ترجمة الدكتور غسان السيد
فصل من كتاب: (أمراؤنا الأعزاء جداً)
للصحفيين الفرنسيين كريستيان شيسنو وجورج مالبرونو
لماذا لا يتحدّث أحد عن الكويت، هذه الإمارة الصغيرة المحصورة بين السعودية والعراق، والتي لا تتحدّث اليوم عن نفسها عملياً، مع أن “الكويت أصبحت مركزاً لجمع الأموال لصالح مجموعات إرهابية في سورية”؟. هذا ما حذر منه، في نيسان 2014، دافيد كوهين مساعد وزير الخزانة الأمريكية. تجمع التبرعات للمجاهدين، في الكويت، في الطرقات، ويشارك فيها أساتذة جامعات، ورجال أعمال أغنياء، وحتى وزراء. باختصار، ينتمي هؤلاء إلى النخبة الاقتصادية والاجتماعية في هذا البلد الذي قامت الولايات المتحدة، ضامنة الأمن في ممالك الخليج، بتحريره عام 1991 من جيش صدام حسين. ثلاثة من المتبرعين أساتذة في كلية الشريعة في جامعة الكويت. في المقابل، من الصعب مقابلتهم. لا يردون، عادة، على الأرقام غير المعروفة التي تأتيهم على هواتفهم المحمولة. ومن أجل التعرف عليهم، يجب الذهاب إلى الحلقات الاجتماعية التي ينشطون فيها إلى حد إعطاء أرقام حسابات من أجل وضع الأموال لحساب المتطرفين الإسلاميين (1). تم إيقاف الأستاذ حامد العلي لعدة ساعات صيف عام 2014، عند عودته من رحلة إلى الخارج، واسمه موضوع على اللائحة السوداء الأمريكية بسبب تمويله للقاعدة (2). استجوب ثم أطلق سراحه، وعين رئيساً لقسم الماجستير في كلية الشريعة في الجامعة. كان، لفترة طويلة، الداعم الأكبر لجماعة جند الأقصى المرتبطة بالقاعدة في سورية. من يموّل هو صاحب القرار. وعندما كانت تحدث خلافات فقهية أو غيرها، كان هو من يحكم بين أفراد هذه الجماعة المتمردة. المموّل الثاني من هؤلاء هو حجاج العجمي الإمام الشاب المغرم بالتقنيات الحديثة، ويستعمل ثروة عائلته ليدعم المتمردين السوريين عبر تنظيم الديوانيات، التي هي اجتماعات مسائية يتم الحديث فيها عن كل شيء مع تناول الشاي الساخن. الثالث هو شافي العجمي وهو أستاذ، أيضاً، في كلية الشريعة في الجامعة، وهو الأكثر شهرة بين الأربعة، وخطب الجمعة التي يلقيها تجذب الآلاف من الأتباع في جامع في ضواحي الكويت، كما كان يقدم، أيضاً، برنامجاً تلفزيونياً، قبل إغلاقه عام 2014. شافي العجمي وحجاج العجمي تتهمهما الولايات المتحدة بتمويل داعش والنصرة. وهناك، أخيراً، حكيم المطيري، وهو رجل أعمال غني. يقول أحد العاملين في المخابرات: “يمتلك استثمارات عقارية في تركيا التي يذهب إليها دائماً لإلقاء محاضرات. يصطحب معه، عادة، نحو عشرين شخصاً، ولكن واحداً منهم لا يعود: هو الذي يحمل الحقائب التي تحوي أموال التبرعات للمجاهدين” (3). إن تركيا رجب طيب أردوغان، الذي كانت أولويته لفترة طويلة إسقاط النظام في سورية، يتساهل في هذه الأمور. تأتي أهمية هذه المجموعة من الأفراد، الموجودين في قلب منظومة الدولة، من خصوصية الكويت التي تعود إلى أن هذه الإمارة كانت، ولفترة طويلة، الأكثر تقدماً في المنطقة. كانت، بعد استقلالها عام 1961، مباشرة، أول