زيد قطريب
بصمات الموظف واضحة على الجسد الإعلامي المثخن بالرتابة والاعتياد، فهي لا تحتاج المحقق «كونان» كي يضبط الفاعل المتربع أعلى الصفحات بشكل عناوين ومقدمات وتواقيع تكاد تقول خذوني!، كما لا يلزمها أيضاً عمليات تحليل للحموض النووية كي نقول إن عطباً قد ألمّ بالكتابة، فالحالة السريرية تؤكد التشخيص السابق وتالياً لا يبقى سوى انتظار المضادات الحيوية إذا ما حسمنا باجتثاث جذور الالتهاب كما يقال في لغة الطب والاستشفاء من الأمراض!.
الحديث هنا عن الصحافة الثقافية بشكل خاص، حيث كان للقضية سجالاتها في ملتقى «عين الفنون» منذ عدة أيام خلال لقاء ضم مسؤولي المنابر الثقافية في الإعلام المقروء والمسموع والمرئي، الذين سردوا مذكرات رواها إعلاميون ينتمون إلى أجيال مختلفة ومنابر متعددة شهد بعضها فترات انتعاش في مراحل واختناقات في أخرى وكان الأمر في جميع الحالات يتعلق بأداء المؤسسات التي من الممكن أن تستثمر إمكانات الأفراد إذا ما راهنا على الديمومة، حتى لا يذهب عملهم هباء منثوراً إذا ما ماتوا أو أحيلوا إلى التقاعد أو حال دون عملهم أي طارىء آخر!.
إذا كان المثل الشهير يقول «فاقد الشيء لا يعطيه» صحيحاً، فإن غياب العقل النقدي يبدو طبيعياً عند العازفين عن القراءة من المهنيين المطالبين بتقديم رؤى نقدية للمشهد.. أولئك المحتاجون من يساعدهم في وضع الإصبع على الجرح، غير قادرين عملياً على مدّ الأيدي لأجل مساعدة القراء أو المراهنين على دور النصوص في انتشال الناس من الغرق وتفكيك المشكلات والمعضلات التي تطول كل الاختصاصات وليس الثقافة فحسب!.
سيقول البعض: إن أفدح الخسارات التي تعصف بالكتابة هي تنحّي الإبداع جانباً وجلوسه على خطوط التماس كلاعب احتياط في مباراة محسومة النتائج سلفاً.. ورغم أن المقال الصحفي لا يقل شأناً عن القصيدة، إذا ما حسبنا المسألة من ناحية المسؤولية الأخلاقية ومنسوب الجدّة أو الهدف النهائي الذي يفترض أن يشتغل عليه النص مهما كانت مراميه، إلا أننا مازلنا نقرأ الرماديات القاتلة في الكتابة بلا تحليل أو تدبير يعمل على رفع نسب الأدرينالين في الأرواح الرازحة المستكينة التي لم تعد تهجم على القراءة إلا فيما ندر، فكيف عندما يتعلق الأمر بالصفحات الثقافية التي من المفترض أن تشهد هزات من الجذور، وهذا أضعف الإيمان، والتي يقال أيضاً إن جماهيرها من النخب تغرد في واد بينما المجتمعات تغني في وديان أخرى؟.
يقول البعض: يا أخي وفّروا لنا البنى التحتية قبل أن تطالبونا بالتحول إلى فلاسفة لا يشق لهم غبار في الكتابة!. وأهم مفردات تلك البنى: السقوف العالية، والمال الكافي والقوانين الحامية للإعلامي الذي يمكن أن يدفع الكثير لقاء مقال لا يقبض مقابله سوى النزر اليسير!. العملية هنا متشعبة وتتعلق بأكثر من جانب مادي ومعنوي، سواء كتبنا عن الشعر أو الاقتصاد أو القضايا الاجتماعية وبرامج المنوعات، فالمنسوب الإبداعي يُفترض ألا يجفّ في هذه الحقول وإلا مات الزرع ونشف الضرع، وساح القراء يبحثون عن كلأ للروح العطشى إلى النص المختلف.. لا سمح الله!.