علي نصر الله
منذ الفيتو الأول الذي استخدمته روسيا في مجلس الأمن الدولي لإحباط مُخططات العدوان على سورية، كان المشهد داخل المجلس يُوحي بأنّ التصادم بين الولايات المتحدة وأدواتها في مُعسكر العدوان من جهة، وبين روسيا والصين والحلفاء في مُعسكر الدفاع عن سورية والشرعية من جهة أخرى، واقعٌ لا محال مهما جرى تأجيله.
في مُقابل فرضية التصادم الحتمي المَبنية على وقائع تشهد عليها السّجالات القوية التي جرت وتجري على نحو غير مسبوق بين الجانبين حول مشاريع القرارات التي عُرضت على مجلس الأمن، وطُرحت على التصويت لإحراج روسيا والصين، ومع غياب مُؤشرات ذات قيمة حقيقية تتقدم معها فرضية التعاون، هناك من يتحدّث عن الصفقة التي لم تنضج بعد مُستبعداً فرضية التصادم التي ستكون كارثية على الجميع بلا استثناء.
إذا كانت فرضية التعاون بين المُعسكرين لا تمتلك فرص تحولها إلى واقع بحكم التعقيدات الكبيرة القائمة، والتي وصلت معها الأوضاع بغير محل وموضع وجغرافيا إلى نقطة الاشتباك الخشن والصلب، وليس فقط التصادم بالموقف السياسي الذي كثيراً ما جرى التعبير عنه مُؤخراً بحركة عسكرية من الجانبين – فعل ورد فعل – على شكل مُناورات ضخمة، ونشر منظومات دفاعية وهجومية مُتطورة، وتحريك أساطيل حربية عملاقة عبر البحار والمُحيطات، فإنّ فرضية الصفقة تبدو أكثر صعوبة وتعقيداً، وحتى تكلفة ربما، من فرضية التصادم الكارثية ذاتها.
التعاون بات شبه مُستحيل رغم كل ما يُقال ويُشاع من أنّ احتمالات التقارب والاتفاق على تكثيف جهود الطرفين بموضوع محاربة الإرهاب والتطرف في منطقتنا والعالم صارت احتمالات واردة جداً، بل يكاد بعض المُتفائلين ادّعاء أنها أصبحت في قبضة اليد، وأنّ كل ما تحتاجه هو فقط الانتهاء من بعض التفاصيل التي لا بد من إنجازها قبل التظهير والترجمة العملية لها.
استحالة تعاون الجانب الأميركي – الغربي لا تكمن بعدم الرغبة، ولا بالرفض لرفض التعاون بذاته، بل لأنه يُناقض مشروعه الأساسي، وإذا كان من احتمال لتعاونه بموضوع مكافحة الإرهاب – مثلاً – فذلك لأنه استُنزف وافتُضح وصار عبئاً عليه وبلا جدوى، وينبغي استبداله.
مع ذلك، يُعتقد أنه قد يكون شكل التعاون بموضوع مكافحة الإرهاب أو غيره من المسائل الخلافية والإشكالية التي تصنع الأزمات بات وارداً، لكن في الأغلب إنّ التفاؤل بإمكانية حصول التعاون هو تفاؤلٌ مُبالغ فيه، لا لأنّ الولايات المتحدة، ومعها الغرب، ستتراجع كعادتها وتنقض اتفاقها وتفاهماتها مع الطرف الآخر فقط، بل لأنها إذا تعاونت معه في هذه الجُزئية المُهمة فإنها ستفقد ورقة ثقيلة مهمة كانت بيدها، وستكون بحاجة لاستثمار آخر يُعوضها وبقية الشركاء عن الاستثمار بالإرهاب، وستجد نفسها مُلزمة بالتعاون في موضوعات أخرى ذات صلة سيُؤدي تعاونها فيها إلى الإضرار بمصالحها العليا التي تُوصّفها على أنها أمن قومي!.
أميركا ومعها الغرب وإسرائيل والأعراب والسلطان العثماني الجديد، لا تمتلك إرادة التعاون من أجل سلام واستقرار العالم وأمنه وازدهاره، وتجد بالقوة التي تكتنزها، وبالأدوات التي تستخدمها، وبالحلفاء الذين يصطفون خلفها، ما يكفي لتُعاند وتتطاول، ولتعتدي وتُهيمن، ولتذهب إلى رفض أي صفقة لا لأنها ترفضها بالمبدأ ومن مُنطلقات أخلاقية لا تملكها، بل لأنها ترى وجوب كسر الطرف الآخر الذي يبقى بنظرها أقل من أن تعقد معه الصفقات أو تتقاسم معه المصالح والنفوذ، ولذلك كله، فإنّ التصادم هو الخيار الذي تستعد له أميركا، وبعنجهيتها تتقدم باتجاهه مُستهينة بالطرف الآخر الذي لا تغيب عنه كل هذه التفاصيل والحيثيات، والذي يُعد بدوره لكل الاحتمالات، وإن احتاج الأمر لتلقينها درساً سيُؤرخ.