أصبحت ردة الفعل على أحداث أيلول الإرهابية في الولايات المتحدة والإرهاب (الجهادي) المتطرف كبيرة وباهظة الثمن وذات تأثير ارتدادي، إنما يقال على الأغلب، إن الجنرالات يهيئون دائماً للقتال في الحرب الأخيرة وهي ليست تلك التي سيواجهونها فعلياً.
إذ يوضح المزاج العام أن الحرب على العراق فاشلة والاحتلال الأميركي لأفغانستان أصبح في نهايته.
تلك الرؤية تحتد في رفض التدخل العسكري في سورية، وأن الفشل في العراق وأفغانستان يساعد في جعل الظروف أصعب بالنسبة للشعوب التي تطمح حكوماتها للسيطرة على مناطق وثروات بلدان أخرى، وتزامن الرأي العام هذا مع حالات كثيرة من ادخارات الإنفاق العام لميزانيات تلك الدول.
جاء ذلك في تقرير نشرته صحيفة «الغارديان» البريطانية، أشار فيه الكاتب إلى أن وزارة الدفاع الأميركية تقتنص الفرصة لتقوم بادخارات في ميزانياتها التي تكون كبيرة نسبياً، إذ وصلت تقريباً إلى 40 بليون دولار، وليس على الناخبين والمواطنين هناك أن يكونوا مسؤولين عن بناء حاملتي طائرات جديدتين تكلفان رسمياً 6 بليونات دولار.
وقال التقرير: هناك موضوع مشترك ومهم في الحالتين الأمنية والعسكرية، فقد تكون السياسات في حالات كثيرة ذات نتائج عكسية، كتغذية التطرف من عدمه، والتفكير في هذا لا يعني في حال من الأحوال رفض الخطر أو الحاجة لردة فعل مؤثرة وهنا يؤكد التقرير ضرورة خلق قوانين فعالة لمكافحة الإرهاب إذ تبرز الحاجة لاستراتيجيات أفضل وأكثر موضوعية.
ومن جانب آخر، تأتي الرواية المناقضة.
فقد بدأ الإعلام يتحدث عن ظهور تشكيلات جديدة للمجموعات المسلحة ما يؤكد ضعف «المعارضة» وتشرذمها وعجزها عن التوحد.
طبعاً ونتيجة ذلك أصبحت المجموعات الجديدة تأخذ أماكن المجموعات قديمة العهد طوعاً وتنسيقاً أو بالقتال والإكراه ويبرز الدور الموكل لهذه المجموعات المتطرفة في تنفيذ أجنداتها الإرهابية من خلال مجموعة التقارير التي تبث قصصاً وبرامج عن إحدى هذه المجموعات وهي ما يسمى اليوم «دولة الإسلام في العراق والشام».
وفي الواقع، فإن الميليشيات الأكثر هيمنة في سورية، هي ذات النزعة الأصولية الوهابية التي تقاتل الآن تحت راية ما يسمى «الجبهة الإسلامية» إضافة لما يسمى «أحرار الشام» و«لواء الإسلام» و«جبهة النصرة» التابعة لـ«تنظيم القاعدة».
نشأت المجموعات التكفيرية هذه في مناطق مسيطر عليها حالياً أو سابقاً من الولايات المتحدة في بلدان أخرى، فوجدت البيئة المناسبة لتنظيم وتوسيع نشاطها.
والآن تحاول وسائل الإعلام الغربية والخليجية إعادة تنشيط هذه الصورة للجماعات السلفية على أنها «مجموعات معتدلة»، لكن وحتى الآن، وعلى عكس هذه الرواية، فإن الأغلبية العظمى لقوى «المعارضة» نجدها تشترك في أيديولوجيات سياسية دينية مثقلة بالطائفية والتطرف.
ويضيف التقرير: من الخطأ الاعتقاد أن «جبهة النصرة» هي فقط تمثل ظاهرياً فرع تنظيم القاعدة في سورية لأن معظم قادتها وعناصرها قد تم تدريبهم واستقدامهم، وللإشارة أنهم أيضاً في معظمهم يتكلمون لغة أجنبية وليست سورية أو عراقية.
