هناك من يصر على أن «جنيف 2» -إن عقد في موعده أو بعد ذلك- فسوف يحل بعصا سحرية قضايا المنطقة كلها، فإضافة إلى الأوضاع في سورية سيحل المؤتمر العتيد العقدة الكبرى في العلاقات الإيرانية مع الغرب، والمسألة العراقية واللبنانية والمصرية، بل ربما الصراع العربي – الإسرائيلي بكامله.
الدعاية الغربية المركزة حوّلت هذا المؤتمر إلى أسطورة حتى قبل انعقاده..
لكن السياسة لا تؤمن بالأساطير، خاصة بالأساطير المستقبلية. الواقع هو الذي يفرض نفسه فرضاً على السياسة، أقله تلك السياسة التي تنأى بنفسها عن عالم الرومانسيات والرغبات خاصة إذا كان الأمر يتعلق بشعب صمد وتصدى لحرب من نوع جديد، حرب سوف تدخل تاريخ الحروب باعتبارها سابقة لا مثيل لها.
وبما أن الحرب الإرهابية هذه من نوع جديد، فالحديث يدور عن مؤتمر من نوع جديد، اختراع، لا يخضع لمنطق أي مؤتمر شبيه في التاريخ المعاصر..
وبانتظار معرفة «المنطق الجديد» الذي سيخضع لقوانينه هذا المؤتمر -إن كان هناك من منطق أصلاً- تجدر العودة إلى المعايير المعروفة في تجربة المؤتمرات منذ الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم، وهي تجربة غنية ومتشعبة.
إن أي مؤتمر يبنى قبل كل شيء على توصيف الحالة، إذ ينبغي وجود عوامل مشتركة -وإن كانت غير متطابقة- في توصيف الحالة بين الطرفين أو الأطراف. لكن «جنيف 2» فيه تناقض كامل في توصيف الحالة بين الوفد السوري الرسمي الشرعي لأنه يمثل الدولة بعناصرها كلها وبين الطرف الآخر.
على أساس التوصيف تضع الأطراف أهدافها وهنا أيضاً يجب وجود عوامل مشتركة بين الأهداف. طبعاً لا مانع في أن تكون الأهداف مختلفة، لكن لابد من وجود عناصر مشتركة بينها، حالة جنيف فيها طرف يريد من المؤتمر أن يحقق أهدافاً لم تستطع الحرب رغم الحشد الكبير لها تحقيقها.
ثم هناك مسألة المعيار الذي تقاس عليه النتائج. الوفد الشرعي يرى أن الشعب العربي السوري هو المعيار، بينما يرى الجانب الآخر أن «حلاً دولياًَ» يجب أن يفرض على هذا الشعب ودولته. الفرق بين تحكيم الشعب وتحكيم الأجنبي قضية مبدئية ورفض الحلول الخارجية بالنسبة للسوريين أمر يتعلق بتكوين تاريخي وجودي لا يمكن التفاوض بشأنه.
الطرف المدعوم من الخارج يعتبر «أن سورية دولة غير موجودة ويجب صنعها» في جنيف وفق التوازنات الدولية وفي هذا الموقف خيانة وطنية تستهدف شعباً هو الأكثر كفاحاً في المنطقة منذ انهيار الاحتلال العثماني قبل قرن من الزمن.
الطرف الشرعي ينطلق من حقيقة أن سورية الدولة الأكثر وجوداً في المنطقة استناداً إلى طبيعتها الاستقلالية وهي دولة ذات سيادة بل دولة متمكنة من سيادتها حتى النخاع وهي تريد حواراً وطنياً ديمقراطياً بين أبنائها هدفه تعزيز هذه السيادة لا إنقاصها.