بقلم: د. خلف علي المفتاح
أسئلة كثيرة تطرح في الشارع السياسي وعلى المستوى الشعبي، هل سينجح مؤتمر جنيف بحل الازمة في سورية أم سيخفق في تحقيق ذلك ؟
هي اسئلة مشروعة ومهمة على كل المستويات الداخلية والاقليمية والدولية،
فعلى الصعيد الداخلي عانى الشعب السوري معاناة غير مسبوقة ودفع من دماء أبنائه واقتصاده ومؤسساته واختطفت نعمة الامن والاستقرار التي كان يرفل فيها، اضافة إلى أن سورية كانت تشهد نهضة اقتصادية واجتماعية واعدة، أما على الصعيد الاقليمي فكان لدول الجوار نصيبها من انعكاسات الازمة عليها بأبعادها الاحتماعية والاقتصادية والامنية، حيث وجد الارهاب المنظم ظالته المنشودة في التحرك بكل الاتجاهات وبدعم ورعاية من دول بعينها، اما على الصعيد الدولي فقد استشعرت دول العالم خطر الارهاب العابر للحدود و آثاره الراهنة والمستقبلية عليها، اضافة الى قناعتها أن استقرار سورية استقرار للمنطقة والعكس صحيح؛ لأنها تشكل قاعدة النظام الامني الاقليمي الذي يرتبط بالامن الاقليمي الدولي ويؤثر ويتأثر به بشكل واضح وجلي .
من خلال ما تقدم نستطيع معرفة لماذا تُعلّق الآمال على عقد مؤتمر جنيف 2، وأهمية نجاحه، ففي ذلك مصلحة للجميع، من هنا يبرز السؤال عن فرص النجاح على قاعدة العناوين التي ستطرح على جدول اعماله والاولويات وتراتبيتها ودرجة اهميتها بالنسبة للاطراف التي ستحضره وهو ما سيحدد فرص النجاح من عدمه، فالواضح ان اولويات الاطراف المدعوة لحضور المؤتمر مختلفة، وهذا يرتبط بأجندتها السياسية ودرجة ارتباط بعضها بالمعارضة الخارجية، وتبنيها لمواقفها وتغليبها لمصالحها ورغباتها على اولويات ورغبات الشارع السوري، ومن يؤيد ذلك من دول العالم، فالواضح ان المعارضة الخارجية ومن يدعمها تريد اختصار المؤتمر بما يسمى تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات، بينما ترى الحكومة السورية وبعض اطراف المعارضة الوطنية ان الاولوية يجب ان تكون لرغبات وحاجات الشارع السوري الذي اكتوى بنيران الارهاب والقتل والتشريد وغيرها من اشكال العنف، اضافة الى معاناته الاقتصادية والمعيشية وحالة عدم الاستقرار التي عانى منها طوال الازمة بمعنى ان تكون الاولوية هي وقف العنف وكل اشكال القتل ومحاصرة الارهاب العابر للحدود الذي بدأ يفيض باتجاه مصدّريه ورعاته، ثم معالجة الاوضاع الانسانية من اختطاف واعتقال وعودة للمهجرين والنازحين وغير ذلك من مخلفات الازمة، بمعنى ان تكون اولويات المؤتمر هي البعد الانساني وليس الرغبات السياسية اي اولويات الداخل لا اولويات الخارج .
إن تحديد أولويات المؤتمر بموضوعه العنف والارهاب والقتل لا يعني اهمال البعد السياسي الذي هو بعد داخلي ومهم ومحوري في اي حل سياسي وهو ما تحدده الاطراف الداخلية بشكل توافقي وعبر خريطة طريق واضحة وزمنية ومحددة، تشكل ارادة الشعب السوري الحرة والمستقلة عن اي تأثير مهما كان شكله المرجعية الوحيدة فيها بحيث يحترم الجميع نتائجها ومآلاتها وحاصلها السياسي والديمقراطي .
إن الخوف من فشل مؤتمر جنيف امر مفهوم لمعرفة الجميع ان بعض الاطراف الاقليمية والدولية تملك أوراقاً مهمة تتحكم من خلالها بإرادة المعارضة الخارجية وخياراتها السياسية، اضافة الى انها الداعم الوحيد للمجموعات الارهابية والمسلحة التي تعمل في الداخل وتعتبر الى حد بعيد ذراعاً عسكرية لها، من هنا تأتي اهمية ان تضغط الدول الكبرى على هذه الدول الاقليمية بشكل واضح وجلي كي تكف عن ذلك، وتتخذ مواقف تدفع باتجاه الحل السياسي، لا معاكسة الارادة الدولية التي تبدو متوافقة على الحل السياسي الذي اقتنع الحميع انه المخرج الوحيد من الازمة.
إن توافق إرادات دولية وإقليمية صادقة على الحل السياسي وفق الأولويات المشار اليها هي التي تخلق المناخ الملائم لتوافق الارادات الداخلية على الحل، لأن المعارضة الخارجية تستثمر في فائض قوة الخارج وتعتمد عليه في رفع سقوف مطالبها ووضعها الوصول الى السلطة هدفها الاول والاخير تحت عنوان هيئة حكم انتقالية وتحاول ربط نجاح المؤتمر من عدمه في تمحوره حول هذا العنوان وهي بذلك تريد ان تحصل على ما عجزت عن الحصول عليه باستخدامها لكل اشكال العسكرة والتهديد بالتدخل الخارجي او باستنزاف مقدرات الدولة السورية العسكرية والاقتصادية والمؤسساتية، وهو ما يدخل في دائرة الاحلا، فالوصول السلطة في سورية يحدده دستورها وإرادة شعبها الحرة والمستقلة .
مما تقدم يمكننا القول: إن فرص نجاح مؤتمر جنيف قائمة وممكنة وكذلك إمكانيات فشله، وهذا يرتبط بتوفر إرادة دولية صادقة وتوافق دولي وإقليمي وداخلي حول ذلك آخذاً بالاعتبار أن دولاً وازنة في المنطقة عملت وتعمل على عدم التئام المؤتمر والسعي لإفشاله أن قيض له ان يعقد وذلك من خلال دعمها للمجموعات المسلحة والارهابية ومحاولة ايجاد كائنات سياسية وعسكرية جديدة في ساحة المواجهة هي في حقيقتها اعادة انتاج للارهاب المنظم، وهذا ما يجب اخذه في الحسبان .
و الحال إذا كان ثمة صعوبة في نجاح مؤتمر جنيف وهذا أمر وارد إلا أن فشل المؤتمر سيكون بمثابة الكارثة على الجميع ما يحمل القوى التي ستحول دون نجاحه مسوولية ذلك، وما يترتب عليه من آثار على استقرار المنطقة والاقليم والعالم بشكل عام، وخاصة أن الجميع بدأ يدرك أن ما حذرت منه سورية من خطر الارهاب المتنقل ليس تهويلاً او هروباً من استحقاقات بقدر ما هو معرفة بحقيقة وإبعاد ما يجري واستطالاته الكارثية على المنطقة والعالم.