دولة خليجية امتلكت برلماناً منتخباً بطريقة ديمقراطية، وتمتلك مؤسسات. يضاف إلى ذلك أن بعض الجمعيات الخيرية القديمة والقوية استفادت من الحرية التي تتمتع بها من أجل تحويل الأموال إلى المتمردين السوريين، والأكثر تطرفاً أحياناً. إحدى هذه الجمعيات هي جمعية بعث التراث الإسلامي (SRHI) ذات التوجه السلفي، وتظهر جنباً إلى جنب مع المنظمات الإنسانية للأمم المتحدة في بعض الندوات العالمية. مع ذلك، وضعت هذه الجمعية على القائمة السوداء منذ عام 2012، من قبل الولايات المتحدة، لأنها مولت نشاطات إرهابية في أفغانستان وباكستان. يتذكّر عميل المخابرات الفرنسي: “حذرت دبلوماسيينا الذين أرادوا لقاء هذه الجمعية الخيرية”. من الواضح أن وضعها على اللائحة غير كاف لكي يمتنعوا عن لقاء هذه الجمعية. منذ عام 2011، تم تحويل ملايين الدولارات من الكويت إلى المجموعات السورية المتمردة، ومن بينها داعش وجبهة النصرة وأحرار الشام. والحركة الأخيرة هي منظمة سلفية تمولها، جزئياً، قطر، وهي تشترك أحياناً مع النصرة في قتال الجيش السوري، ولكنها غير موضوعة على قائمة المنظمات الإرهابية للأمم المتحدة، وهي مدعومة من فرنسا، والدوحة والرياض خاصة، لأن هذه البلدان تعتبر هؤلاء المتمردين مقاتلين شرعيين ضد النظام السوري.
منذ بداية التمرد السوري، تعددت نداءات التبرعات الإنسانية، ثم من أجل شراء السلاح. لم يتردد المتبرعون بالقول، على شبكات التواصل الاجتماعي، إن التبرع بثمانمئة دولار، مثلاً، سيسمح للمتمردين بشراء قاذف مضاد للدروع. يقول أحد خبراء مكافحة الإرهاب: “رأيت صورة لصندوق بحجم متر مربع ممتلئ بقطع نقدية من فئة عشرين ديناراً كويتياً، ما يعادل ستين يورو. إذا أجرينا حساباً سنخرخ بمبلغ ضخم”(4). ترسل هذه المبالغ، نقداً، بالطائرات، ثم توضع بصناديق صغيرة، وترسل عبر الحدود البرية السورية التركية، غالباً. تسلم الأموال التي تجمع في الديوانيات باليد، أو ترسل مباشرة إلى حسابات بنكية عبر أرقام (الواتس أب)، أو عبر الانترنت الذي لا يخضع لرقابة أجهزة المخابرات. حتى بداية عام 2013، لم تكن السلطات تمارس أي رقابة، عملياً، على هؤلاء الممولين للجهاد. ولكنها تحت الضغط الأمريكي، اضطرت إلى التحرك. واضطر أمير الكويت الشيخ صباح، في النهاية، في نيسان 2014، إلى قبول استقالة وزير العدل، والذي هو، أيضاً، وزير الشؤون الإسلامية، نايف العجمي. وهو داعم للجهاد بحسب صحيفة واشنطن بوست، كما تؤكد ذلك صوره التي تزين إعلانات التبرع المالي لجبهة النصرة. في الجامعات التي يتم فيها التواصل مباشرة من أجل نشر أرقام الحسابات البنكية، أصبح جمع الأموال ممنوعاً، من الآن فصاعداً. كما أن أئمة الجوامع الذين مدحوا داعش في خطبهم، تم إيقافهم عند خروجهم من الجوامع. ولكن ردة فعل الجهاديين لم تتأخر. في حزيران 2015، كانت الإمارة الهادئة، ولأول مرة، هدفاً لعمل إرهابي تبنته داعش، والتي استهدفت، في جمعة من رمضان، أحد أهم الجوامع في البلد، هو