علي قاسم: الثورة
لم تكن المرة الأولى التي تتسرب فيها أسرار العلاقة بين داعش وأدعياء محاربة الإرهاب في الغرب ومن يتحالف معهم أو يعمل بالارتزاق على حسابهم، سواء كان بشكل معتمد وفق الأصول الإرهابية أو على «الإنتاج»،
لكن قد تكون الأكثر وضوحاً في سياق تلويح داعش بما يحتويه صندوقها الأسود، وابتزاز علني بكشف أبعاد وخفايا الأسرار التي تحكم المعارك المفتعلة مع داعش والتي تنتهي المواجهة بعدها إلى عملية استلام وتسليم من دون أي قتال يذكر.
الأمثلة «الممسوكة» بكثير من الأدلة والبراهين القاطعة تتراكم تباعاً، وآخرها ما نتج عن الممر الآمن الذي تم بين داعش والقوات المدعومة من التحالف الأميركي في الرقة بشرط الذهاب باتجاه تدمر تحديداً، ما اقتضى أن يُستهدف الرتل المكون من عشرات السيارات ومئات الإرهابيين من قبل الطيران السوري والروسي والذي أدى إلى مقتل عشرات الإرهابيين وتدمير القسم الأعظم من الرتل.
فالسؤال المطروح بإلحاح.. لماذا باتجاه تدمر تحديداً.. ولماذا فرضت القوات المدعومة من قبل أميركا هذا الشرط؟!!
الإجابة تقدم بعضاً من المفاعيل السياسية القائمة وتكشف قسطاً من الأسرار التي تحكم العلاقة بين التنظيمات الإرهابية والتحالف الأميركي ومرتزقته على الأرض، فقد رأينا كيف كانت القوات التركية وبعض مرتزقتها تتسلم القرى والبلدات والمدن من تنظيم داعش من دون قتال، وكيف تتم عملية التفاهم بين التنظيمات الإرهابية المختلفة على عملية التحاصص الجغرافي والمناطق التي تصبح جزءاً من مفاعيل تلك المعارك المفتعلة ومواقيتها والاتفاقات التي تنبت على هوامشها لاحقاً.
فالمعلومات المتداولة، والتي كانت قاعدة تحتية لسيل من التحليلات والاستنتاجات المبرمجة في البروباغندا الغربية والتي تجزم بأن جهة داعش القادمة هي دير الزور وأن هناك خطأ في التورية الدينية لا بد من أخذها بعين الاعتبار وتصويب ما أصابها، بحيث تتحرك داعش من الرقة وتعلن عاصمة جديدة لها، وتم الاتفاق بمختلف التحليلات على أنها المسلمة الوحيدة التي تتقاطع حولها التباينات القائمة للآراء المتعارضة في قراءة الحدث.
المحددات الأساسية للاستنتاج الوحيد المتداول تشي بتلك العلاقة المشينة بين التنظيم الإرهابي والأجندات الأميركية، وهو اتفاق يسري أيضاً على علاقة المرتزقة التي تحارب تحت الراية الأميركية أو بحمايتها، مع تعديلات طفيفة في الشكل دفعت مع التطور الأخير إلى الكشف عن جزء مما يخبئه الصندوق الأسود، أو ما يحتويه من أسرار تلك العلاقة، حيث تحركات داعش والقتال معه والمعارك المفتعلة غربياً وجميع الادعاءات الفاضحة بمحاربته، ليست أكثر من ذريعة لتحقيق جملة من الأجندات الأميركية التي تتضح تباعاً.
فالفارق الجوهري بين كل ما قامت به أميركا عبر أكثر من سنتين وبين حصيلة أسبوع من عمليات منسقة للجيش السوري وحلفائه أفضت إلى كشف الهوة الكبيرة حين تمكن خلال ذلك الأسبوع من تطهير منطقة تعادل مئة ضعف مما حققته مرتزقة أميركا ومن تحالف معها في الجو والأرض، وهذا قد يعطي تفسيراً للاتفاق الأخير الذي تم بين القوات المدعومة أميركياً وبين داعش، ليكون انسحابها باتجاه تدمر من أجل عرقلة تقدم القوات السورية وتخفيف الاندفاعة التي لا تكتفي بخلط الأوراق الأميركية وقطع دابر ذرائعها التسويفية، بل تقلب المعادلات رأساً على عقب، وتضع الادعاءات الأميركية على المحك.
لم نكن نحتاج إلى أدلة أو قرائن تثبت التورط الأميركي في سياسة الرعاية للتنظيمات الإرهابية وإدارة تلك العلاقة، بحيث تبقي على خيوط الاشتباك بما يتناسق مع أجنداتها المرحلية والتي تتقاطع بالضرورة مع الاستراتيجية، لكن يبدو أن معركة طحن العظام سياسياً ودبلوماسياً كعنوان يحكم العلاقات الدولية في المرحلة الراهنة ينتقل بالضرورة إلى الميدان بصيغ اكثر قسوة، ويفرض محددات أكثر لمعالم المعركة القادمة بفصولها المتدحرجة، ويعطي مؤشرات قاطعة على أن المواجهة التي أرادت لها قمة الرياض أن تكون تحت عناوين طائفية انطلقت، لكن ليس كما أرادتها واشنطن ومعها السعودية وإسرائيل، وإنما في ميدان آخر وبعناوين أخرى تختلف جذرياً عما خططت له.
التصدي لأرتال داعش المتفق على تهريبها من الرقة بين اميركا ومرتزقتها، لا يمثل إعلاناً واضحاً وصريحاً بعناوين المعركة القادمة فقط، بل رسالة بأن الصندوق الأسود للعلاقة مع التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها داعش لن يطول به المقام حتى ينفتح أمام الملأ، ولن يكون بمقدور واشنطن ولا مرتزقتها ولا القابعين في قاطرة إرهابها أن يخفوا ما بداخله، وما جرى ليس سوى عينة من رسائل قادمة تخطها إرادة المواجهة مع الإرهاب ورعاته وحماته، والقادم ملفات متراكمة من رسائل مركبة بأبعادها وبإنجازاتها في دحر الإرهاب الذي يقتضي فشلاً لمن يعول عليه ويكشف بالضرورة أجندات داعميه ومموليه، ويغلق فصلاً كاملاً من التورية والكذب والفبركة والادعاء الفاضح..!!