ما خلفية إقحام «الأطلسي» في سورية …ومفاعيله؟

العميد د. أمين محمد حطيط*

بعد يوم واحد على تصريح الأمين العام للحلف الأطلسي الذي نفى فيه اي استعداد أو نية لدى الحلف الأطلسي في الانخراط في العمل العسكري ضد داعش في سورية والعراق،

بعد يوم واحد من التصريح هذا صدر قرار-اعلان رسمي معاكس عن قيادة الحلف تؤكد بان الأخير قرر الدخول في التحالف الدولي الذي تقوده اميركا وتزعم انه أنشئ لمحاربة داعش.‏

وبالمناسبة، نذكر بان هذا التحالف الأميركي أنشئ في صيف العام 2014 بعد اسابيع على عملية التمدد الواسعة التي نفذتها داعش في سورية والعراق والتي كادت عبرها ان تحتل أكثر من نصف العراق ونصف سورية وتصل الى الحدود العراقية الإيرانية، وتعلن إثر ذلك انها بصدد إقامة «دولة الخلافة الإسلامية» على أراضي ست دول عربية (العراق وسورية ولبنان والأردن وفلسطين والكويت)، فقام التحالف يومها بقيادة أميركية وسارعت للانضمام اليه دول معظمها تنضوي في الحلف الأطلسي خاصة بريطانيا وفرنسا وسواهما.‏

وفي الأداء و منذ 3 سنوات لم يسجل للحلف الأميركي ذاك نشاط استراتيجي جذري حقيقي ضد داعش ، و هو رغم توجيهه بعض الضربات الجوية ضد مواقعها فقد كانت اميركا تحديدا حاضرة لإمداد «داعش» بما تحتاجه في الميدان لاتقاء خطر او تسهيل مهمة كما حدث اكثر من مرة عندما قدمت اميركا الامدادات العسكرية و اللوجستية لداعش او عندما مهدت لها بالنار لتقتحم مراكز للجيش العربي السوري او للحشد الشعبي العراقي ، و كان جليا و بعد تحليل السلوك الأميركي ضد «داعش» ، ان اميركا تتخذ الأخيرة جسرا تعبر عليه للعودة العسكرية الى الميدان العراقي و للدخول الى الميدان السوري لاقامة القواعد العسكرية فيه و لتثبت حضورا عسكريا نهائيا لها على الأرض السورية اذا استطاعت ، فأميركا التي صنعت «داعش» من اجل استعمالها في خدمة مشروعها تستمر في احتضان «داعش» لاستثمارها وفقا لخطط وضعتها و تنفذها بمقدار ما يتيحه الميدان و ظروفه لها .‏

و في تقييم عام نستطيع ان نقول بان اميركا حققت بعض اهداف خطة العودة العسكرية الى العراق و الدخول الى سورية و بات لها وجود عسكري فيهما يتجاوز ال 8000 جندي ضابط و هي تخطط لرفع العدد في العراق وحده الى 25 الفا و في سورية الى 15 الفا توزعهم على قواعد عسكرية ثابتة تنشرها في المنطقة التي تسيطر عليها «قسد» (قوات سورية الديمقراطية الكردية) التي تخطط لها اميركا للقيام بوظيفة رئيسية هي قطع الاتصال بين العراق و سورية اعتبارا من دير الزور و البوكمال في وسط الحدود السورية العراقية و حتى شمال هذا الحدود ، على ان تبقى مهمة قطع الاتصال على الجزء الجنوبي من الحدود حتى معبر التنف لقوات محلية أخرى انشاتها اميركا تحت مسميات « ثوار البادية « و «جيش سورية الجديد» الخ …وتتخذها قناعا لقوات عربية واجنبية في صلبها و قوامها قوات اردنية و بريطانيا و أميركية .‏

لكن المأزق الأميركي برز بشكل لم تكن اميركا تتوقعه ، و تجلى في القرار السوري الوطني بالتوجه شرقا نحو البادية بغية السيطرة على الحدود مع العراق من معبر التنف الى معبر القائم – البوكمال ، و هو امر اذا تم إنجازه من شانه ان يجهض خطة العزل الأميركي في الجزء الجنوبي من الحدود ، و يقود الى انهاء «داعش» في سورية ما يقطع على اميركا الطريق و يفقدها الذريعة للبقاء في سورية و يفتح الطريق لاستعادة سيطرة الحكومة السورية على الجزء الشمالي من الحدود مع العراق في عملية ستكون ضرورية من اجل الحفاظ على محددة سورية . وان القرار السوري هذا (التوجه نحو الحدود العراقية) هو فوري التنفيذ في الميدان وبدا العمل به فعليا وبنجاح مؤكد، وفقا لاستراتيجية مدروسة تقوم على مبدأ الكنس والتنظيف وفقا لنظرية عمل المحدلة التي لا تبقي خلفها نتوءات او ثغرات، وبهذا نفهم طبيعة ما تحقق من منجزات عسكرية هامة في ريف حمص الشرقي باتجاه تدمر ثم في ريف تدمر الجنوبي متزامنا مع تنظيف الريف الشرقي لدمشق والسيطرة على أجزاء كبرى من طريق دمشق بغداد باتجاه التنف.‏