جامع الإمام الصادق. كان الانتحاري سعودياً وصل عبر المطار، وقتل سبعة وعشرين شخصاً، وجرح مئتين وسبعة وعشرين شخصاً آخر. تم الحكم على خمسة عشر مشتبهاًً به بالإعدام، أو بالسجن المؤبد (جواباً على ذلك، قامت الحكومة الكويتية باتخاذ تدابير عديدة لمراقبة وتنظيم التبرعات المالية للجمعيات الخيرية، بما في ذلك مراقبة التحويلات المالية لمستفيدين خارج البلاد، وتنظيم التحويلات عبر الانترنت، وقد شجعت الولايات المتحدة ذلك)(5). في حزيران 2015، صوت البرلمان، أخيراً، على قانون يجرّم التمويل عبر الانترنت لأهداف إرهابية، وهذا مطلب كانت تطلبه الولايات المتحدة من فترة طويلة. خلال هذه السنة، 2015، اكتشف وزير العمل والشؤون الاجتماعية ثمانين حالة تمويل غير قانونية، ما أدى إلى حل جمعيتين خيريتين قانونيتين، وعدة جمعيات سرية. يقول تقرير أمريكي: “على الرغم من كل هذه الجهود، تستمر بعض الجمعيات، وبعض الأفراد في كونهم مصدراً لتمويل جماعات إرهابية ومتطرفة”. باختصار، هناك أشياء كثيرة لم تفعل بعد. تبقى الكويت الدولة الخليجية الوحيدة في مجلس التعاون الخليجي التي لم تصادق على اتفاقية أمن الخليج، والتي تدعم التعاون الإقليمي في مواجهة الأعمال الإرهابية. لقد اكتفت السلطات، لفترة طويلة، باتخاذ أنصاف الحلول. من المؤكد أنها فرضت، في آذار 2015، حظراً على خروج مواطنين أجنبيين من البلاد، وتجميد أموالهما لاتهام الولايات المتحدة لهما بدعم الإرهاب. لكن أحد تقارير وزارة الخارجية تشتكي من أن “السلطات لم تتخذ إجراءات ضد شخص ثالث، وهو كويتي موضوع على اللائحة السوداء للأمم المتحدة، بسبب تمويله لجبهة النصرة”. على الرغم من الطلبات الضاغطة لواشنطن، فإن العمل سراً يبقى قائماً (يقول مسؤول كويتي: جاء مسؤولان أمريكيان إلينا لكي يشتكيان من وصول مليوني دولار لـ “داعش”. أجبناهما: ما قيمة مليوني دولار أمام تهريب البترول الذي يقوم به الأتراك مع داعش؟” (6). بعضهم يتهم الكويتيين بلعب لعبة مزدوجة. قتل جهادي كويتي في سورية، عام 2014، ضمن صفوف داعش التي تضم في صفوفها مئة جهادي كويتي تقريباً. ذهب ولي العهد، بعد ذلك، ليقدم التعازي لعائلته. يأسف أحد الدبلوماسيين ويعد ذلك رسالة سيئة (يؤكد الشيخ سلمان الصباح أن الكويت تخضع للقوانين الدولية، ولكن بعض الأشخاص يتمردون أحياناً. لا يستطيع أحد منعهم من ذلك إذا ملؤوا جيوبهم نقوداً. لكننا تحركنا ضد بعضهم، والآن تم تسوية القضية.. يعترف المسؤول الكويتي بأنه من الصعب القيام بأكثر من ذلك. هؤلاء الأشخاص متجذرون في المؤسسات. وزارتا التعليم والنفط تحت سيطرة الإسلاميين، وقسم من هؤلاء الممولين هم من المعارضة. إذا حاربناهم، يخشى من ردة فعل). نرى، دائماً، هذه الحجة بضرورة مراعاة بعض الفئات من المجتمع خوفاً من زرع الفوضى في البلد. وكما أن قطر تؤوي مراسل أحد ممولي الجهاد الكويتيين، فإن السعودية تستفيد من الحرية الكويتية من أجل تحويل أموال عبرها إلى متمردين غير موثوقين كثيراً.
