ثقافَةُ إلغاءِ الآخر
بقلم: عدنان كنفاني
لا يستطيع أحد، أن يفصل بين الفكر «الوهّابي» المتطرّف، وبين أسرة آل سعود، منذ أن استولت الأسرة على مقادير جزيرة العرب وناسها، ومنذ قضت على «آل رشيد» النسل الهاشمي في الرياض، وكان
ذلك بدعم مطلق من «الإمبراطورية البريطانية» في ذلك الوقت، وبزحفٍ بربريّ من منفى عبد العزيز آل سعود من الكويت، يحمل سيفاً أوغل قتلاً وتذبيحاً بسكان الجزيرة الأصليين.
لقد كان الفكر «الوهابي» هو الحامل لهذا الابتلاء الظالم عندما سهّل للموتورين والمنحرفين والقتلة واللصوص، ومن خلال «الدين الجديد» الانخراط فيه، كفتوى مبرَّرة من شيخ دين « محمد بن عبد الوهاب»، يحلّل ما حرّم الله، ويحرّم حلال الله، وأولى هذه الفتاوى تقوم على إلغاء الآخر بالمطلق، وبحد السيف قتلاً، وسبياً، مهما كان انتماؤه الديني والأخلاقي والإنساني.
وقد ذكر «الجبرتي» أنه في عام 1803 ذبحَ الوهابيون في مدينة الطائف إبان غزوها، كل رجالها، وسبوا النساء، واستعبدوا الأطفال.
وفي العام نفسه، 1803 هاجموا «الكوفة»، وذبحوا خمسة آلاف مسلم، ثم دمّروا قبر الحسين رضي الله عنه وسرقوا باب المقام، ونهبوا البلد، وفي عام 1805 هاجموا مدينة مكّة المكرمة، ودمّروا قبر «آمنة بنت وهب»، ودمّروا قبر أبي طالب، وقبر السيدة خديجة أم المؤمنين بادعاء أنهم «كفرة مشركون».
وكانوا يهاجمون قوافل الحجيج، يقتلون الرجال ويغتصبون النساء بادعاء أنهم مشركون بتوجههم لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم.
ولم ينجُ حتى شقيقه من بطشه، فقد كان سليمان عالماً جليلاً وهو الأخ الأكبر لعبد الوهاب، وقد وجّه رسالة كي تُقرأ في مساجد العينية، بأن شقيقه «عبد الوهاب» يمزّق الوحدة الإسلامية، وأنه بفعله هذا يعيد صورة خوارج الأزمنة الأولى، وقد استنكر عليه تدمير القبور والمساجد «كما يحصل الآن في سورية امتداداً لذلك الفكر المنحرف».
يقول المؤرخ «ابن غنّام» إن عبد الوهاب أمر بقتل الرجل حامل الرسالة، ثم أعلن أن سليمان كافر وعدو للدين.
وعندما سقطت «حريملاء» بيد عبد الوهاب وآل سعود، وهي مكان إقامة سليمان،هرب سليمان إلى «الزلفى»، وفي عام 1781 تم احتلال الزلفى، والقبض على سليمان واعتقاله بأمر من الشيخ عبد الوهاب، وتم إحضاره إلى الدرعية، وتم سجنه، ثم قتله بوساطة السُمْ.
وفي عام 1922، أي في أوائل القرن الفائت، هاجم 1500 «وهّابي» شرق الأردن، وصولاً إلى جنوب مدينة عمان يقودهم «عقاب بن المحيا» يقتلون الرعاة الأردنيين، ويصرخون.. الله أكبر يا كفرة.
وفي عام 1902 أنشأ عبد العزيز آل سعود مليشيا باسم «الإخوان»، كانت تستبيح دماء ونساء أيّ قبيلة تعارض حكم آل سعود بحجة أنهم كفرة، وبقيت هذه المليشيا قوّة ضاربة حتى عام 1932 بعد أن تم بسط سلطة آل سعود على كامل جزيرة العرب «الحجاز».
إن الفكر الذي أتى به محمد بن عبد الوهاب، يلبس ثوب الإسلام، ولكن على طريقته، إذ لا يكفي للمسلم أن يكون مسلماً إلا إذا انتسب فكريّاً ويقينياً لفكر الوهّاب.. ولم يكن فكره أصلاً إلا تشويهاً عن قصد لروح رسالة الإسلام على خلفية تعطش مسعور للسيطرة، وبالتالي فإن كل من لا يؤمن بالفكر الوهابي كافر، وتعتبر أملاكه وأرضه وعرضه غنائم يحلّ الاستيلاء عليها.
لا غرابة إذاً فيما نراه ونسمعه وما يجري من قبل هؤلاء «أسرة آل سعود» على أرض سورية من قتل وتدمير واستباحة كل شيء، فهم، بالفكر الذي يحملونه، أبعد ما يكونون عن روح الإسلام، رسالة التسامح والرحمة التي جاء بها الإسلام، ولا في تقبّل الآخر، وهم بذلك يتماشون مع الفكر الصهيوني القائم أساساً على إلغاء الآخر، بل وقتلِه وسبيه، والاستيلاء المدمّر على ممتلكاته، إنهم «سرطان» العصر الذي لا شفاء منه إلا ببترِهِ واقتلاعه.