ابلا السلام موطن أقدم اتفاقية سلام وأقدم قوانين تجرم القتل والاعتداء في العالم
بقلم: المؤرخ الدكتور محمود السيد-المديرية العامة للآثار والمتاحف السورية
والإعلامي عماد الدغلي
الدراسات اللغوية واللقى الأثرية والنقوش الكتابية المكتشفة في مختلف المواقع الأثرية في العالم توثق إسهامات الممالك السورية القديمة ودورها الرئيسي في إرساء الاستقرار والسلام في منطقة الشرق الأدنى القديم وأهمية ذلك في تقدم الحضارة الإنسانية وتطور العمران والبنيان وازدهار الفنون التشكيلية والأدب والتجارة والاقتصاد والزراعة.
تؤكد اللقى الأثرية والنقوش الكتابية المكتشفة أن ابلا المعاصرة لمملكة ثم امبراطورية آكاد التي قامت في وسط بلاد الرافدين وجنوبيها هي أقدم الممالك السورية وأوسعها نفوذا فمع ازدهارها بشكل ملحوظ في القرن الرابع والعشرين قبل الميلاد وتحولها إلى أهم المراكز التجارية في الشرق القديم في عصر البرونز القديم فرضت نفوذها وسيطرتها على مساحة واسعة من الآراض امتدت من شمال حلب وسهل أنطاكية ومنعطف مجرى نهر الفرات نحو الشرق وأطراف البادية السورية شرق حماة والسفوح الشرقية لسلسلة الجبال الساحلية أي بسطت نفوذها على المناطق الواقعة بين هضبة الأناضول شمالا وشبه جزيرة سيناء جنوبًا، ووادي الفرات شرقًا وساحل المتوسط غربًا وارتبطت بعلاقات تجارية ودولية واسعة مع الدول والممالك المجاورة كمصر وبلاد الرافدين والبعيدة فوصلت حتى شمال إيران والهند. وكانت بفضل موقعها في وسط الخطوط التجارية، صلة الوصل بين مصر وما بين النهرين والى ما بعد جبال إيران حتى الهند.
الرقم الطينية المدونة بالمسماري السومري والمسماري الأكادي والمسماري الابلائي والمكتشفة في إحدى غرف القصر الملكي في مملكة ابلا “تل مرديخ حاليا” تؤكد أن الشعب السوري هو أقدم شعب في العالم نادى بالسلام والصداقة والأخوة مع شعوب العالم الأخرى وسعى إلى إرساء أسس السلام وقواعده وإحلاله في سورية وفي الدول والممالك المجاورة منذ أقدم العصور.
ويمثل نجاح الجيش العربي السوري في إرساء الأمن والسلام في موقع تل مرديخ الأثري وغيره من المواقع الأثرية المنتشرة على امتداد الأرض السورية الركيزة الأساسية في حفظ وحماية جانب مهم من الإرث الثقافي الأثري والتاريخي لسورية والعالم.
وإذا كان أقدم اتفاق سياسي دولي في العالم يرسم الحدود الإقليمية بين الدول في تاريخ القانون الدولي دون بالخط المسماري السومري على نصب الصقور على وجهي النصب وبشكل أعمدة كتابية قد وقع في أواخر القرن الخامس والعشرين في الفترة الواقعة بين 2470-2455 ق.م وهي المعاهدة السومرية التي فرضها الملك المنتصر إناتوم ملك مملكة لجش إحدى المدن القديمة في بلاد سومر “حاليا الهباء أو الهبه على بعد 30 كم شرق الشطرة – قرب الدوايه شمال غرب تقاطع نهري دجلة والفرات وشرق أوروك”. وأول من أسس إمبراطورية في التاريخ على مملكة أوما” حاليا تل جوخة، الواقع غرب نهر الفرات في قضاء قلعة عسكر” وبعد نزاع طويل على منطقة حدودية فاصلة تقع بين المملكتين تدعى “كَو-إدنا” تمكن من استعادة أراضي مملكته وسيطر على المياه الضرورية للزراعة فإن السوريين هم أصحاب أقدم اتفاقية سلام مدونة في العالم تحرم القتل والاعتداء وتدعو إلى السلام.