السعودية التلميذ الأقل سوءاً
بعكس الفكرة الشائعة في فرنسا عامة، تعد السعودية، اليوم، التلميذ الأقل سوءاً في الخليج، من حيث مراقبة تمويل المنظمات الإرهابية. يؤكد أحد الدبلوماسيين الأمريكيين في الرياض إن “السعودية هي أفضل حلفائنا” (7). هناك ثلاث ملاحظات تفرض نفسها قبل الدخول إلى عمق الموضوع. قامت السعودية، بعد اعتداءات 11 أيلول 2001، بجهود مهمة لمكافحة الإرهاب، ولكن المهمة ضخمة بسبب تسامح السلطات لسنوات طويلة. أخيراً، إن الاتفاق الذي وقعته المملكة مع المؤسسة الدينية لا زال يساعد على لعب لعبة مزدوجة (هناك أفراد ومنظمات لا تزال مستمرة بالدعم المالي لجماعات متطرفة في سورية، خاصة الفرع المحلي للقاعدة “جبهة النصرة”، مثلما يشير أحد تقارير وزارة الخارجية الأمريكية الخاص بالإرهاب سنة 2015. ويتابع التقرير: تم جمع تبرعات سراً، وتم تحويلها، بطريقة غير شرعية، خارج البلد نقداً، وغالباً خلال الحج إلى مكة والمدينة). من الواضح أن متبرعين سعوديين يستفيدون من وقت الصلاة والتجمعات التي تستوجبها لكي يرسلوا مبالغ مالية في حقائب للجماعات الإرهابية. من هم هؤلاء الأفراد؟ إنهم ينتمون لعائلات سعودية كبيرة، مثل عائلة فرعون وراجحي اللتين يوصي الزعماء فيهما بجزء من ثروتهم لجمعيات إسلامية، ثم عائلة عبداللطيف جميل وكلاء شركة تويوتا وهو نوع السيارات التي يستخدمها غالباً المجاهدون (يقول أحد رجال الأعمال الفرنسيين: أردت تأسيس أعمال مع عائلة جميل، ولكنني استلمت تقريراً سلبياً جداً من مؤسسة أمنية اقتصادية يقول إنهم مستهدفون). يتعلق التقدم الذي حققته السعودية، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، بكشف سبعة عشر وسيطاً لممولين يرتبطون بداعش مباشرة (8). عام 2015، تم إغلاق مصادر التمويل هذه (9). في آذار 2016، ودائماً بالتنسيق مع واشنطن، صنفت السعودية أربعة أفراد يعملون في باكستان كإرهابيين لأنهم مولوا منظمات إرهابية. من هي هذه الجهات التي تمول المنظمات الإرهابية؟ مؤسسة الفرقان التي حلت عام 2015 لأنها مولت، منذ تشرين الثاني 2013، الشيخ أمين الله الداعم للقاعدة، والذي يدير مركز تدريب (غانج مدرسة) لصالح المتمردين الأفغان (10). في آذار 2016، صنفت الرياض جمعيتين خيريتين تمولان عمليات تقوم بها القاعدة، وطالبان، ومجموعة عسكر طيبة، كمنظمات إرهابية. هناك أسئلة عديدة تطرح نفسها: هل كان يمكن إغلاق هذه الجمعيات الخيرية لولا الضغط الأمريكي؟ ليس من المؤكد. هل كانت نشاطات هذه الجمعيات معروفة من قبل السلطات السعودية؟ كانت هذه السلطات تعرف ذلك غالباً. يقول الباحث توماس فيسر (11): “نحن نعرف الأفراد الذين مولوا بصفتهم الشخصية في الماضي نشاطات جهادية، وهؤلاء ليسوا بالآلاف. مع ذلك لدى السعوديين فكرة عن أولئك الذين يمولون الإرهابيين عندهم”. يتفق الخبراء جميعهم اليوم على القول إن السلطات السعودية لم تعد هي من يمول الجماعات الإرهابية في سورية، خاصة داعش وجبهة النصرة، أو في العراق، أو في أفغانستان، بعكس ما كان يحدث قبل هجمات 11 أيلول 2001. ولكن الرياض لا تعطي اهتماماً كافياً لشبكات تمويل الإرهابيين، مثلما قال بن رودس، في ربيع 2016، وهو الرجل الثاني في مجلس الأمن الوطني الأمريكي. هل كان يمكن أن يحدث هذا الخرق بعيداً عن أنظار الحكومة؟ يتساءل بن رودس الذي لا يعتقد أن الرياض حاولت بقوة منع وصول هذه الأموال إلى منظمات إرهابية. قبل أسابيع قليلة من ذلك، وفي حوار صادم مع المجلة الأمريكية (ذا أتلانتيك) أزعج باراك أوباما القادة السعوديين عندما وصفهم بفرسان خارج المضمار، وشرح كيف يمول بلدهم إسلاماً متطرفاً في أندونيسيا.
