د. سليم بركات
القادم من رئاسة ترامب أكثر مما تراه العين، لأن الحماقة ومشتقاتها هي المنهجية المسيطرة على عقله، وهو يحاول بناءها ذاتها على طول الولايات المتحدة الأمريكية وعرضها، وربما على مستوى العالم في سياق سياسة متلونة متهورة، التفرقة هدفها، والنفاق تكتيكها، والغدر استراتيجيتها، والبشرة البيضاء فيها تواجه السوداء، والمرأة فيها تواجه الرجل، والسكان من ذوي الأصول يواجهون السكان الآخرين، وغير المسلمين في مواجهة المسلمين… وكلها لا تدمر المجتمع الأمريكي فقط، وإنما تساهم في تدمير المجتمعات الأخرى.
ترامب هو أخر أمريكي في مسلسل الرؤساء ممن تجاوزوا صلاحياتهم الدستورية، بعد الرئيس الأمريكي نيكسون، الذي ذهب ضحية هذه التجاوزات، والتي بلغت الذروة في فضيحة ووتر غيت، وبعد تحقيق كان قد أجراه الكونغرس الأمريكي، وكانت نتائجه أن فرضت على نيكسون الاستقالة.
ومنذ ذلك الحين، أي منذ عام 1974، لم تبرأ الولايات المتحدة الأمريكية من هذه الفضيحة/الهزة، التي أعطت الرؤساء الأمريكيين الدروس والعبر للتنسيق مع القضاء ومع الكونغرس لاتخاذ القرارات وتحديد صلاحيات الرئيس، وهو تحديد التزم به من خلف الرئيس نيكسون بالرئاسة (فورد، بوش الأب، كلينتون، بوش الابن، وأوباما) حيث الجميع كان يعمل في إطار هذا التنسيق المنظم الذي لم يأبه به الرئيس ترامب عندما اتخذ قراره في العدوان المخالف لكل قوانين الشرعية الدولية على القاعدة الجوية بريف حمص (الشعيرات)، لا لشيء إلا لأنه عدواني ويفتقد الخبرة السياسية في قيادة الدولة، وكيف لا يكون كذلك وهو الذي لم يمارس أي سلطة سياسية على مدى حياته، لا هو ولا وزير خارجيته ريكس تيلرسون، الأمر الذي يؤكد أنه بفعله هذا قد سود الوجه الأمريكي على مستوى العالم أكثر مما هو أسود. لقد وضع ترامب الشعب الأمريكي أمام فضيحة كبرى، وهي وقوفه إلى جانب الإرهاب ودعمه له، مظهراً الولايات المتحدة الأمريكية على أنها هي من أوجدته، وبأنها هي من تديره وترعاه.
لقد أثبت ترامب بتصرفه هذا لكل شعوب العالم وعلى رأسها الشعب الأمريكي أنه يفتقر إلى كل مقومات الرئاسة، أكان ذلك بتفكيره أم بتصرفه، وربما سبب للمجتمع الأمريكي، ومجتمعات العالم، بهذا التفكير وبهذه التصرفات الكثير من الإحراج والاستنكارات، وجعلها أمام نزاع حقيقي بدت معالمه باستهدافه لدولة ذات سيادة وعضو في هيئة الأمم المتحدة، وتعد الدولة الطليعية في مواجهة الإرهاب. لقد وضع ترامب الولايات المتحدة الأمريكية في خندق الإرهاب وليس في مواجهته.
عندما يتظاهر الشعب الأمريكي والكثير من شعوب الغرب ضد ترامب ويساندهم الإعلام الأمريكي والغربي في تغطية هذا التظاهر، فهذا يعني أنه يحذر من هكذا رئيس، وهل نبالغ إذا قلنا أنه وهتلر يشتركان بمواصفات كثيرة، تبدأ بمحاربة الإعلام الأقدر على كشف هذا التشابه بين الاثنين، أكان ذلك من حيث الشكل أم من حيث اللباس، أم كان من حيث الشعر المنكوش، وبالتالي أليس تعامل ترامب مع الإعلام الأمريكي هو نفس تعامل هتلر مع الإعلام الألماني، ومن ثم أليس تعامل الإعلام مع ترامب هو نفس التعامل مع هتلر، وهل نبالغ إذا قلنا أن ظاهرة ترامب مستنسخة عن ظاهرة هتلر.
يبدو ترامب من خلال استهدافه لسورية أنه لا يهددها فقط، وإنما يهدد العالم وعلى رأسه الشعب الأمريكي.. إنه يهدد النظام الفدرالي الأمريكي لأنه قد يدفع بعض الولايات الأمريكية إلى التمرد، وهذه فكرة ليست مستحيلة إذا أقدم على سحب الدعم عن الولايات والمدن الأمريكية التي لا تلاحق المهاجرين غير الشرعيين، من وجهة نظره، ولماذا لا يقبل على ذلك وهو المدعي أن الخطر على أمريكا هو من دول سبق ومنع رعاياها من دخول الولايات المتحدة الأمريكية دون أن يقدم دليلاً مقنعاً على ذلك، شأنه في هذا الفعل شأن ما فعل في سورية بحجة الأسلحة الكيماوية، وبحجة أنها تشكل خطراً على الأمن الأمريكي.
