عبد السلام حجاب:
يبدو مجافياً للحقيقة، وفيه الكثير من النفاق السياسي والأخلاقي القول: إن الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب ليس جزءاً من الإستراتيجية الصهيو-أميركية التي اعتادت أن تتقن فن الأقوال والتراجع عنها، ولا تهتم كثيراً بالأفعال إلا بما يصب في خدمة مصالحها.
ولعل النصيحة الميكيافيلية تقول: إنه «لا يتحرج الحاكم في اختيار أي وسيلة توصله إلى أهدافه، وكما يقول السياسي الأميركي المحنك ووزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، فإنه ليس ثمة فارق بين الأخلاق والسياسة في منهج ترامب الذي اختار الكذبة الكيميائية وسيلة يبدأ بها عصره ويبيعها للمواطن الأميركي على أنها حقيقة وعليه القبول بها والتعامل معها.
وبحسب محللين، يعاني الرئيس دونالد ترامب داخلياً وخارجياً، عدم رضى وعدم قبول لإعلاناته السياسية التي أطلقها بداية ترشحه للرئاسة وما أثارته من هواجس سلبية لدى الآخرين وردود فعل ساخطة في الداخل الأميركي العميق منه وفي الواجهات السياسية، على الرغم من توافقها مع القانون الدولي والاتجاهات الصحيحة في مكافحة إرهاب داعش والفصائل الإرهابية الأخرى.
لكنه الرئيس ترامب أراد أن يقول: إنه ليس كالرئيس باراك أوباما، فسقط في كذبة مسيّسة ليس لها إلا التنظيمات الإرهابية ورعاتها وداعموها، ضامنين كفلاء، مقتدياً بالرئيس الأميركي الأسبق توماس وودرو ويلسون الذي روج لكذبة الحرب لدخول أميركا الحرب العالمية الأولى وباعها للشعب الأميركي كحرب صليبية بقصد نشر الديمقراطية ومناهضة الروح العسكرية ومن أجل الدعاية المفتوحة بدلاً من الدبلوماسية العسكرية السرية، واستخدمت كلمة كروسايد كمصطلح في حرب أفغانستان.
والسؤال ما إذا كانت تصريحات الرئيس ترامب بشأن محاربة إرهاب داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى، وبشأن الحل السياسي في سورية وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254، قد أغضبت الداخل الأميركي العميق فضلاً عن الواجهات السياسية لأميركا والعالم، فيقدم الرئيس ترامب على بدء عصره بكذبة من هذا النوع، حيث لا يؤكد فيها فقط أنه جزء من الاستراتيجية الصهيونية المنخرطة دائماً إلى جانب الكيان الإسرائيلي، بل أيضاً يدفع برجل ناطحات السحاب والاقتصاد الذي يفترض به أن يتقن حسابات الربح والخسارة، وليس الحسابات الخاطئة والخيارات الفردية الرعناء، بحيث يصبح التراجع عنها أو مداراتها لاحقاً يحتاج إلى كلفة أعلى ثمناً، لأن مصالح أميركا السياسية أكثر بكثير من مصالح أطراف تشغلهم في سياق ما تراه مناسباً لها، رغم أنها أطراف تقبل بالفتات وتؤدي أدوار ابتزاز لدول وأطراف مهتزة من الداخل، ولم تتمكن طوال السنوات الست التي مضت من الحرب الإرهابية على سورية، النيل منها لا بالسياسة ولا بالميدان الذي يسجل انتصارات يومية يحققها الجيش العربي السوري في شمال البلاد وشرقها وغربها.
وإن كانت الإجراءات القسرية الاقتصادية الوحيدة الجانب المتخذة ضد سورية والشعب السوري هي ما يتم التعويل عليه من قبل تحالف أوباما المزعوم الذي يحاول تجديد شبابه بعد أن وصل مرحلة العجز والخيبة عن طريق كذبة الرئيس ترامب ومزاعمه ومحاولاته خلط الأوراق وبيع المواقف السياسية لحساب رعاة الإرهاب الذين يمثلهم ويتبنى أدوارهم وأجنداتهم رجب أردوغان ونظام الإخوان المسلمين الذي يمثلهما وحكام بني سعود ومشيخة قطر.
ووصف مراقبون أمميون العدوان الأميركي بالصواريخ المجنحة من البحر المتوسط باتجاه مطار الشعيرات العسكري السوري قرب مدينة حمص بأنها عملية عطلت التحقيق بكذبة ترامب في خان شيخون وقال الرئيس الروسي بوتين: قام الأميركيون بعدوان على دولة ذات سيادة وهو عدوان يلحق ضرراً بالعلاقات الروسية الأميركية، وأعلنت الخارجية الورسية عن تعليق اتفاقية السلامة الجوية مع واشنطن فوق سورية كما أدانت إيران العدوان الأميركي واعتبرته عملية خلط الأوراق في المنطقة، وأشارت إلى أنها تتشاور مع موسكو ودمشق لتنسيق المواقف.