(يقول الأستاذ الجامعي عبد الرحمن مكتوي: “المشكلة هي وجود أغنياء رعاة لا يلتزمون بالقرارات الرسمية. لقد انسحبوا من جمعيات إنسانية خيرية لكي يؤسسوا جمعيات أخرى بدلاً عنها، مع حلقات سرية لتمويل إسلاميين متطرفين. ويمر هذا التمويل، بصورة خاصة، عبر مؤسسات من أفريقيا الجنوبية إلى دوربان”) (12). اشترت الدولة السعودية، لفترة طويلة، السلام الاجتماعي عبر ترك النشاطات الإسلامية تمول نفسها.
“ولكن الآن يجد السعوديون صعوبة في وضع حد لذلك”، هذا ما يقوله توماس فيسر. هل يمكن أن يذهبوا أبعد من ذلك؟ يضيف الباحث: “تكمن المسألة كلها في تقويم الخطر الأمني الذي تراه السلطات السعودية إذا قررت إغلاق كل هذه الشبكات لتمويل الجهاديين. هذا هو لب المشكلة”. يقول أحد خبراء الأمن العائلي للمملكة، والذي يشكك هو أيضاً برغبة السلطات في تعريض العقد الاجتماعي للخطر من خلال القطيعة مع المؤسسات الدينية: “سيكون هناك ردات فعل ضد مسؤولين”. في السعودية “لا يعالج سبب الإرهاب ولكن تعالج الأعراض”، كما يقول العميل الاستخباراتي. “عندما تحدث حادثة تأسف السلطات وتدين. وتقوم بإخفاء الآثار الظاهرة لهذه الحادثة المدانة من المجتمع السعودي. ولكن هذه السلطات لا تعالج جذور الشر.. إنها واقعة تحت الضغط. هناك شباب يؤيدون داعش. بعد يومين أوثلاثة من بداية مشاركتهم في التحالف الغربي ضد داعش في سورية والعراق، تلقى أحد الطيارين السعوديين المشاركين في التحالف رسالة تهديد مباشر على بريده الألكتروني. إن معالجة أسباب الإرهاب، بالنسبة إلى السعوديين، مثل الذي يقطع الغصن الذي يجلس عليه. إن إيقاف إرهابي عندهم أو مشتبه به يعني خسارة دعم القبيلة كلها” (13). هذه حجة تم الحديث عنها سابقاً في حالة قطر. يتذكّر احد الدبلوماسيين القدامى، والذي كان يعمل في السعودية، أنه حضر اجتماعات خيرية جمعت مؤمنين عقب الصلاة: “بعد إزاحة صدام عام 2003، شاركت في جلسات مسائية كانت تشاهد فيها، وعلى شاشات تلفزيون ضخمة، مشاهد لهجمات ضد الجنود الأمريكيين. ومع كل انفجار يرتفع التصفيق. كانوا يجمعون الأموال لصالح مجاهدي الفلوجة. في الجامع الكبير في المدينة ومكة، توجد أماكن يجمع فيها دعاة لهم مكانتهم يحرضون على الجهاد. هنا يتم تجنيد عدد من الأفارقة قبل إعادة إرسالهم إلى منطقة الساحل. تعرف السلطات السعودية ذلك، ومع ذلك تتجاهل. هناك نوع من الحماية” (14). إن