إنه يتهم سورية بامتلاك الأسلحة الكيماوية وهو يعلم أن مثل هذه الأسلحة قد خرجت من سورية بإشراف الإدارة الأمريكية السابقة، وبرغبة سورية. فعل ذلك وهو يعلم أن من زود الفصائل الإرهابية بهذه الأسلحة هم حلفاؤه من دول الغرب وعبر تركيا وبأموال سعودية وقطرية.
والسؤال الذي يطرح نفسه: بماذا تختلف حججه في هذا الاتهام لسورية عن حجج جورج بوش الابن في عدوانه على العراق، وبحجة امتلاك العراق للأسلحة الكيماوية، وهي حجة كذبتها التحقيقات والحقائق واستمرت عند إدارة ترامب بالتبرير دون البراهين.
ما أقدر مدرسة ترامب على تشويه الحقائق التي تفتقر إلى المنطق ولا تكترث للعدالة! ليس فيما يخص سورية فقط وإنما غير سورية أيضاً. وبالتالي، أليس هو من ألغى اتفاقيات مع أمريكا الشمالية (كندا والمكسيك)؟ أليس هو من يشجع الأوروبيين على الانسحاب من الاتحاد الأوربي؟ ألا يتناقض هذا الإلغاء وهذا الانسحاب مع العولمة التي شجعتها ورعتها الولايات المتحدة الأمريكية على مدى عشرات السنوات؟ ألا يسير ترامب وفريقه عكس السير في مثل هذه السياسة المتهورة المتلونة؟
أمريكا في عهد ترامب تبحث عن دول تخضع لإرادتها، لا عن دول تشاركها أمن العالم، ومثل هذا البحث سينعكس على الداخل الأمريكي، وعلى علاقات أمريكا مع دول العالم. ترامب يبحث عن دول ينهبها، وعن شعوب يستعبدها، إنه يقود أمريكا إلى مصير الإمبراطورية الرومانية في الفشل والسقوط، ولكنه وللأسف يحمل اليوم مشروع دولة كبرى، وهو لا يمتلك مقومات النهوض في هذا المشروع، لأن مشروعه هو مشروع صناعة الأزمات، وهو مشروع الجنرالات المتمرسين في العدوان على دول وشعوب العالم، وتاريخهم يشهد ماذا فعلوا في أفغانستان، والعراق… دون الاكتراث بالحقائق أو حتى التفكير فيها، وتمثلهم لأوامر ترامب بالعدوان على سورية لأكبر دليل على ذلك.
على كافة شعوب العالم، ومنها الشعب العربي، أن تتقي شر السياسة الأمريكية الجديدة في عهد ترامب، لأنها سياسة عنصرية وجشعة، ووفق رأي ستيفن بانون، الموجه الفعلي لشخصية ترامب، فهي “ستكون ضد العرب والمسلمين لأنهم متناقضون مع المسيحية المتصهينة”. كيف لا والكنيسة الإنجيلية المتصهينة هي التي كانت خلف ترامب حتى وصوله إلى سدة الرئاسة!. وعلى العرب أن يتذكروا تصريحات ترامب في حملته الانتخابية عندما أعلن أنه “كان على الولايات المتحدة الأمريكية عندما احتلت العراق أن تأخذ نفطه، وكان من الواجب إلزام الكويت بأن تدفع لسنوات إلى الخزينة الأمريكية مقابل تحريرها”. وعلى العرب وغيرهم أن يحذروا من مغامرات ترامب غير المحسوبة، والتي ستتسبب المزيد من الفوضى على مستوى العالم، وعلى وجه الخصوص في هذه المنطقة.
بقي أن نقول: إن حماية الإدارة الأمريكية للدول المعروفة في تصنيعها للإرهاب ليست بالجديدة.. إنها السياسة الأمريكية المتبعة منذ اكتشاف النفط وحتى يومنا هذا. ورغم وجود الأدلة عند الإدارات الأمريكية أن السعودية وقطر وتركيا تدعم “داعش” و”النصرة” وكافة فروع تنظيم القاعدة، لكنها استمرت بدعمها وتميزت بعلاقات حميمية معها. ولكن عندما وقعت إدارة أوباما على الاتفاق النووي الإيراني، كانت هذه الدول أول من رفض هذا الاتفاق، لا لشيء إلا لأنها تكره إيران، وباقي محور المقاومة المواجهة لـ “إسرائيل”، الأمر الذي عكر هذه العلاقة من حيث المظهر، والدليل انتقادات ترامب للسعودية أثناء حملته الانتخابية متهماً إياها بحماية الإرهاب ودعمه. لكنه وبعد فوزه في انتخابات الرئاسة تنكر لتصريحاته، ليصبح من الرؤساء الأمريكيين الأكثر قرباً من “إسرائيل” والسعودية، لاسيما بعد الزيارتين المتتاليتين لبنيامين نتنياهو ومحمد بن سلمان إلى واشنطن، الأمر الذي يؤكد أن العدوان على سورية كان نتيجة اتفاق مسبق بين “إسرائيل” والسعودية والولايات المتحدة الأمريكية، كما يعني أن المتكلم الوحيد في عهد ترامب هو المال وليس سوى المال متكلماً.