هل الجمهورية الفرنسية الخامسة مستعدة للاقتران بماكرون ؟


عن موقع : Oriental Review
ترجمة دلال ابراهيم

 انتهى في فرنسا يوم الأحد في السابع من شهر أيار الجاري عملية كانت مصممة في الأصل بمثابة اختبار كبير لمفهوم التسويق السياسي. شاب لديه بوضوح عقدة أوديب , لم يسبق وأن احتل أي منصب عبر صناديق الاقتراع وقبل ثلاثة أعوام كان مغموراً لا يعرفه أحد , يستعد الآن للجلوس في مقعد جلس عليه جورج كليمنصو وشارل ديغول في قصر الإليزيه .

لقد بدأت حملة ايمانويل ماكرون الفعلية ,على الرغم من أن ذلك مر دون أن يلفت أنظار الجمهور منذ شهر حزيران عام 2014 . في بداية الأمر عرض جاك أتالي المعروف بأنه ( صانع القرار السياسي ) في الجمهورية الخامسة الشاب المعتمد من جانبه أمام اجتماع نادي بيلدبربرغ في كوبنهاغن . في تلك الأثناء كان يشغل ماكرون مستشاراً للرئيس فرانسوا هولاند . ولكن نظراً لانخفاض شعبية الرئيس هولاند في ذلك الحين , نصحه أتالي بالابتعاد عن رئيسه , وهو ما فعله عقب مرور عشرة أيام من عودته من الدانمارك . وفي شهر أب ,وبسبب أزمة الحكومة جرى تسمية ماكرون وزيراً للاقتصاد لفترة امتدت لسنتين , خلال تلك الفترة عمل ماكرون على الاستخفاف بقوة الصناعة الفرنسية ذات التكنولوجية المتطورة المتمثلة بشركة الستوم حينما باعها إلى شركة جنرال الكتريك الأميركية , وكذلك الأمر بالنسبة لسلسلة من الفضائح واختلاس أموال حكومية وفرض قانون بغيض مكتوب بأمر من أتالي يدعى ” تكافؤ فرص العمل ” ( اسم بريء لما هو في واقع الحال تراجع في قوانين العمل – وشرعته حكومة تدعى اشتراكية )‏

لا يخفى على أحد أن ماكرون تصرف كأنه وكيلاً لقوى العولمة , التي تسعى جاهدة لدفع فرنسا إلى حفرة حتفها , بصفتها كانت الوصي على التقاليد الجمهورية الأوروبية . ولكن في نهاية المطاف , لا يعتبر ماكرون التابع الأول لعائلة روتشيلد التي ظهرت خلال حوالي ستة عقود من تاريخ الجمهورية الفرنسية . والمشروع الأول لتلك العائلة لتعيين شخص في منصب رئيس الحكومة كان رئيس الوزراء الفرنسي – وفيما بعد انتخبوه رئيساً –  جورج بومبيدو , الذي بدأ العمل لمصلحة روتشيلد في عام 1954 . والمثير للاهتمام هنا هو أنه على الرغم من أن  بومبيدو لم يكن خبيراً في عالم المصارف والمال , بل خبرته المهنية تقتصر في مجال تدريس الأدب في مدرسة ثانوية , فإن هذا لم يمنع غي روتشيلد ( 1909- 2007 ) من تعيينه رئيساً لمصرف ” السادة الأخوة روتشيلد “. وخلال الأحداث الدراماتيكية التي شهدتها فرنسا في شهر أيار عام 1968 تم توجيه بومبيدو من قبل رؤسائه لمنافسة مؤسس الجمهورية الخامسة شارل ديغول , من أجل كسب تذكرة دخوله إلى قصر الإليزيه في العام التالي .‏

في عام 1973 أصدر بومبيدو قانوناً دعته بعض الألسنة الحادة بقانون بومبيدو- جيسكار- روتشيلد , والذي بموجبه تمكنت المصارف الخاصة بحكم الأمر الواقع من السيطرة على النظام المالي الفرنسي . ومن المفارقات أنه وبينما كان بومبيدو في السلطة أسس الفيلسوف والكاتب الفرنسي الشهير والمتمرد جان بول سارتر صحيفته اليسارية ليبراسيون عام 1973 بحيث صار بوسع الفرنسيين أخيراً امتلاك صحيفة يومية للتعبير عن رفضهم لدور المصارف الكبرى وإعلان ذلك . ولكن وفي أعقاب مرور ما يزيد عن أربعين عاماً أصبح المصرفي إدوارد دو روتشيلد المساهم الأكبر في فوضى صحيفة ليبراسيون عبر ضمها إلى إمبراطوريته الإعلامية . ونتيجة لذلك , وبمجرد إلقاء نظرة سريعة على  صفحة ويب وحيدة بوسعنا تقدير حجم ( هوس – ماكرون ) الذي أغرق في الأشهر الأخيرة الفرنسيين المذهولين من صفحات وسائل الإعلام التي تسيطر عليها عائلة روتشيلد .‏

وبطبيعة الحال , يعتبر ماكرون بطل البوب المقبل . سوف يحول الفرنسيين إلى بدو مثاليين , لصالح جاك أتالي , وهي طبقة بريكاريا تمتلك بعض المؤهلات وانكليزية مقبولة , ولكن تفتقر إلى فرص العمل المستقرة , وإلى مهنة يمكن الاعتماد عليها وأجر حقيقي وكذلك مستقبل . إن ما  يكرر فعله ماكرون باستمرار هو سرد حكايات خيالية على الشباب الفرنسي عن ( الطبقة الخلاقة) – حلم حضارة متدهورة – إنما لم يذكر أن المجتمع المقبل لن يكن له أي فائدة لجميع أولئك المتسكعين الذين صوتوا له . فهو يسترشد بمبدأ النيوليبرالية , المبدأ الذي بموجبه تتكرس المهمة الأساسية لدولة منهارة في منح مواطنيها فرصة التكيف باستمرار مع السوق العالمية الشائنة , بدلاً من القيام بما أمكن لحماية فرص العمل وأجور كريمة والمصالح الوطنية . وبالتالي , فإن الفوز في انتخابات السابع من أيار سيكون انتصار الماركيز الصغير الآخر , المبرمج بقوة من قبل وسائل الإعلام ليكون , , وهذا هو الغالب الأخير في تاريخ الجمهورية الفرنسية – وليس هذا بالتأكيد فأل جمهورية سادسة . لقد باتت فرنسا جاهزة للسقوط في الحفرة التي حفروها لها آل روتشيلد .‏

 

اخبار الاتحاد