التفريق بين التبرعات الخيرية والتبرعات المشكوك فيها مسألة صعبة، أيضاً. مع ذلك، السعودية حاربت هذا النوع من الأموال التي تذهب لمنظمات إرهابية. يشهد على ذلك إحصاءات مجموعة العمل المصرفي التي أسستها مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى في باريس عام 1989. بخصوص تجميد الأموال، قامت الرياض بتجميد أموال 2187 شخصاً ومجموعة منذ عام 2010 (15). سمحت الإجراءات التي اتخذتها السعودية بمصادرة 81 مليون و32 ألف يورو منذ عام 2010، وهذا ما يضع الرياض على رأس كمية الأموال المصادرة من دافعي النقود للإرهاب. وأخيراً، استطاعت الرياض أن تكون من أوائل الدول التي أطلقت أحكاماً قضائية ضد تمويل الإرهاب، وقد بلغت الأحكام، منذ عام 2010، 863 حكماً (16), أصدرت السعودية، بعد اعتداءات 11 أيلول، مجموعة قوانين وأجهزة عديدة من أجل مكافحة تمويل الإرهاب. ولكن لب المشكلة، في هذا المجال، يكمن في الاستقلال المالي الذي تتمتع به الجمعيات الإسلامية الخيرية، لأن “السعودية وبعض البلدان يرغبون في الحفاظ على الاستقلال المالي للمنظمات الخيرية غير الحكومية”.. هذا ما ورد في تقرير بعد اجتماع دولي لمكافحة تمويل الإرهاب نظم في البحرين في 9/ 11/ 2014 (17). وحدث بين الوفود “اختلافات مهمة، لا تزال موجودة، في وجهات النظر حول تحديد الأهداف”. “بدا التفتيش الجسدي لعمليات نقل الأموال أولوية بالنسبة إلى الوفود الأوروبية، فرنسا، وألمانيا، والمملكة المتحدة”، ولكن ذلك لم يكن أولوية بالنسبة إلى السعوديين والوفود الخليجية الأخرى. مرة أخرى، تبدو الضغوط ضرورية لاتخاذ بعض الإجراءات المؤثرة. تأتي هذه الضغوط من الولايات المتحدة، وليس من فرنسا المتساهلة اتجاه حليفها السعودي، وهذا ما سنراه في الفصل القادم. مع ذلك لنستمع إلى ما يقوله أحد موظفي أحد أجهزة المخابرات لأحد المؤلفين عام 2007: “إن المعركة ضد تحويل الأموال للحركات الإسلامية المتطرفة عبر العالم محدودة. وحدها جمعية الحرمين الإسلامية تعرضت لضربة، ولكن ذلك كان لتتخذ عبرة، ولم يكن ضرورة حقيقية” (18). يضاف إلى ذلك أن السلطات تعرف هذا. تستمر الجمعيات الخيرية الإسلامية الأخرى في تمويل جماعات في الخارج. أعلن المسؤولون أن التمويل الخاص لحركة حماس، مثلاً، ليس ممنوعاً. هذا إبراء ذمة ضمني يتعلق بجماعات أخرى. من المؤكد أن الدفع في الحسابات أصبح ممنوعاً، ولكن إذا