وتعتبر النصوص المسمارية السومرية القادمة من مملكة لجش في العراق والتي يعود تاريخها إلى العام 2500 ق.م الأكثر وفرة في ذلك العصر والى هذه المرحلة أيضا تنسب بداية تأريخ الحدث واليها تعود بداية انتشار الكتابة على نطاق واسع. وفي أرشيف مملكة لجش اكتشف أول نص كتابي مدون في العالم يدعو إلى الإصلاح الاجتماعي ويؤكد مضمونه على أهمية إحقاق الحق والعدالة واحترام الغير والحريات وتقرأ النصوص المسمارية في معظمها من اليسار إلى اليمين وبقيت الكتابة المسمارية السومرية مستخدمة حتى الألف الأول قبل الميلاد.
من أرض سورية المباركة انطلقت دعوات إحلال السلام في كل بقاع الأرض وعلى أرضها وقعت أقدم اتفاقية سلام في العالم ذات بنود مباشرة ودون مقدمة وخاتمة وصفية تاريخية وذاتية حرمت القتل والاعتداء ونظمت عمل البعثات الدبلوماسية ودعت إلى السلام وبرهنت على درجة متطورة من الفكر السياسي الدولي, اكتشفت في مملكة ابلا ” موقع تل مرديخ الأثري حاليا” شمال غرب سورية ودونت بالنقوش المسمارية السومرية والإبلائية المحلية على رقيم فخاري عثر عليه في غرفة أرشيفات القصر الملكي ج في مملكة إبلا وينسب تاريخه إلى القرن الرابع والعشرين قبل الميلاد وبالتحديد 2350 قبل الميلاد. ويمثل النص أيضا واحدا من أقدم الاتفاقيات السياسية التجارية المدونة بالنقوش المسمارية وأقدم نص في العالم يتحدث عن كيفية دفع دية القتيل ويجرم الخيانة الزوجية والسرقة ويطالب بمعاقبة السارق.
كان النص محفوظاً في متحف إدلب قبل سيطرة المجموعات المتطرفة المسلحة على إدلب ومتحفها عام 2015 ويتحدث عن أقدم اتفاقية سلام دولية موقعة بين مملكة إبلا في عهد ملكها إركب دمو ومملكة أبرسال التي تقع شمال شرق دولة إبلا في المناطق الواقعة إما شمال جرابلس (مملكة كركميش) شرق الفرات باتجاه أورفا أو على الأرجح غرب الفرات باتجاه غازي عينتاب كون مملكة أبرسال تظهر في النصوص المسمارية المكتشفة في إبلا كمنطقة جبلية تصدر الزيت والخمر المستخلص من العنب والزبيب، وكميات كبيرة من الفضة إلى إبلا. وهذا ما يتوافق مع طبيعة مناطق جنوب مدينة غازي عينتاب وشرقها والتي تشكل السفوح الجنوبية لجبال طوروس والتي تؤكد المصادر التاريخية القديمة أنها كانت تسمى جبال الفضة.
تؤكد اتفاقية السلام بين مملكة ابلا ومملكة أبرسال على عدم محاولة أي من الطرفين الاعتداء أو احتلال المناطق المتجاورة بينهما واحترام حدود وسيادة كل مملكة منهما على أراضيها وبوجوب إعلام مملكة ابلا فورا وبالسرعة القصوى ضد أي عمل عدائي قد يكون موجهاً ضدها. “يتوجب عليك بخصوص الأعمال العدائية (ضد إبلا) التي يمكن أن تعلم بها؛ أن تنقل لي أخبارها بسرعة فائقة“.