وقالت رئاسة الجمهورية العربية السورية إن إقدام واشنطن على هذا الفعل يوضح ما كانت تقوله سورية من أن تعاقب الإدارات في أميركا لا يغير من محاولات فرض الهيمنة على العالم وأكدت أن ما قامت به أميركا ما هو إلا تصرف أرعن غير مسؤول ولا ينم إلا عن قصر نظر وضيق أفق، وأشارت الـ«واشنطن بوست» إلى أن كل من سلحتهم أميركا وتراهن عليهم مجموعات تقودها القاعدة، كما قالت مصادر أمنية متابعة لملف السلاح الكيميائي في سورية أن تركيا هي الجهة الوحيدة التي تقف وراء هذا السلاح منذ خان العسل والغوطة ولن يكون ما حدث في خان شيخون بعيداً عنها، مشيرة إلى أن فروعاً أمنية أميركية تشارك في الإدارة، على حين قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية زاخاروفا تعودنا سماع الاتهامات ضد سورية من دون أساس من الصحة ووراء هذه الاتهامات رغبة في إسقاط الدولة.
وقد شجع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وأردوغان الرئيس الأميركي ترامب على المضي بعمل عسكري ضد سورية وأعلنا الاستعداد للمشاركة وقد رد عليهما الرئيس بوتين بعدم الاصطياد في الماء العكر.
ولعله من الغريب أن نرى نتنياهو يكاد يبكي على خان شيخون بعد فشل الإرهابيين في جوبر وريف حماة وفشل رعاتهم لما يسمى «وفد منصة الرياض» في اجتماعات أستانا وفي جنيف الرابع والخامس، وأكد السيناتور الجمهوري الأميركي ريتشارد بلاك أن الولايات المتحدة اعتمدت على أدلة جاءت بشكل حصري من الإرهابيين وأضاف: أعتقد جازماً بعدم وجود أي احتمال أن تكون سورية نفذت هجوماً في خان شيخون، وأعلن أن مثل هذا الهجوم الكيماوي الذي يجري الحديث عنه لم يتم في وقت تحقق سورية انتصارات في الميدان على الإرهاب، معتبراً أن هجمات ترامب المفاجئة على سورية تلائم فلسفة أفعال غير متوقعة أو نظرية الرجل المجنون التي دافع عنها كيسنجر الذي عمل مستشاراً لدى ترامب، حول العلاقات بين أميركا والصين وروسيا، وتقضي نظريته بأن التصرف بنمط غير منطقي يمكّن القادة الأميركيين من أن يضعوا خصومهم باستمرار في موقف يتخبطون فيه من تقلب القوة الأميركية الخطرة.
وعشية وصول وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون إلى موسكو في زيارة معلنة، أبلغه هاتفياً وزير الخارجية الروسي لافروف، أن الضربة الأميركية لمطار الشعيرات السوري بواسطة صواريخ توماهوك الأميركية نفذت بذريعة غير صحيحة وتخدم مصالح الإرهابيين مشدداً على أن ادعاءات واشنطن باستخدام الجيش السوري السلاح الكيميائي لا تتطابق مع الوقائع.
وقال مصدر دبلوماسي إن روسيا طالبت بإجراء تحقيق مستقبل في الهجوم المفترض على بلدة خان شيخون خلال جلسة طارئة عقدها في جنيف فريق العمل المعني بوقف إطلاق النار في سورية بمبادرة من الجانب الروسي يرأسها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، وبحسب هذه الجلسة فقد نقل عن المصدر أن الجانب الروسي وحده يملك مؤشرات وأدلة مقنعة تثبت عدم تورط القوات المسلحة السورية باستخدام السلاح الكيميائي، وقد وصف الرئيس الإيراني حسن روحاني العدوان الأميركي بالحماقة، وبحسب مراقبين فإنه لا يمكن وصف ما قامت به إدارة ترامب الجديدة إلا بالحماقة وبالعربدة السياسية والعسكرية التي اعتادها المجتمع الدولي منذ غزو العراق مع فارق هو أن العالم تغير وأصبحت روسيا والصين قوتين فاعلتين على الأرض الدولية، وستفرضان احترام القانون الدولي ومثل هذا المتغير الدولي المهم لن يعود إلى الوراء، وأي خديعة أميركية جديدة كالتي حدثت في العراق لا يمكن أن تتكرر في سورية، ما يرتب على عناصر الإدارة الجديدة للرئيس ترامب شرحه، وإلا فإن العالم سيصبح على أبواب كارثة عالمية يصعب تدارك مخاطرها، بل يمكن أن تحدث نتائج تصب في خدمة التنظيمات الإرهابية وتكون بمنزلة كذبة رخيصة مسيسة لابتزاز مواقف سياسية بوساطة سلوك أرعن وخيارات أبعد ما تكون عن الصواب، الأمر الذي يؤكد أن صناعة أميركا للإرهاب التي اعترفت بها وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون في مذكراتها، لم يكن حدثاً عابراً أو مستقلاً، بل جزء من تاريخ الولايات المتحدة ومن ضمن بنية مشروعاتها الاستعمارية الإستراتيجية التي يمثل فيها الكيان الإسرائيلي ركيزة وثيقة الصلة بالأطماع الاستعمارية التي يجري التخطيط لها أميركياً، لكن العالم تغير ولن يعود إلى الوراء.