مئة يوم أمضاها دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، من دون أن يمنح حلفاءه ولا خصومه فرصة فكّ شيفرة النهج الذي سيتّبعه على مدى أعوام رئاسته.
ترامب الذي انطلق في حملته الانتخابية بشبهة تبعيته للروس نجح قبل انقضاء مئة يوم على دخوله البيت الأبيض في أن يجعل المشكّكين به مخطئين ومذنبين، وذلك حين قرّر ذات ليل إعطاء الأمر لأساطيله بتوجيه ضربات صاروخية استهدفت مطار الشعيرات السوري، متذرّعاً بحادثة الكيماوي في خان شيخون، والتي لا يزال يكتنفها الغموض نتيجة إصرار واشنطن على عدم تسهيل إجراء تحقيق بشأن ما حصل! قصف مطار الشعيرات وعلى الرغم من محدودية تأثيره في سياق الحرب على سورية، لكنه انطوى على تأكيد من الإدارة الترامبية على عدم ترك المجموعات الإرهابية لمصيرها، وأنها – أيّ أميركا – ليست مطواعاً للسياسات الروسية التي تدعم الجيش السوري في حربه ضدّ الإرهاب، وتقود المبادرات العديدة من أجل الوصول إلى حلّ سياسي للأزمة السورية.
صحيح أنّ ترامب أظهر عجزاً لجهة الإمساك بكلّ الملفات الداخلية، لكنه نجح في كسر الصورة النمطية للاصطفافات بين جمهوريين وديمقراطيين، ما قد يؤسّس لحزب جديد يتخذ من الثور شعاراً له، وتظهر معالم هذا الاتجاه بعدم لجوء ترامب الى إجراءات كان يتخذها أسلافه تقضي باستبدال كلّ المسوولين، وخصوصاً في البيت الأبيض، وفي ظلّ انقسام داخل حزبه بين مؤيّد له وبين معارض، حتى أنه لم يحظَ بصوت سلفه الجمهوري جورج دبليو بوش، في حين أنّ مشروعه الضرائبي تلقّى ضربة جمهورية قاضية.
قد لا يكون القول بكسر الثنائية الحزبية المهيمنة في أميركا مقبولاً، لأنها تستمدّ ديمومتها من قوة اللوبيات اليهودية التي تقدّم الدعم، وفقاً لما تقتضيه المصلحة «الإسرائيلية»، والتزامات هذا الحزب او ذاك تجاه «إسرائيل»، وعليه لا يمكن استبعاد اللجوء الى خلق حالة ثالثة تأخذ على عاتقها تسريع مخطط تصفية المسألة الفلسطينية بالتهويد الكامل والاستيطان الشامل وتكون البداية بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، وهذا أمر ليس غائباً عن أجندة ترامب.
راية الفوز في الانتخابات الأميركية معقودة دائماً لمن هو أكثر حرصاً على أمن «إسرائيل» ومصالحها، وكما هو معلوم ليست هناك استراتيجية أميركية مستقلة، بل هناك استراتيجية واحدة أميركية «إسرائيلية»، وما من فرق بين جمهوري وديمقراطي إلا بما يقدّم أكثر لمصلحة «إسرائيل».
مع الديمقراطيين والجمهوريين على حدّ سواء، حصلت «إسرائيل» منذ نشأتها على أرض فلسطين بالاحتلال والإرهاب، على أقصى مستويات الدعم الاميركي، مالاً وسلاحاً متطوّراً وإسناداً في المحافل الدولية، ومع ترامب الخصم للديمقراطيين والابن الضال للجمهوريين، والمعتدّ بالقوة في وجه روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية، والذي يُجبر السعودية على دفع ثمن حمايتها، ويطلب من المكسيك أن تدفع ثمن الجدار الفاصل. ترامب هذا لا يتصرّف من تلقاء جنون، فهو إما أنه يؤسّس لحزب جديد يقود بدعم من اللوبي اليهودي أميركا إلى ضرب المنظومة الدولية وقراراتها ومواثيقها، وإما يقود العالم نحو مزيد من الفوضى والخراب وفي كلتا الحالين فتّش عن «إسرائيل»…!