والعمل على منع حدوث السرقات في المناطق الحدودية وعدم السماح للأفراد بالسفر إلى الدولة الثانية دون الحصول على موافقة حاكمها وتلزم الاتفاقية ملك مملكة أبرسال وأمرائه بعدم السفر إلى مملكة ابلا دون الحصول على موافقة حاكم ابلا وبعدم التعرض لأغنام مملكة إبلا إذا دخلت أراضيه وتركها تأكل وتشرب. “لا تدع أحداً يسافر إلى البلاد (ابلا) دون أخذ موافقتي، وإن سمحت لأحدٍ بذلك فلن تنجو من العقاب. أما إذا أمرت أنا بذلك فيمكنهم السفر“. ومعاقبة حاكم أبرسال في حال غدر أي مواطن من أبرسال بحاكم ابلائي أو تابع لإبلا.
وتجرم المعاهدة قيام أي مواطن من سكان ابلا بإيواء وإخفاء العبيد والأمات الهاربين من بيوت أسيادهم. “أي فتى أو فتاة من أبرسال، يعمل عبداً لدى سيد من ابلا، ثم ترك بيت سيده الإبلائي. وفيما بعد قبض رجل آخر من إبلا على الأَمَة أو العبد، وأخفاه، فيجب عليه أن يقدّم خمسين غنمة ديّةً“.
النص يمثل أيضا واحدا من أقدم الاتفاقيات السياسية التجارية المدونة بالنقوش المسمارية وأقدم نص مدون في العالم يؤكد على ضرورة سرية الحركة التجارية بين المملكتين واحترام وتنفيذ طلب مملكة ابلا وامتناع أبرسال عن التجارة بأي بضاعة مستوردة من ابلا مع مدن معينة أو أشخاص محددين لا ترغب ابلا بأن تصل بضائعها المصدرة إلى أبرسال إليهم ” بخصوص البضائع التي تعيدها إبلا إلى أبرسال … …, بخصوص البضائع التي تعيدها أبرسال إلى إبلا، يجب أن لا تعلم بها مدينة لواتم, ويمكن إعلام المدعو تير بها“.
كما تنص الاتفاقية على أن إعلان موعد بدء الأعمال التجارية بين الدولتين هو من حق مملكة ابلا وحدها وتؤكد المعاهدة على وجوب حماية التجار وتسهيل عودتهم إلى بلادهم. ” من حق إبلا (وحدها) المبادرة بممارسة التجارة مع إبرسال، ولا يحق لإبرسال المبادرة بممارسة التجارة مع إبلا”. ” بخصوص تجار ابلا يجب على أبرسال أن تدعهم يعودون (إلى بلادهم)، بخصوص تجار إبرسال, يجب على إبلا أن تدعهم يعودون إلى بلادهم”
ويصنف النص كأقدم مصدر كتابي في العالم يجرم لعن الحاكم أو الآلهة أو البلد “كلّ من يلعن السيد الحاكم، أو يلعن الآلهة، أو يلعن البلاد، يستحق الموت. إذا ما نطق أيّ من المراقبين العشرة بلعنةٍ، فعليه أن يقدم خمسين غنيمة دِيّةً (لينجو من العقاب)“.
ونقرأ في الرقيم المسماري أيضا أقدم اتفاقية في العالم تحدد مدة إقامة البعثات الدبلوماسية وما يتوجب على الدولة المستضيفة تقديمه لممثلي البعثات الدبلوماسية خلال مدة الإقامة، ” إنْ الرسل القادمين (إلى مملكة إبلا) يقيمون فيها عشرة أيام، ويتناولون طعامهم من الوجبات المخصصة لهم (كمسافرين). ولكن إن كنت تريد أن يقيموا زمناً أطول فعليك أن تقدّم لهم كل ما يلزمهم (خلال مدة إقامتهم)“.
وأقدم مصدر كتابي يشير إلى منع الرسل وممثلي البعثات الدبلوماسية من استلام الهدايا. “إن الرسل الذين استلموا هدايا، لن يستلموا وجبات السفر، ولن يحصلوا على بدل سفر عندما يعودون وسيعودون بدون الهدايا“.
وأقدم وأول قانون في العالم يجرم القتل العمد وأقدم قانون في العالم يشير إلى دفع دية القتيل إذا قتل في مبارزة. ” إذا ما قتل شخصٌ من أبرسال سيداً حاكماً (من ابلا)، فلن تنجو من العقاب. أثناء (الاحتفال) بشهر إيسي؛ إذا ما قتل إبلائي رجل من أبرسال في مبارزة، فعليه أن يقدّم خمسين غنمة ديّةً. (و) إذا ما قتل رجل من أبرسال إبلائيا في مبارزة، فعليه أن يقدم خمسين غنمة ديّةً“.
