جمان بركات:
لم تقصد بائعة السمك المطلّقة أن يكون مستقبل ابنها الطبيب إلى جانبها، ويصبح مصيرهم مشتركاً في بيع السمك بعد أن فشل في تحقيق حلم والدته بأن يكون طبيباً– المهنة التي لم يحبها أبداً- ومن ناحية أخرى، خلال زيارتي لأحد المراكز التطوعية، تحدثت أنا وشاب يدرس في كلية الطب عن إمكانية تنظيم وقته بين دراسة الطب التي تتطلب المثابرة والاجتهاد والكثير من الوقت والعمل التطوعي، أجابني: ألجأ إلى هذه الأعمال التطوعية والتعامل مع الأطفال خاصة لأخفف من توتري تجاه هذا الفرع الذي لا أحبه أبداً، ولكن رغبة والديّ هي التي أخذتني في هذا الطريق الطويل ليصبح مصيري الأبدي، وأنا من جانبي أحب أن أكون مهندساً مدنياً.
في الحقيقة، يطمح جميع الأهل ليكون أولادهم الأفضل، ولكن من الواضح أن “الأفضل” يختلف من شخص لآخر، فمنهم من يرى أن هذا المصطلح هو في اختيار الاختصاص المناسب والأعلى بين الفروع الجامعية، وغالباً يتمتع بسمعة اجتماعية بالتأكيد دون النظر إلى الإمكانات الموجودة عند الأولاد، مع تناسي الميول والرغبات التي يملكونها وأخذها بعدم الاعتبار وكأن مهمتهم هي رسم المستقبل بريشة سهلة وبألوان يختارونها هم لوحدهم، وبعد الإبداع في التخطيط يكون الفشل هو بطل اللوحة للمسيرة الحياتية، سواء على المستوى النفسي “كحالة الشاب” أو المهني “مثل بائع السمك”.
يمكن في الكثير من الأحيان أن يكون الأفضل بعدم الإجبار أو عدم المقارنة بالآخرين، وكما يقول ألبرت أينشتاين: “الجميع عباقرة لكن إن حكمت على قدرة سمكة في تسلق الشجرة ستعيش حياتها كلها وهي تؤمن بأنها غبية”. في الواقع، لا أحد في هذا العالم غبي الكل ذكي في فعل شيء ما، علينا ألا نقارن أنفسنا بالآخرين بمجرد براعتهم في شيء لا نستطيع فعله، وبالمقابل، إذا تناسى الكبار قليلاً مبدأ الاستعراض الاجتماعي والوجاهة التي فرضها المجتمع سيكون مبدأ التنافس هو الأفضل، وفي نهاية المطاف إن خير منافس للشخص هي الذات نفسها، هي التي تدفع للتراخي أو التخاذل، ومن الجميل عدم المقارنة بالآخرين، ولكن الأجمل هو التنافس معهم والتفوق عليهم، وإن لم يكن التفوق هو الحليف يكفي بذل الجهد والدخول في المنافسة، لأنها بالتأكيد ستولد دافعاً عظيماً للتفوق في منافسة أخرى. أحد الأشخاص قال مرة: “أنا لا أطمح لأن أكون الأفضل، ولا أطمح لأن أكون أفضل منكم، في الحقيقة أنا لا أقارن نفسي بكم ولا أكترث لأمركم سواء أكنتم الأفضل أم الأسوأ، في المقدمة أو في الخلف، أنا أطمح لأن أكون أفضل من نفسي السابقة فقط”.

اخبار الاتحاد