم اليوم ملزمة، وكان حياؤهم صريحاً كيف أورثوا العلاقات الدولية هذا النمط من التواطؤ، وكيف تخطّوا كل قيمة للحق، والعدل، والحضارة، والمستقبل في مقابل السير وراء قوى الظلامية، والتكفير، والإرهاب فلا هُمُ قد حموا البشرية من وحش الإرهاب، ولا هم قد سلموا من شروره، وما زالوا في غيّهم يعمهون. ولا هُمُ قد أتوا بالثورة، والحرية، ولا هم قد أبقواعلى ما كان منها في تركيا أردوغان أو فرضوا ما يجب أن يكون منها في ممالك الرمال. سيكتب التاريخ القادم كيف تمّ تعهير المتحضرين من الذين كانوا نموذجاً للإنسانية في أوربا، وفي أميركا حتى ساهموا في تدمير تجارب المدنية، والديمقراطية العلمانية في بلاد العرب والمسلمين، وأشاعوا عصر الوهابية التكفيرية، والإخوانية السلطانية، وفتحوا الأبواب لعصر التخلف، وقتل حقوق الإنسان، والأوطان ما يندى له جبين الحق، والإنسانية على مرّ الزمان.‏‏

إن حصاد السنوات الست قدّم للسوريين الذين لم تضللهم الألفُ وسيلةٍ إعلامية أنهم قد دخلوا زمن الثورة والثوار، والحرية والأحرار لأن هذا الزمن لن يأتي من تابعين وأغرار. وقدّم لهم أن الثورة تنهض من الداخل وليس من التدخل التدميري للخارج، وأن الثورة من إرادة أهلها وليس من غرف عمليات الاستعمار. وها هو أردوغان يُطارد مع وزرائه من معظم دول أوربا بعد صحوة الأوروبيين. وسيُطارد الذين زوّرا الحياة السياسية العالمية، وسينتهي زمن الدّجل الذي قاتل به الأوربيون شعبنا بحجة حماية المسيحية، وها هم الأوروبيون يتركون المسيحية في العراق، وسورية، ومصر إلى التوحش الظلامي الوهابي بدون سبب مقنع، أو إرادة محقّة.‏‏

وبناء عليه لم يعد شعبنا ينتظر أستنة اليوم ليحلّ القضية، ولو اعتبر أنها آلية ضرورية على طريق الحل، ولا جنيف المتعدد ولو جعله برهاناً على مصداقية توجهه نحو الحل السياسي؛ إن ما أصبح يتمسك به شعبنا هو رفع الغطاء عن كل دجلٍ وتضليل، والعودة إلى الوطنية الحاضنة للجميع، والمصالحة التي تضع الجميع على خط الميدان الواحد، والجبهة المشتركة، وكفى السوريين من ظلم الخارج، والإرهابيين ما كفاهم فالسنوات الست ناطقةٌ بكل أمر عظيم من الظلم والظلامية، وليس أمامنا إلا التّسامح، والانفتاح التّنويري، والعودة إلى سورية يا حبيبتي.‏‏

 

اخبار الاتحاد