وأقدم نص مدون في العالم يجرم غش الزيت والنبيذ، ” إن وجد في البلاد؛ في بيت أي أحد من سكان ابلا، زيت رديء أو مشروب رديء، فعليك (حاكم أبرسال) أن تستبدل الزيت والمشروب الرديء بنوعٍ جيد“.
وأول قانون في العالم يجرم السرقة ويطالب بمعاقبة السارق “من يسرق …….، من يسرق (من) البوّابة، من يسرق (من) الحصن، فهو يستحق الموت. عندما ينام إبلائي في بيت أحد ما من أبرسال فيجب على صاحب البيت أن ينهض ويؤدي واجب الضيافة. ويجب عليه (في حال تعرض الضيف للسرقة) أن يعوّض (الغرض المسروق فورا) في اليوم (نفسه) الذي سرق (فيه الغرض) من الضيف في بيته، ويعطيه….. (وخمسين غنمة) ديّة“.
وأول قانون في العالم يجرم الخيانة الزوجية والزنى ويفرض على الزاني مع امرأة عازبه وبرضاها أن يتزوجها، ” إن ينم رجل ما مع زوجة رجل آخر، فعليه أن يقدّم له ثوباً ذا حزام وثوباً ملوناً وثلاث بقرات. إذا ما كانت المرأة عازبةً وموافقة، وأكّدت ذلك، فعليه أن يسترها و…، وأن يتزوجها“.
وأول قانون في العالم يحض على الزراعة ويعاقب المزارع المتقاعس عن انتاج أفضل أنواع الشعير، ” وإن أنتَ لم تزرع (الأرض جيداً)، وتقول: إن الشعير قصير (وانتاجه) ضعيف فإنك تستحق الموت“.
دونت معاهدة السلام بمفردات ابلائية وسومرية واللغة والكتابة المسمارية الإبلائية هي لغة محلية كانت محكية في مملكة إبلا في الفترة الواقعة ما بين القرن الرابع والعشرين والثالث والعشرين قبل الميلاد وينسب تاريخ ظهورها إلى نفس العصر الذي ظهرت به اللغة الأكادية وقد تم التعرف عليها من خلال القواميس المسمارية المكتشفة في موقع تل مرديخ الأثري بدءا من عام 1964.
وفي عام 1968 اكتشف في موقع تل مرديخ تمثال يحتوي نقشا مسماريا مدونا بالأكادية القديمة يذكر اسم ملك إبلا “إبيت .. ليم” كما أثبتت اكتشافات أعوام 1974/1975 في بقايا قصر في موقع تل مرديخ الأثري الذي ينسب تاريخه إلى عصر البرونز القديم في الفترة الواقعة ما بين 2400/2225 ق.م والتي أسفرت عن اكتشاف 42 رقيما مسماريا في العام الأول و1700 رقيم مسماري في العام الثاني استقلالية اللغة الإبلائية عن الأموريين حيث أن البنية الصرفية للكلمات الإبلائية تمتلك أشكالا قديمة شاهدة في الأكادية وتمتلك مفردات معجمية مشابهة لمفردات اللغات الأخرى كالعبرية والآرامية لكنها لغة سورية محلية مستقلة قائمة بذاتها سميت بالإبلائية.
الرقم المكتشفة في إبلا معظمها إدارية واقتصادية كما اكتشفت مئات النصوص التاريخية وبعض النصوص المدرسية والمعجمية بعضها قواميس ثنائية اللغة مدونة في معظمها باشارات مسمارية مقطعية تم بفضلها التعرف على بعض أسرار اللغة الإبلائية فضلا عن بعض النصوص الأدبية “أساطير وملاحم وأناشيد وتراتيل وأمثال وبعض النصوص المتعلقة بالسحر والشعوذة”.
