روزانا رمّال
تاريخياً عُرفت عائلة «روتشيلد» بأنها عائلة «يهودية» ألمانية ثرية جداً، لدرجة أنها تُقرِض الدول الأموال والذهب مما يجعل لها هيمنة على تلك الدول وعلى سياساتها وقراراتها، وأما لقب «روتشيلد» فهو يعني «الدرع الأحمر»، في إشارة إلى «الدرع» الذي ميّز باب قصر مؤسس العائلة في فرانكفورت في القرن السادس عشر. تبنّت عائلة روتشيلد فكرة إقامة دولة يهودية في فلسطين لا بل كان أحد أفرادها «ليونيل روتشيلد» 1868-1937 المسؤول عن النجاح بإقناع الحكومة البريطانية بمساعدة اليهود في بناء وطن قومي لهم في فلسطين، وفي استصدار وعد «بلفور» الشهير..
أصحاب المصرف العريق من أبناء العائلة موزّعون في أرجاء أوروبا وبينهم «إدموند روتشيلد» 1845-1934 رئيس الفرع الفرنسي للمصرف من أكبر المموّلين للهجرة اليهودية إلى فلسطين آنذاك… باختصار عائلة مسؤولة سياسياً واقتصادياً وعقائدياً عن نشوء كيان «إسرائيل» ومفهوم الصهيونية العالمية التي لطالما احتاجت إلى مموّلين ورجال أعمال لحماية جذورها وامتدادها والسيطرة قدر الإمكان على شكل السلطات وأفرادها في شتى الدول. وكل هذا من اجل حماية الكيان «الإسرائيلي» وتأمين الغطاء السياسي دولياً له.
الحديث عن الانتخابات الفرنسية أخذ بشكل مباشر نحو البحث في ماهية وخلفيات المرشحين بطبيعة الحال. وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على المرشحين الأميركيين أيضاً، فهذا الملف دقيق جداً بالنسبة لـ»الإسرائيليين» وبالحديث عن أسماء المرشحين يحضر اسم المرشح الأوفر حظاً لرئاسة فرنسا ايمانول ماكرون، وزير الاقتصاد الذي عمل مصرفياً في بنك «روتشيلد اند سي» المقصود..
العمل في مصرف روتشيلد بالنسبة لأغلب الفرنسيين أمر عادي، فلا يشكّل عندهم العداء لـ»إسرائيل» أمراً أساسياً ولا يوجد أي فكرة عن معاداة المؤسسات الصهيونية، بل العكس مسألة دعم «إسرائيل» ومؤسساتها أمر بديهي، لكن بالمقابل يشكّل العمل في إحدى مؤسسات روتشيلد نقطة إيجابية عند «الإسرائيليين» الذين يحتسبونها لصالح المرشح الفرنسي للرئاسة لجهة انتماءاته أو تاريخه تماماً، مثل أولئك الذين يعملون في مناصب أمنية واستخبارية وإعلامية تابعة لمؤسسات صهيونية كبرى في العالم، وهي منظومات متماسكة.
وبالعودة الى عائلة «روتشيلد» وليس لربطها بالمرشح ماكرون الذي يعتبر واحداً ضمن « سياق» معتمد، تستحضر العائلة المالكة السعودية التي تبدو أنها لن توفر جهداً لصرف الأموال وبذل الجهود من أجل المحافظة على استدراج المرشحين الفرنسيين إليها. وهي سياسة اتبعتها عائلة روتشيلد في الإنفاق و»صناعة الرؤساء»..
الإنفاق أي كل ما يستوجب دفعه لإطلاق رئيس لا يخرج عن الطاعة. لكن وبغضّ النظر عن مستوى الإنفاق السعودي الكبير الذي رافق حملة كل من ساركوزي وفرانسوا هولاند مؤخراً مثلاَ، إلا أن هذا الإنفاق بدوره يحتاج إلى تصريح وتسهيل لجواز مرور داخل المجتمع الفرنسي، وهو الأمر الذي تكفّلته الاستخبارات الفرنسية لعقود والتي تُفرد بدورها مساحة تعاون مع الأجهزة الأمنية «الإسرائيلية».
يفيد التذكير هنا بدور السعودية القديم في التأثير بالانتخابات الفرنسية منذ ما قبل الأزمة السورية. فالأمر لا يتوقف عند أزمة النظام الحالية بل يتعدّاها لسنوات تتعلّق بوصول الرئيس الفرنسي جاك شيراك إلى السلطة. وهذا يعود تاريخه وأصوله إلى مقترح قدّمه الرئيس الراحل رفيق الحريري حسب مصدر عايشه لـ»البناء» الى السلطات السعودية او نصيحة حاول فيها الحريري إدخال السياسة العربية والسعودية والنفوذ الى اوروبا عبر خطة كان يراها مناسبة وذكية من أجل أن تصبح السعودية «نافذة»، اي صاحبة نفوذ في اوروبا وبعدها في العالم. وكل هذا عبر الدخول في السياسة الفرنسية، فكان ان طلب الحريري من المملكة دعم الرئيس جاك شيراك ببلدية باريس التي ترأسها ومن ثم في حملته للوصول إلى سدة الرئاسة الفرنسية «نجحت خطة الحريري التي كان فيها ذكاء حاد واستثنائي استطاع إدخال النفوذ السعودي عبرها الى فرنسا في تطلّع منه لتقوية الدور العربي أوروبياً ودولياً واستثماره كعلاقات في الشرق الأوسط ولبنان سياسياً واقتصادياً».
حافظت المملكة العربية السعودية على دورها في صناعة الرؤساء أو تأمين ما يلزم بالحد الأدنى لدعمهم في فرنسا، عبر توسّع العلاقات بينها وبين الاستخبارات الصهيونية تدريجياً، خصوصاً في السنوات السبع الأخيرة، حيث ارتفع بشكل ملحوظ منسوب التعاون بينهما حتى باتت صور لقاءات ثنائية بين شخصيات من البلدين أمراً طبيعياً كان آخرها في مؤتمر ميونيخ للأمن.
تخطّت السعودية هذه المسألة، وكان عليها بديهياً الحفاظ على نفوذها في قلب صالونات الساسة الفرنسيين الذين يجد بعضهم الدعم السعودي محطّة مغرية جداً، ومن بينهم ايمانويل ماكرون مرشح الوسط الشاب الذي برز فجأة واستطاع مقارعة شخصيات ورجالات لها باع في السياسة مثل المرشح فرانسوا فيون.
الاستخبارات الفرنسية المرتبطة بالمشروع نفسه دعمت ماكرون بترويجها بصحف فرنسية تابعة لها ومدعومة سعودياً مثل لوفيغارو، بأنها «تخشى اندلاع موجات عنف حال فوز لوبان أو ميلنشون في الدورة الأولى».
لا تريد الرياض ومن خلفها تل أبيب تكرار القلق الذي شكله فوز ترامب وخسارة كلينتون في أميركا، رغم الدعم الكبير، فصبّت جهودها على المرشح الفرنسي الشاب، حيث كشفت معلومات عن لقاءات عدة جمعت السفير السعودي في فرنسا خالد بن محمد العنقري وماكرون، في وقت نقلت معلومات صحافية عن فيليب كلاوس مرشح الحزب الاشتراكي البلجيكي أن الرياض قررت توفير دعم 30 في المئة من تكاليف حملة ماكرون الانتخابية.
الدرع الأحمر بوجهه السعودي وشراء الرؤساء!