إن «الجهاديين» السلفيين المتفقين أيديولوجياً (كأحرار الشام و جبهة النصرة ومؤخراً دولة الإسلام في العراق والشام) كلها شكلت رأس حربة للقتال في سورية على مدار ثلاث سنوات بحق الجيش العربي السوري ومنشآته إضافة إلى استهداف المناطق المدنية وكله بفضل حجم الدعم المالي والعسكري والبشري لهذه الميليشيات.
ومن الأمثلة على هيمنة المتطرفين، نشرت «مجلة التايم» مقابلة أوضحت فيها عبر مجموعة من الأدلة أن مقاتلي مايسمى «أحرار الشام» يرتبطون ارتباطاً وثيقاً بتنظيم «جبهة النصرة» وأن هذه التنظيمات كانت تخطط للقيام بهجمات عنيفة في سورية قبل أي احتجاجات سلمية كانت يمكن أن تحدث في بدايات 2011.
وفي المراحل الأولى للأحداث في سورية وفي محاولة للسيطرة على عقول الشعوب، فقد تم تجنيد عناصر سلفية «جهادية» تتخفى بأجندات طائفية، وهذا ما أكده أيضاً تقرير حديث بثته (National ) عن اعتراف مقاتلي ما يسمى «الجيش الحر» الموجود في درعا قائلاً: «إن عناصر «جبهة النصرة» يقدمون خدماتهم ويتعاونون معنا، وهم أكثر مهارة ويملكون من العتاد أكثر منا».
وعززت تقارير كثيرة تحليلات سابقة تشير إلى أن المجموعات المسلحة مسؤولة عن العنف الأول الذي حدث في آذار 2011 من متطرفين تكفيريين وليسوا مقاتلين علمانيين من «أجل الحرية».
وكما ورد في مقالات ومقابلات متعددة لقادة المجموعات الإرهابية، فإن ما يسمى «الجبهة الإسلامية» ليست في أي حال «قوة معتدلة» تعارض أيديولوجية «القاعدة» ومن ضمنها «تنظيمياً جبهة النصرة ودولة الإسلام في العراق والشام».
فبالنسبة لتنظيمي «أحرار الشام ولواء الإسلام» وميليشيات تكفيرية أخرى كلها تعمل تحت إشراف وتمويل «الجبهة الإسلامية» التي تقاتل جنباً إلى جنب مع «جبهة النصرة». وهي التي ساهمت في العنف الذي استهدف القرى والبلدات الآمنة.
ويضيف التقرير: إن المجازر التي تم ارتكابها بحق المدنيين في اللاذقية تقدم مثالاً للهمجية الطائفية التي ارتكبتها ليست فقط المجموعات المتطرفة إنما بمساهمة من القوة التي تدّعي «الاعتدال» وهي ما يسمى (الجيش الحر) وتأتي المجزرة الأخيرة في مدينة عدرا العمالية مثالاً آخر على التعاون القائم بين «الجبهة الإسلامية» وحليفاتها من «تنظيم القاعدة».
وهذه الجريمة حسبما أكد التقرير جريمة أخرى تم تجاهلها من الإعلام الغربي ولاسيما أن مراسل محطة «بي بي سي» كان على بعد أميال قليلة من المجازر التي حصلت.
إن النسخة التاريخية للحركات الإرهابية المدعومة غربياً وإقليمياً وعربياً تقدم كماً هائلاً من الأدلة على الرعاية والدعم الخليجي والغربي لها لتحقيق غاياتها الجيوسياسية، ولاسيما عند مهاجمة الحكومات القومية التي ترفض التحالف مع القوى الرأسمالية الأميركية والبريطانية.
فالاقتتال والعنف المدعومان من آل سعود والولايات المتحدة الأميركية في أفعانستان خلال عقد الثمانينيات من القرن الماضي بحق الحكومة الشيوعية المدعومة من السوفييت يقدمان المثال الواضح لأنموذج حروب الولايات المتحدة الأميركية والسعودية التي تدمر من خلالها بلداناً ودولاً كما حصل في سورية وليبيا.. إن تمرد ما يسمى «العرب الأفغان» ساعد على خلق وتقوية «القاعدة» من خلال بن لادن وشبكة «حقاني» وغيرها من الميليشيات المتطرفة الأخرى.
إن الاقتتال المستمر في سورية هو في الحقيقة نتيجة التشرذم القائم بين مجموعات «المعارضة» السياسية منها والعسكرية ودرجاتها المتنوعة من الأصولية والتطرف.