لعل إحدى أهم مشاكل، وعقد، حكومات دول الخليج العربي، أنها أسيرة فكرة أن الولايات المتحدة الأمريكية إذا أرادت شيئاً قالت له: كن فيكون.. ويبدو أن هذه العقدة انتقلت إلى بعض أطراف المعارضة السورية الخارجية المرتبطة بها بحكم المساكنة والتابعية، هذه العقدة الخليجية تعد من وجهة نظرنا أحد أهم أسباب الاستلاب السياسي لتلك الدول، ومصادرة إرادتها السياسية؛ حيث جعلتها أمام خيارات محدودة ومحددة، وصلت بها إلى درجة التابعية السياسية، ما أدى إلى حصرها في زوايا وزواريب ضيقة.. ووصلت الأمور إلى درجة أن بعض المشتغلين بالحقل الإعلامي والسياسي في تلك الدول بدؤوا يتحدثون، وبصوت عالٍ، موجهين النقد لهذا الاستتباع الذي هو بالنتيجة مصادرةٌ للإرادة السياسية والوطنية لتلك الدول، وتظهيرٌ لإمكاناتها النفطية والمالية بما يخدم أجندة الولايات المتحدة الأمريكية، و الكيان الصهيوني على وجه التحديد، وهو ما يترك أثراً سلبياً، ورفضاً واضحاً من قطاعات شعبية واسعة في تلك الدول تجد تعبيراتها في أكثر من مجال.
وكما استثمرت الولايات المتحدة الأمريكية دول الخليج، وغيرها من توابعها السياسية، بهذه الطريقة؛ فهي تمارس هذه اللعبة المربحة لها سياسياً مع بعض أطراف المعارضة السورية، ولاسيما الائتلاف الوطني، الذي يدرك الجميع أنه كيان ولد بتوافق أمريكي خليجي سعودي، لتختصر فيه المعارضة السورية التي تستخدمها قفازاً يخفي أذرعها السياسية والعسكرية، وتريد من خلالها تحقيق أجندتها المتمثلة بضرب، وإضعاف، خصومها السياسيين، والسعي لإسقاطهم، وحلول بدائل سياسية أمريكية بغطاء وواجهة وطنية مخادعة، وكل ذلك يدخل في إطار لعبة الصراع والتنافس الدولي في المنطقة، و رسم خرائط سياسية جديدة في عالم ما بعد القطبية الأحادية الآفل.
لقد كان التحدي الأساسي أمام الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ ما بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، هو كيف تستطيع أمريكا أن تحل محل الدول الاستعمارية التقليدية في بعض الدول التي خرجت من حقبة الاستعمار المباشر بصيغة جديدة لا تثير حساسيات تاريخية متشكلة في وعي جمعي تاريخي في عالم ثالثي.. فكانت الإجابة من المخابرات المركزية الأمريكية وبعض مراكز الدراسات أن هذا الهدف الاستعماري يتم بصيغتين اثنتين: إما بالانقلابات العسكرية، أو عبر الاستثمار بالقوة الناعمة؛ أي جاذبية النموذج الأمريكي، وصناعة ما أطلق عليهم بحسب زبغنيو بريجنسكي (قادة المستقبل) من أبناء دول العالم الثالث، بحيث يتم تصنيعهم وفق الثقافة السياسية الأمريكية ليتم ( تصديرهم) بضاعة سياسية تحت مسمى” معارضة، وقادة رأي وإصلاح ديمقراطي ومجتمع مدني، وناشطي حقوق إنسان” وغيرها من أكاذيب وعناوين مخادعة وجذابة، وهو ما جرى الاشتغال عليه منذ ذلك التاريخ وحتى الآن!.
إن شعباً – أيّ شعب – هو المصدر الوحيد للشرعية، ولا يجوز لأية جماعة سياسية، مهما كان داعموها، أن تلتف على ذلك، أو تسطو على أي مفهوم سياسي أو قانوني بهدف مصادرته واستثماره سياسياً، حتى لو أغدقت عليها دول كبرى ما تراه من الأوصاف والتسميات التي لا يمكن أن تتجاوز ما استقرت عليه الشرعية الدولية، وقواعد التعامل الدولي، من تقاليد وأعراف أصبحت جزءاً لا يتجزأ من منظومة قانونية مستقرة؛ فآليات إنتاج أي نظام سياسي وطني، أو هيئات إقليمية أو دولية معترف بها أو منزوع عنها الاعتراف ( شرعية أو لاشرعية ) لم يعد محط اجتهادات أو تأويلات .
إننا نعيش في عالم جديد، أو يتجدد، على الأقل، له مفرداته وأدواته وآلياته السياسية والديمقراطية، وغدت الإرادة الوطنية الحرة فيه العنوان والمتن لمفهوم السيادة والشرعية والحلول؛ فالمسألة لم تعد كيفية الفوز بشهادة ولادة، أو تعريف أمريكية، كانت عند البعض كافية؛ فهذه مسألة تنتسب إلى زمن آخر، ومن أفعال الماضي، ومطرحها أرشيف السياسة، أوحديث الذكريات