اقلقت الإنجازات العسكرية السورية الأخيرة، والتي حققها الجيش العربي السوري مع حلفائه، اقلقت اميركا ودفعتها لتصرف عدواني وقح أدى الى استهداف طلائع تلك القوات بعدوان جوي عليها ثم حملها على التفكير بمراجعة خطتها واتخاذ التدابير التي من شانها وقف الاندفاعة السورية نحو الشرق. ويبدو ان هذه المراجعة تمت على عجل واتخذت بعدها قرارات تعول اميركا عليها لتحقيق ما ينقذ خطتها التي وصفناها سابقا بانها ستكون الخطة الأخيرة في جعبة العدوان الأميركي قبل الاضطرار الى الذهاب التفاوض الجدي الذي يفضي لانهاء الازمة السورية بشكل سياسي. اما التدابير التي يبدو ان اميركا اتخذتها فهي:‏

– تنظيم صفقة بين «قسد» و «داعش» في الرقة تمكن داعش من الخروج من المدينة بأعداد هي تحدد حجمها وتتوجه نحو تدمر لإعادة احتلالها، وقد عقدت الصفقة بالفعل وخرجت القوافل الأولى لداعش من الرقة تحت نظر التحالف الدولي الأميركي وسمعه، دون ان يتعرض لها أحد (ما يؤكد مرة أخرى زيف ادعاء اميركا بان تحالفها هو لقتال داعش) لكن داعش لم تفلت من الطيران الحربي الروسي الذي يطاردها بجدية وفعالية، حيث اجهز على القافلة برمتها وكان القتلى بالمئات والتدمير شمل كل سيارات القافلة.‏

– اقحام الحلف الأطلسي في الميدان السوري. و تمكن ترامب و فريقه و خلال اجتماع القمة للأطلسي في بروكسل للمرة الأولى بحضوره ان يفرض على الحلف الانضواء في التحالف الدولي انضواءً يعتبر مخالفا لميثاق الحلف ذو الطبيعة الدفاعية التي لا تجيز له العمل خارج ارض الأعضاء، و طبعا سورية ليست عضوا فيه، و خلافا للمفهوم الاستراتيجي للحلف المعتمد في العام 2010 و النافذ حتى العام 2020 و الذي يمنع على الحلف فتح جبهات جديدة في أي مكان في العالم اذا لم يكن هناك تهديد جدي مباشر لأراضي دولة من الأعضاء الامر غير المتوافر الان .و الان نناقش قرار الأطلسي و تداعياته و نقف على ما يلي :‏

– من الناحية العسكرية الميدانية، لا نجد أي أثر جدي لإقحام الحلف الأطلسي في سورية وخاصة بعد ان أكد امينه العام وبعد القرار مباشرة بان الحلف لن يشارك بقوات برية في سورية وان مساهمته ستقتصر على العمل الجوي، وهنا نلفت الى ان التحالف الدولي يقوم اليوم بالعمليات الجوية وبطيران دول معظمها في الحلف الأطلسي ما يعني ان لا شيء سيتغير في الميدان فمن كان موجودا سيستمر ومن كان عاجزا عن الحضور لن يحضر.‏

– من الناحية السياسية، قد تكون اميركا ارادت من قرار الحلف هذا ان توجه رسالة تهديد إضافي ترهب بها سورية وحلفاؤها، وتقول لهم ان الحلف الأطلسي الذي يجمع قوى 27 دولة من اقوى دول العالم ومنهم 3 دول نووية سيدخل الميدان ويفرض ما يريد، لكن الرد السوري على هذا التهويل لم يتأخر، وجاء على اتجاهين سياسي وعسكري. تمثل الأول في رسالة سورية الى الأمم المتحدة والتي اكدت على عدم مشروعية التحالف الأميركي أصلا ورفض وجود أي طائرة او عنصر ينتمي الى هذا التحالف على أراضيها، وعسكري تمثل بمتابعة التقدم نحو الحدود الشرقية دون ان يأبه الجيش العربي السوري بالتهديد الأميركي العدواني.‏

– ونضيف هنا موقف الدول السبع التي التقت في إيطاليا ومعظمها دول اطلسية أساسية في التحالف الدولي، موقف أكد على امرين أولا حل الازمة في سورية لا يكون الا سياسيا، ثانيا السعي للتعاون مع روسيا خدمة للحل السياسي وهو موقف ينبئ بان قرار اقحام الحلف الأطلسي انما هو ورقة تفاوضية ليس أكثر.‏

وفي الخلاصة نرى ان مناورات اميركا لإنقاذ اهداف عدوانها على سورية، تتعثر وتسقط الواحدة تلو الأخرى، وان اقحام الحلف الأطلسي في الميدان لن يغير في المشهد من شيء وان ادعاءاتها وزعمها بمحاربة الإرهاب لن تغطي مسؤوليتها عن صنعه الإرهاب، وان اهل سورية والعراق ومعهم حلفاءهم الصادقين يعرفون كيف يدافعون عن ارضهم ويحرروها كما حررت ارض الجنوب منذ 17 عاما بالقوة التي مارسها محور المقاومة وان ارض العراق وسورية ستحرر حتما من كل إرهاب ومن أي محتل مهما تغطرس وناور ولفق من أكاذيب.‏

 

اخبار الاتحاد