تم منع وضع النقود في الصناديق عند الخروج من الجوامع، فإن ذلك يكفي. لا تعطي السلطات في هذا المجال، وفي مجالات أخرى، الانطباع بأنها تفعل أقصى ما تستطيع. سليمان بوطي، مثلاً، مسؤول عن إحدى الجمعيات الخيرية الإسلامية، يعيش في الولايات المتحدة، وهو متهم بتمويل المتمردين الشيشان، وتم وضعه على اللائحة السوداء في أمريكا، رحّل من الولايات المتحدة إلى السعودية التي تركت له حرية التعبير في الصحف. باختصار، يمارس النظام لغة مزدوجة إلى حد ما، إنه يراعي الطرفين. تعي السلطات المخاطر التي يشكلها الإسلاميون على استقرار الحكم، ولكنها لا تدخل بعمق في المواجهة. “بعض الأئمة المتطرفين لا ينتقدون الحكم، ولكن لهم الحرية في الهجوم على الغرب” (19). منذ ذلك الوقت، اتخذت السعودية جهوداً عديدة يعرفها الحليف الأمريكي لأنها تبقى هدفاً للإرهابيين. “أصدرت الرياض عام 2015، ولأول مرة، بطاقات بنكية مصدقة، رداً على قرار قضائي..” (20). اتخذ البنك المركزي، من جهته، قواعد صارمة لتحويل الأموال. قامت السعودية، عام 2014، بوضع القاعدة وحزب الله ومجموعات أخرى على اللائحة السوداء للمنظمات الإرهابية، ثم جرّمت عدداً من الأعمال، مثل المشاركة في نزاعات، أو تشجيعها في بلدان أخرى – وأصدرت فتوى بهذا الخصوص – أو تقديم أموال لمنظمات متطرفة، أو الاتصال مع أفراد أو جماعات تؤوي أعداء للملكة، أو التواصل معهم. تم عام 2013 إيقاف ألف إمام عن العمل لأنهم دعوا إلى إسلام غير متسامح، وعام 2014، كان العدد 900 إمام. وكانت وزارة الشؤون الإسلامية، قبل عشر سنوات، أي عام 2003، قد طردت 353 إماماً، وعلقت عمل 1367 آخرين، لأنهم حرضوا على العنف. باختصار إن الاجتثاث صعب مثل إفراغ البحر بملعقة صغيرة. عندما هاجم الجيش العراقي، صيف 2016، مدينة الفلوجة التي سيطرت عليها داعش، قام بعض السعوديين، أيضاً، بدعم المدينة المتمردة. “لا يمكننا أن نمنع عواطف الناس”، هذا ما قاله الجنرال منصور التركي، الناطق باسم وزارة الداخلية السعودية، أمام صحفيين أمريكيين، وذلك في محاولة لتبرير هذا الفعل. تشبه هذه الحجة الحجة التي قدمها وزير الإعلام الكويتي. مع ذلك، إنه عدونا نفسه الذي نقاتله، وهو داعش. ولكن بالنسبة إلى داعمي هذا التنظيم، يجب، أولاً، العمل على هزيمة النظام الحالي في العراق، وداعمه الإيراني. يكمن اختلافنا مع حليفنا السعودي في سلم الأولويات.