رغم أن الجزء الأكبر من هذه الرقم منقوش بالمسمارية السومرية إلا أن نسبة كبيرة منها لم تستخدم الكتابة الإبلائية إلا رمزيا حيث أضيفت إلى الكلمات السومرية كعلامات لبناء الكلمات صرفيا وكضمائر وحروف جر ما يدل على تميز اللغة الإبلائية عن اللغة السومرية واستقلاليتها.
دراسة الإشارات المسمارية الإبلائية تظهر من جهة عددا من الاختلافات مع نظم الكتابات المسمارية الأخرى كالمسمارية السومرية والعيلامية والحثية والحورية وتوضح من جهة أخرى وجود تشابه مع الاكادية القديمة التي استخدمت كلغة للتفاهم والكتابة في مملكة كيش في بلاد الرافدين في عهد السلالات الحاكمة الثانية في الأوروك “الوركاء” مع تميز اللغة الإبلائية واستقلاليتها.
التلميذ الإبلائي استخدم ثلاثة انماط لتدوين اللغة الإبلائية.. الأول مقطعي يتمثل فيه كل مقطع بحرف، استخدم في تدوين النصوص السحرية وأسماء الإعلام ونسبتها قليلة والثاني استخدم فيه التلميذ الكتابة المقطعية والرمزية معا لتدوين الرسائل والنصوص التاريخية والأدبية وبعض الرسائل الدبلوماسية والنمط الثالث استخدم بشكل جوهري الكتابة الرمزية التي تقوم فيها الإشارة الواحدة مقام كلمة أو أكثر وهذه الإشارة كانت كافية في تدوين النصوص الاقتصادية والإدارية المرتبطة بالقصر الملكي وهو النمط الأكثر استخداما في تدوين النصوص الإبلائية.
الضمائر في اللغة الابلائية نوعان ضمائر منفصلة وضمائر متصلة بالفعل الماضي أو المضارع أو بالاسم كما يوجد أيضا في اللغة الإبلائية اسم فاعل وصفة وموصوف وأسماء للدلالة على الزمان والمكان وأسماء استفهام والاسم فيها نوعان مذكر ومؤنث يكون اسم مجرد أو في حالة البناء أو الإسناد ويأتي بالمفرد والمثنى والجمع وبالرفع والنصب والجر ويمكن أن يكون الاسم في اللغة الإبلائية جارا ومجرورا أو ظرف زمان أو ظرف مكان.
وقعت مملكة إبلا والعديد من المعاهدات الدبلوماسية والتجارية الدولية مع جيرانها أهمها المعاهدة التي وقعت بين ملك إبلا وملك آشور بهدف تنظيم العلاقات السياسية والتجارية والدبلوماسية بين المملكتين ومعاهدة السلام المؤقته التي وقعت بين ملك إبلا اركب دمو وملك ماري انا دجن وهي أقدم من معاهدة السلام التي وقعت بين فرعون مصر رمسيس الثاني وملك الحثيين خاتوشيلي الثالث بعد انتهاء معركة قادش.
دمرت إبلا على يد نارام سين الأكادي حوالي عام 2240 ق.م. ويضم أرشيفها أكثر من 17000 رقيم مسماري وكسرات وبدمارها لم تعد اللغة الإبلائية لغة محكية.
وعلى أرض سورية المباركة اكتشف في قصر ملك ماري “زمري ليم” في موقع تل الحريري الأثري أربع اتفاقيات سلام تنسب إلى الفترة الواقعة ما بين 1775-1761 ق.م أي الفترة التي حكم فيها “زمري ليم” مملكة ماري أهمها معاهدة السلام التي وقعت مع ملك بابل “حمورابي” ومعاهدة السلام التي وقعت مع مملكة أشنونا “موقع تل أسمر الأثري حاليا” وهي دويلة سومرية قامت بين نهر دجلة وديالي وسفوح جبال زغروس الشرقية وبقيت مستقلة إلى ان ضمها حمورابي ملك بابل إلى نفوذه عام 1761 ق.م.
