التناحر الخليجي وسط الصفيح الساخن..!!

علي قاسم:الثورة

تزدحم العلاقات الدولية بتشابكات مركبة من المواجهات.. المعلنة منها والمستترة، وإن كان التناحر الخليجي أحد أوجه الخروج عن السياق النمطي للدور الوظيفي، فإنه ليس أكثر من فصل إضافي دعائي لمواجهة أبعد من حدود المنطقة،

رغم أنها الساحة المؤهلة لاحتضان الصراع الدولي حتى إشعار آخر بحكم المحاولات المحمومة لتصفية الحسابات النهائية بين القوى التي وجدت فيها على الدوام مرتعاً لأطماعها.. البائدة منها والمستجدة.‏

على هذا النحو.. يخطو التناحر الخليجي نحو الصفيح الساخن وتتمترس خلفه قوى وأطراف تقودها عنوة إلى المواجهة على أجندات ليست لها، وعلى أهداف وغايات لا تخدم مصالح شعوبها ولا أهدافها، وارتضت مشيخات الخليج فيها دور الدول الوظيفية المحدثة على الخارطة السياسية والجغرافية على نحو مهين، وأن تكون مجرد أدوات تابعة ومصادرة في قرارها ومرهونة بوجودها لمعيار الرضا الأميركي، في ظل تهافت وانزلاق أخطر نحو هاوية الصراع المؤجل، بعد أن نفخت في رماده طويلاً أبواق إعلامية وسياسية، وراكمت له منابع النفط والبترودولار ما يكفي لسنوات قادمة.‏

الأخطر.. تلك المحاولات المحمومة بكثير من الحقد الأعمى، بحيث لا تكتفي بإشعال النار في هشيم مشيخات ترهلت بأدوارها الوظيفية وفقدت صلاحية استخدامها السياسي، وتهتكت في حدود ومساحة مبررات وجودها، بل تضيف على النار زيت إرهابها ليكون على مقاس الرغبة الإسرائيلية وحسب الحاجة الأميركية كأحد الشواهد على مفاعيل التدشين الأميركي لخرائط الجبهات والإحداثيات التي تتحرك من خلالها المواجهة، حيث النار المشتعلة على البساط الخليجي تصلح لتكون بوابة العبور إلى الهاوية السياسية والوجودية، ومنبراً تخاطب من خلاله أميركا بنسختها المحدثة ترامبياً أوجه الصراع وطريقة إدارتها له وما ينتج عنه من دمار وخراب.‏

فالمشيخات لم تكتفِ بفضح أدوارها سواء المعروفة أم تلك المسكوت عنها وحسب، بل تتدحرج كرة الخلافات لتعبر المسالك الصعبة والأكثر وعورة في تاريخ وجودها، حيث التهديد لم يعد وظيفياً على الدور، والصراع لم يقتصر على المهمات الآنية والدائمة، وإنما بات وجودياً إلى حد أن الكثير من التداعيات تتجاوز الحسابات الإقليمية وتتعدى جدوى الحديث في العبث السياسي الذي يقف خلف الأسباب الحقيقية التي تدفع إلى مشاهدة كل هذا الفجور غير المسبوق، وإلى ملامسة كل هذا الخراب والدمار الذي يتحضر، لتكون التهم الموجهة لقطر هي ذاتها التي تغرق في أتونها السعودية وتبحر في أمواجها الارتدادية، فيما تسونامي المشهد الذي يحاول تعويم الوجود الإرهابي بنسخته السعودية سينتهي عند هذا الحد، حين تستجيب قطر للمطالب السعودية أو تحدث التسوية عند حافة الهاوية، ويصبح الوجه الجديد للإرهاب في المنطقة بطبعته السعودية خالياً من مشاركات ما فرخته مشيخة قطر من نماذج إرهابية في العقدين الأخيرين، مع الإضافات التي أملتها إسرائيل وأميركا، بحيث لا يكون هناك من يشاغب، ولا من يريد المحاصصة في سوق الإرهاب بالمنطقة.‏

المقاربة الأخطر تبقى في سياق العلاقة مع الأميركي التي تعود إلى التحكم بمنافذ القرار الإرهابي ليكون أكثر مطواعية في الاستجابة للحاجات الأميركية في عهد ترامب، الذي يجر العالم نحو مواجهات إضافية لا تكتفي بما هو قائم بقدر ما تفتح جبهات جديدة، فالهدف ليس تلك المشيخات ولا قطر، بل رسالة تهديد مبطنة.. ليست الصين خارجها ولا أوروبا ولا كل المحتاجين للنفط الخليجي، من خلال توتير الأجواء لدى منابع النفط وتهديد مصادره الأساسية، في وقت لم تعد فيه الحاجة الأميركية للنفط الخليجي بنفس المستوى من الأهمية، وأن ما يجري كان بروفة تصلح للمقارنة حيناً والمواجهة أغلب الأحيان في ظل تعاطي متهور وأحمق.‏

ولعل التفجيرات الإرهابية في العاصمة الإيرانية ليست خارج الحسابات الأميركية بالتوازي مع عدوان أميركي جديد على أحد المواقع السورية لدعم داعش والحفاظ على عناصرها وكوادرها التي ستكون وقوداً لحروبها المقبلة خارج سورية والعراق، وستكون السعودية وكيلهم المعتمد الوحيد من دون أي مشاركة قطرية قد تشاغب بهذا القدر أو ذاك على المهمة الوظيفية للسعودية في إدارة الصراع بأبعاد طائفية تطغى على كل أشكال الصراع والمجابهات بما فيها الإسرائيلي، الذي يصبح شريكاً متكافلاً ومتضامناً بعد أن كان طرفاً أو عنواناً، رغم الإدراك الأميركي السعودي بأن اللعب بالنار في منطقة تتنازعها عوامل الاشتعال، وتحركها بؤر المواجهة لابد أن يمتد لهيبه خارج حساباتهما وأبعد من أجنداتهما.‏

التناحر السعودي القطري ليس أكثر من جبهة تحمل طابع التجريب المخبري للوجود الوظيفي، وإن اتخذ شكل خندق إضافي وسط صفيح المنطقة الساخن يتصل بما قبله وينتهي إلى ما بعده، ويضع مفاهيم الخصومة والصداقة مع الأميركيين على المحك، حين تكون في نهاية المطاف جزءاً من صفقات تجارية تدفع للمحاصصة السياسية بين أدواتها وفق نسب التورم الوظيفي، أو حسب الحاجة للصراع ووظيفيته إقليمياً ودولياً.‏

اخبار الاتحاد