كنّا نتوقّع جميعاً عشية مؤتمر جنيف حول سورية, أن تعود مختبرات أفلام قناة «الجزيرة» -أي قطر- إلى طرقها القديمة، وهي تفعل ذلك بالتواطؤ مع السعودية.
وبدعم الوسائل التي يتحكّم بها عن بُعد اللوبي «الأنغلو-يهودي- الأميركي» مثل صحيفة «الغارديان» وقناة التلفزيون الأميركية «CNN» التي أدرجت في الجيش الأميركي وتحدّثت عن الهجمات على العراق قبل وقوعها). وذلك في تناغم تام مع نشر تقارير «لهيومان رايتس ووتش» ومنظّمة «آفاز AVAAZ». كلّها معاً.
فالحرب هي أكبر أعمال إمبراطورية الولايات المتحدة المُحتَضرة.
فإن حدث ذلك سابقاً, حين اضطرت الولايات المتحدة للتراجع بعد فشل الصاروخين اللذين أطلقا على سورية من قاعدة روتا البحرية إذ تم اعتراضهما، وأظهرت الصور التي جرى التلويح بها بشأن ادعاءات الهجوم بغاز السارين, أطفالاً أحياء يبدون قتلى صُوّروا في أوضاع مختلفة كما كشفت الأخت أغنيس مريم الصليب (التي كانت تعرف بعض أولئك الأطفال), فإنّهم يُخرجون اليوم من أكمامهم صوراً, سوف نحقّق في أصولها, لما يسمونها «انتهاكات جديدة للحكومة السورية» تغطّي الصفحات الأولى لبعض وسائل الدعاية -لا الإعلام- الموجّهة عن بُعد.
إنّها الوسائل نفسها التي «أخبرتنا» يوماً عن أسلحة الدمار الشامل لدى صدّام حسين؛ أو عن قصف حكومة لشعبها, وهي الحكومة الليبية التي كانت قد أمّنت لشعبها أعلى متوسّط أعمار في إفريقيا كلها؛ إنّها الوسائل ذاتها التي أظهرت لنا «مقبرة جماعية للقذّافي» ملأى بعظام… الإبل؛ وهي نفسها التي تحاول اليوم أن تبيعنا «مجازر الحكومة السورية التي يقودها رئيس يحكم بلاده في تحالف بين عدّة أحزاب, ويدعمه شعب بطل يمثّل أنموذجاً للتعايش بين مختلف الديانات والثقافات ومازال صامداً منذ ثلاث سنوات تقريباً أمام ويلات الهجمات وقتل مواطنيه على أيدي مرتزقة أدخلتهم القوى الاستعمارية بما فيها «إسرائيل».
كنّا نتوقّع ذلك.
لكن ماذا وراء كلّ هذه الحملات لزعزعة استقرار سورية؟
هناك الكثير من المصالح. وقد أشرت إليها في مقال نشرته في العديد من وسائل الإعلام في تاريخ 23 أيار 2013, عنوانه «سورية ليست مسألة ديمقراطية» أعيد ذكر بعض مقاطع منه:
«أما زلت تظنّ أنّ لخطة الهجوم على سورية أيّ علاقة بالديمقراطية؟ وأنّ الإطاحة بحكومتي العراق وليبيا كانت لهذا السبب؟
فكّر. لدى هذين البلدين موارد نفطية كبيرة. فهل أقيمت الديمقراطية بعد تخريبهما وتدمير بناهما التحتية, وقتل زعيميهما بوحشية؟ على العكس تماماً, فقد حلّت محلّ دول علمانية دول أخرى تستند إلى حكم الدين تُطبّق فيها الشريعة ونظام إرهاب.
من يأخذ النفط؟ نفط العراق تأخذه الشركات الأميركية: «إكسون موبيل وشفرون تكساكو», والإنكليزية الهولندية «شل وبريتيش بتروليوم», رمز المملكة المتحدة. وتأخذ نفط ليبيا على نحو أساس الشركات المذكورة أعلاه إضافة إلى الفرنسية «توتال» لأن فرنسا شاركت في الهجمات, وتُعطى حصص أصغر لشركات أخرى منها الإيطالية «ENI» حتّى الصهيوني برنارد هنري ليفي المحرّض على الحرب, له حصة من النفط الليبي. وليس النفط فقط.