مع ذلك، أصدر مفتي السعودية، الشيخ عبد العزيز بن عبدالله آل الشيخ، وهو أعلى سلطة دينية في المملكة، بياناً، في 19/ 8/ 2014، وصف فيه داعش والقاعدة بالخوارج، أو أشد أعداء الإسلام. وكان قد صرح، عام 2008، بكلام في هذا الاتجاه، يدعو فيه الشباب إلى عدم الذهاب للقتال في الخارج، ولكن ذلك لم يمنع أكثر من ألفي سعودي من الالتحاق بصفوف داعش في سورية والعراق، بعد عام 2011. إذا كان السعوديون قد قاموا بجهود كبيرة في بلدهم، فإنهم، في المقابل، يستمرون في اللعب بالنار في الخارج، فما زالوا يمولون بعض المجموعات المسلحة في المخيمات الفلسطينية في لبنان. يتعلق الأمر بورقة تعتقد أجهزة المخابرات أنها تستطيع استخدامها ضد العدو الإيراني والعراقي المشترك، وحالة ماجد الماجد مثال واضح على ذلك. هذا السعودي، بعمر أربعين عاماً، كان أحد أمراء جماعة عبدالله عزام الإسلامية، القريبة من القاعدة، في مخيم عين الحلوة في جنوب بيروت. سافر هذا الإسلامي، صيف 2012، لكي يقاتل النظام في سورية المجاورة. أعلنت السلطات اللبنانية توقيفه في 1/ 2/ 2013، قبل أربعة أيام من ذلك، وبفضل إنذار من جهاز مخابرات البنتاغون، تم إخبار الجيش اللبناني بأن ماجد الماجد أدخل إلى المستشفى للعلاج. حدد الجيش اللبناني مكان المشفى قبل إيقافه عند محاولة هربه بسيارة إسعاف، في 26 كانون الأول، نحو عرسال التي هي قاعدة خلفية للمتمردين السوريين بالقرب من الحدود. بقيت عملية إيقاف الزعيم القاعدي سر دولة مدة أسبوع. كان هذا السعودي مطلوباً رسمياً في بلده بتهمة الإرهاب، لكنه كان، بصورة غير رسمية، على تواصل مع جهاز مخابرات المتطرف جداً، الأمير بندر بن سلطان، الذي أقسم أنه سيعمل على إسقاط النظام في سورية بكل الوسائل. اعترف ماجد الماجد، خلال التحقيق معه، أنه نظم اعتداءات عديدة، ومنها الهجوم على السفارة الإيرانية في بيروت، في 19/ 11/ 2013، والذي أدى إلى مقتل خمسة وعشرين شخصاً. تم إسعافه لعدة أيام بسبب إصابته بجرح في بيروت قبل أن يفارق الحياة. لكنه، قبل ذلك، خضع لاستجواب أمام اثنين من عناصر المخابرات العسكرية اللبنانية اللذين قدما شهادته لمكتب المخابرات المركزية الأمريكية في بيروت. يمتلك أحد القضاة العسكريين اللبنانيين محضر التحقيق واعترافات ماجد الماجد. “حاول السعوديون الضغط على اللاجئين الفلسطينيين بواسطة مرتزقة، مثل أعضاء جماعة عبدالله عزام. وبدءاً من عامي 2006 – 2007، بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان، عام 2005، أخذ السعوديون بتمويل الجماعة التي استلمت مبالغ بسيطة عبر البنوك، وقد اعترف ماجد الماجد بذلك” (21). جاءت هذه الحادثة، المظلمة بالنسبة إلى السلطات اللبنانية، في أسوأ وقت. عندما مات ماجد الماجد في 4/ 1/ 2014، كان قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي في السعودية التي كان ملكها قد أعلن، قبل عدة أيام، أمام الرئيس فرانسوا هولاند، أن بلاده ستمول شراء سلاح فرنسي لصالح الجيش اللبناني بقيمة ثلاثة مليارات دولار. تزايد ضغط السعودية على لبنان. يقول القاضي: “واجه جهاز المخابرات العسكرية اللبنانية الذي حقق مع ماجد الماجد مشكلة. كانوا قد وعدوا السعوديين بأنهم لن يستجوبوا ماجد الماجد، ولكنهم، في الوقت نفسه، جمعوا معلومات حول المال السعودي الذي موّل إسلاميي جماعة عبدالله عزام. إنها مشكلة، فهم إما أن يخفوا كل المعلومات، أو أن السعوديين سيتراجعون عن وعدهم بدعم الجيش اللبناني. لهذا السبب اضطر العماد جان قهوجي قائد الجيش اللبناني إلى الصمت. لقد رأيت ملاحظات أحد ضباط المخابرات العسكرية. تم تحويل الأموال لجماعة عبدالله عزام عبر أفراد سعوديين يعملون لصالح السلطات في الرياض: لقد كانوا يعملون بغطاء من أجهزة المخابرات السعودية”.