علي عبود:
كشف الاتحاد الأوروبي، دون مواربة، عن مخططه الجديد للهيمنة على سورية، وهو مخطط يوحي وكأنّ الغرب دحر “النظام”، وألحق به هزيمة عسكرية تتيح له إملاء الشروط وإدارة البلاد من خلال حكومة عميلة!!.
الغريب في الأمر أن الاتحاد الأوروبي أعلن عن مخططه الجديد بعد الانتصارات الكبيرة للجيش العربي السوري على الإرهاب الذي ترعاه وتدعمه الحكومات الأوروبية، منذ العام 2011 على الأقل.
السؤال: ما الإغراءات التي سيقدمها الاتحاد الأوروبي للدولة السورية لتتخلّى عن سيادتها وتقبل بهيمنة الغرب على البلاد، أي استعمارها من جديد؟.
لا تبدو إغراءات الاتحاد الأوروبي جديدة، فقد أشار إليها الإعلام وبعض المسؤولين الأوروبيين مرات كثيرة، لكن الجديد في الأمر أنها صدرت بشكل رسمي عن المفوضية الأوروبية في اجتماعها المنعقد في الرابع عشر من آذار الجاري في ستراسبورغ.
وقد قررت المفوضية، وكأنّها “وصيّة” على سورية، تبني استراتيجية جديدة تهدف إلى تعزيز دور الاتحاد الأوروبي في “إنهاء الصراع وتحقيق السلام”!!.
ويبدو أن الاتحاد الأوروبي مقتنع جداً باستراتيجيته، وبأنها ستجد طريقها للتنفيذ الفوري، بدليل أنه سيناقشها على مستوى وزراء خارجية الدول الأعضاء خلال اجتماعهم في بروكسل في الثالث من نيسان القادم، ومن ثم يقرها ويحدد “ساعة الصفر” لتنفيذها.. وإلّا!!.
تحدد الوثيقة عدداً من الأهداف التي يمكن تنفيذها – وفق “رؤية بروكسل” – من هيمنة الاتحاد الأوروبي على سورية بالسياسة بعدما عجز عن الهيمنة عليها بالحرب!
ولا يخفي الاتحاد استعجاله لفرض رؤيته الآن قبل الغد تحسباً لتغير الوقائع على الأرض، وقبل أن يبسط الجيش السوري سيطرته على كامل التراب السوري، وهذا ما يفسر التعجل في “تحرير” الرقة على أيدي قوات تابعة للغرب بدعم لوجستي أمريكي، قبل أن تصل إليها طلائع الجيش العربي السوري.
وبموجب هذه الاستراتيجية، يعرض الاتحاد الأوروبي مشاركة فعالة في إعادة الإعمار بعد توقف الحرب بشرط حصول “عملية انتقال سياسي حقيقية وشاملة”.. وفق القرار الأممي 2254، أي أن تستلم السلطة حكومة عميلة للغرب!.
أما أخطر مافي الوثيقة فهو أن “يلعب صندوق النقد الدولي دوراً في تحقيق استقرار الاقتصاد الكلي، بالتعاون مع البنك الدولي”!.
ودخول البنك الدولي على خط إنهاء الحرب على سورية ليس جديداً، فهو يعود إلى العام 2013، فقد كشف السيد الرئيس بشار الاسد، كما نقلت جريدة (الأخبار) اللبنانية، إنَّ “البنك الدولي – وهو لا يتحرَّك من دون مشيئة الولايات المتَّحدة وإذنها – قدَّم عرضاً “سخيّاً” لمنح سورية قرضاً قيمته 21 مليار دولار، بشروط ميسَّرة، مبدياً – البنك- رغبةً ملحَّةً في تمويل مشاريع إعادة الإعمار عن طريق عرَّاب الخصخصة الشهير في سورية، عبد الله الدردريّ”.
لذا لا نستغرب الابتزاز الأوروبي الصريح والوقح في آن معاً، بما معناه: عندما تذعن الحكومة السورية لشروط وثيقة بروكسل، وتتخلى طواعية عن السيادة، وتسلم البلاد لحكومة عميلة، فإن الغرب سيرفع حينها العقوبات الاقتصادية، ويساهم بتمويل إعادة الإعمار!!.
نعم.. الوثيقة صريحة في أهدافها: رفع العقوبات الاقتصادية وإعادة الإعمار مقابل تسليم سورية لحكومة عميلة للغرب!!.
وهذا يعني أن الاتحاد الأوروبي لايزال يتصرف كدول استعمارية إزاء سورية، وكأنها وحيدة ومستضعفة يملي عليها الشروط فتنفذها!.
حسناً! يعرف الاتحاد الأوروبي جيداً أن لا حظوظ لتنفيذ وثيقة بروكسل، وبالتالي فهي ليست أكثر من ورقة ابتزاز لحجز دور مهما صغر في مستقبل سورية!.
وبما أنه لا يعترف حتى الآن بالدور الروسي في العالم، فلا ينتظر أن يعترف أحد بدوره في المنطقة وخاصة في سورية!.
والغريب والمستغرب أن تسيطر على الغرب الاستعماري فكرة أنه المؤهل الوحيد لإعادة الإعمار، متجاهلاً دور حلفاء وأصدقاء سورية كدول البريكس ومنظمة شنغهاي، وما تملكه من اقتصادات ضخمة لا تقاس باقتصادات الاتحاد الأوروبي، ولا حتى الأمريكي!.
ومهما يكن من أمر، ننتظر من وزراء الاتحاد الأوروبي الذين سيجتمعون في بروكسل، في الثالث من نيسان القادم، أن يطرحوا على أنفسهم سؤالين لا ثالث لهما:
الأول: إذا كانت الدولة السورية ستذعن لشروطنا وتنفذ وثيقة بروكسل، فلماذا رفضت الشروط الأمريكية، وخاضت الحرب على جيوشنا الإرهابية على مدى أكثر من ست سنوات، وهزمتها؟.
الثاني: من يحتاج إلى من.. لمنع امتداد الإرهاب إلى بلادنا، عاجلاً أم آجلاً ؟.