ما مشكلة سورية؟ مشكلتها في أنّها بوابة الدخول إلى ثلاث قارات؛ وأنّها تختزن في باطنها ثاني احتياطات النفط العالمية وربّما احتياطات الغاز الأولى أو الثانية؛ وأنّ لديها مناطق تطمع «إسرائيل» فيها لتوسيع كيانها الصهيوني، وأنّ القوى الاستعمارية تريد الأراضي السورية لمدّ خطوط أنابيب نقل الغاز والنفط لتُخرج من خلالها نحو البحر المتوسط الوقودَ الذي تنوي سرقته من بلدان أخرى؛ وأنّها المنصّة التي يمكن الانقضاض منها على إيران, في خريطة الطريق أيضاً. لذلك يريدون مهاجمة سورية.
كيف يمكننا التأكّد من ذلك؟ ليس ذلك جليّاً فحسب, بل إنّ الجنرال الأميركي السابق والقائد الأعلى السابق لحلف شمال الأطلسي, ويسلي كلارك, قد تحدث عنه في شريط فيديو يمكن لأيّ كان أن يجده على الانترنت. ويروي تحديداً كيف أنّ قيادات الدفاع دعته, بعد بضعة أيام على أحداث 11 أيلول, لتبيّن له «ضرورة مهاجمة العراق». فسأل متفاجئاً: «لماذا؟» لعلمه بأنّ ذلك البلد غير متهم بشيء. وكان الجواب بأن ليس العراق هو المقصود وحده, فستتبعه ليبيا وسورية ولبنان والصومال والسودان وإيران. والآن ينفّذ جدول الأعمال المشؤوم هذا، وإن كانوا قد قفزوا من ليبيا إلى بلدان إفريقية أخرى (وفي هذه الحالة تتكفّل فرنسا بالخطة).
كيف ينفّذون تلك الحروب؟
يسهل عليهم ذلك، فهم, وإضافة إلى الأسلحة, يعتمدون على أوراق رابحة مهمة أخرى: «وسائل الإعلام» التي تحوّلت اليوم إلى وسائل دعاية أو وسائل إعلام كاذب, وهي خطرة خطر الصواريخ؛ يسار مُخترَق يُمهّد الطريق للإمبراطورية وقد حشدَ جزءاً من التقدّميين في خدمة الحروب؛ سلسلة من المنظّمات غير الحكومية المزعومة مثل «هيومان رايتس ووتش» ومنظمة العفو الدولية و«آفاز» وسواها, هي أدوات في خدمة الحروب؛ وآلاف المرتزقة بقيادة حلف شمال الأطلسي (الذي يسير جنباً إلى جنب مع «تنظيم القاعدة الإرهابي», تدفع لهم السعودية وقطر بسخاء, ويعملون على التخريب وارتكاب الجرائم لبثّ الرعب. فلننظر إلى السيناريو.
يتعرّض رئيس البلد المعني (العراق, ليبيا, سورية…) عن طريق صندوق رنين وسائل الدعاية, لحملة تشهير يُتهم فيها بجميع أنواع الاعتداءات, بما في ذلك الجرائم التي يرتكبها المرتزقة, وتُستخدم لهذا الغرض حتّى مسرحيات بممثلين.
ويروح اليسار المُختَرق يسّوغ التدخّل عبر مقالات وجدالات مدبّرة وبيانات وبلاغات تبدأ دوماً بمهاجمة «أنموذج اقتصادي يستغلّ الشعوب» لتنتهي حتماً مطالبةً بالتدخّل بالبلد موضوع البحث, لأسباب «إنسانية». وتدعم حججَه المنظماتُ «غير الحكومية» الكاذبة المذكورة.
وأخيراً تأتي الجيوش (في حالة ليبيا سيئة الحظ, كانوا 48 بلداً مع الناتو), قصفوا كلّ شيء: المدارس والأسواق والوزارات والجسور والمستشفيات والقرى والجامعات والأحياء والموانئ… فثمّة صفقات تجارية كبيرة أخرى في عقود إعادة الإعمار.
ثمّ تأتي المهازل الانتخابية التي «تُنتخب» فيها أذناب القوى الاستعمارية كالإخوان المسلمين, الفرع السياسي لتنظيم القاعدة الذي «يطبّق الشريعة»… والفوضى, بينما يتقاسم المهاجمون النفط. فليتوقّفوا عن خداعنا: إنّها عصابة إرهابية خطرة تعمل في خدمة الجريمة والنهب احتلّت الأممَ المتحدة وتقوم بمهاجمة البلدان واقتسامها كغنائم… لا أكثر.
وسورية هي المُستهدَفة الآن.
فلنعمل كي لا يحقّقوا هدفهم.