مصطفى المقداد:
بعد القضاء على داعش في مدينة الموصل، نتساءل عن مستقبل هذا التنظيم المتوحش، وهل تم القضاء عليه كلياً في العراق؟ وبانتظار القضاء عليه في الرقة خلال الأيام القليلة القادمة؟ هل سننتهي من كابوس داعش الإرهابي؟
الإجابة ليست صعبة حتى في ظل حالة التعقيد والغموض والأسرار والروايات الكاذبة التي رافقت نشوء هذا التنظيم المتوحش ودعمه وتمويله وتقديم الدعم له منذ بداياته وصولاً إلى إعلان شكل الخلافة وصولاً إلى تدميره الجامع النوري ومنارته الحدباء رمز خلافته الكاذبة، فالتطورات تنبىء بالكثير من التوقعات المنتظرة بشأن وضع الهاربين من الموصل وغيرها في ظل تواجد التنظيم في مناطق أخرى من العراق مثل تل اعفر والحدود مع سورية فضلاً عن وجوده داخل الأراضي السورية في ريف دير الزور وغيرها، وإن كانت تلك المناطق إلى تراجع وانحسار.
النتيجة التي آل إليها وضع داعش من خسائر وتراجع كانت أمراً متوقعاً بصورة مؤكدة، إذ لم يكن من الممكن لكل من سورية والعراق القبول باستمرار إرهاب داعش مهما كلف الأمر ومهما تداخلت الظروف الدولية لدعم داعش وتقديم المساعدة له من جانب الغرب الاستعماري أو تركيا أو آل ثاني وآل سعود وغيرهم، وإن كان تحقيق هذا الهدف احتاج وقتاً طويلاً إلا أن نتيجته كانت محتومة، وهذا الأمر معروف ومؤكد من جانب داعش ذاته، وهو يدرك أنه لا شك إلى خسارة وانتهاء وهزيمة، ولذلك كان لا بد له من الاستعداد لمرحلة ما بعد الموصل وما بعد الرقة وما بعد دير الزور والميادين والبوكمال وحتى جنوب غرب درعا في مناطق التماس مع العدو الصهيوني، فماذا يعد داعش للمرحلة القادمة؟ وهل سيحلق مقاتلوه ذقونهم وينخرطون في مجتمعاتهم؟ أم سينتقلون إلى مناطق جديدة؟ أم يشكلون خلايا نائمة ويستعدون لتجربة جديدة؟
تجربة الإسلام السياسي لن تقف عند حدود داعش، ومن وظف التنظيمات الإسلامية في مشروعه الاستعماري يعدها لمرحلة قادمة، قد تكون أكثر شراسة وتوحشاً من مرحلة داعش، وذلك تبعاً لمعرفتنا بتطور توظيف الإسلام السياسي في خدمة المشروع الاستعماري الكبير، لكن النقطة التي يتجاهلها المخططون الاستعماريون هي عدم قدرتهم على كبح جماح الغول والوحش الساكن في جوهر تلك المجموعات الإرهابية، ما يضطرهم لمحاربتها في مرحلة لاحقة، كما يبدو الآن من تحول الولايات المتحدة الأميركية والغرب وحتى مشايخ الخليج للبدء في محاربة الإرهاب بطريقة تختلف عما كان يتم ادعاؤه منذ أيلول قبل ثلاث سنوات عندما أعلنت واشنطن تشكيل التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب بقيادتها، وهذه صورة قد تكون حقيقية وصادقة لأن تنظيم داعش بدأ يشكل خطراً حقيقياً على الغرب الأوروبي كله، وكذلك على الولايات المتحدة الأميركية والعالم كله، والعالم يتوقع أن يتسلل الهاربون من معركة هزيمة داعش إلى أوطانهم الأصلية وإلى الكثير من العواصم والمدن الغربية محملين بأوهامهم وأحقادهم ورغبتهم في الانتقام ليشكلوا قنابل مؤقتة كبرى تفترض استنفاراً أمنياً على أعلى المستويات لمواجهة المخاطر المنتظرة، وهي مخاطر تترصد جميع الدول من دون استثناء، الأمر الذي سيضع العالم كله أمام استحقاقات صعبة، قد تكون نتائجه أشد وطأة على الحكومات والمجتمعات التي أسهمت في رعاية وتمويل ورعاية التنظيمات الإرهابية وخاصة تنظيم داعش بحالته المتوحشة غير المسبوقة في التاريخ الإنساني، وستكون أجهزة الاستخبارات مضطرة للتعاون الدولي بما يشكل أساساً لتعاون فاعل في مراقبة وضبط تحركات الإرهابيين والمشبوهين لمنع حصول هجمات إرهابية، ولكن هذا التعاون لن يكون قادراً على القضاء على الإرهاب واستئصاله كلياً ما لم يكن هناك تعاون حقيقي وجدي وفاعل لخلق بيئة ثقافية بعيدة عن الحقد والتفرقة تبني لعلاقات دولية واجتماعية وثقافية أساسها السلام واحترام الخصوصية وترفض العدوان بكل أشكاله.