وعلى أرض سورية الطاهرة جرت كبرى المعارك في تاريخ الشرق القديم وانتهت بعقد سلام دائم وكان أهمها معركة قادش التي تعتبر أفضل معارك الشرق القديم توثيقا سواء من جهة النصوص الكتابية أو من خلال الرسوم والمنحوتات التي تصور التطورات والأحداث التي جرت خلال المعركة لافتا إلى أن المعركة جرت حوالي عام 1274 ق.م بين الامبراطورية الحثية بقيادة مواتالي الثاني والامبراطورية المصرية بقيادة رمسيس الثاني في محيط مدينة قادش موقع تل النبي مندو الأثري حاليا جنوب غرب سورية بالقرب من الحدود اللبنانية نحو 25 كيلومترا إلى الجنوب من حمص”.
أهم أسباب المعركة كانت الرغبة في السيطرة على سورية التي تشكل صلة الوصل بين دول وممالك بلاد الرافدين مع دول وممالك ساحل البحر الأبيض المتوسط وبسبب انحياز بلاد أمورو ووقوفها مع مصر ضد الحثيين بالإضافة إلى أهمية السيطرة على مدينة قادش التي تتمتع بموقع استراتيجي تجاري مهم على نهر العاصي فضلا عن كونها مفترق طرق وصلة الوصل جنوبا مع سهل البقاع في لبنان وغربا مع ساحل البحر الأبيض المتوسط بواسطة منخفض أو مايسمى حاليا بفتحة حمص الواقعة بين جبل أنصارية وجبل لبنان.
انتهت المعركة وفقا للمعطيات ومجريات الأحداث بفوز الحثيين على المصريين بدليل ازدياد النفوذ الحثي في سورية وتراجع النفوذ المصري واضمحلاله علما أن إتفاق السلام النهائي بين الحثيين والمصريين ضمن بنود معاهدة دائمة قد وقع حوالي عام 1259 ق.م بين فرعون مصر رمسيس الثاني وملك الحثيين حاتوشيلي الثالث أخو مواتالي الثاني ودونت نسخة من بنود المعاهدة على جدران معبد رمسيس الثاني ومعبد آمون في الكرنك في مصر ونسخة دونت على رقيم من الطين المشوي دون بالمسمارية الآكادية عثر عليه في حاتوشا عاصمة الحثيين.
ويتحدث النص الاكادي عن اعتراف رمسيس الثاني فرعون مصر بشرعية حكم حاتوشيلي الثالث الامبراطور الحثي والتأكيد على دوام حالة السلام والاخوة بين الامبراطوريتين. “رمسيس الملك العظيم ملك مصر يكون في حالة سلام دائم وصداقة جيدة مع حاتوشيلي الملك العظيم ملك الحثيين أبناء رمسيس محبوب الاله امون الملك العظيم ملك مصر سيكونون في سلام دائم واخوة مع أبناء حاتوشيلي الملك العظيم ملك الحثيين انهم سيحافظون على نفس العلاقات الاخوية مثلنا كذلك مصر والحثيين سيكونان مثلنا في اخوة وسلام دائم.. رمسيس محبوب الاله امون الملك العظيم ملك مصر لن يقوم في المستقبل بأي عمل عدائي ضد الحثيين لاسترداد أي شيء وحاتوشيلي الملك العظيم ملك الحثيين لن يقوم في المستقبل بأي عمل عدائي ضد المصريين لاسترداد أي شيء“.
غزارة النصوص المسمارية المكتشفة في سورية والتي تتحدث عن اتفاقيات السلام وأهمية التعاون الدبلوماسي والتجاري بين الممالك والدول المتجاورة في تحقيق الاستقرار والتقدم والازدهار الاقتصادي والفكري يدل على نضوج مفهوم السلام وفن الحوار الدبلوماسي الدولي الراقي السلمي لدى الشعب السوري منذ غابر الزمان. فإرساء أسس السلام في سورية كان ينعكس إيجابا على كل الدول والممالك المحيطة لذلك قامت الامبراطورية الحثية في السنوات الأخيرة من وجودها عبر سلطتها الحاكمة في كركميش وحلب بالعمل على تسوية النزاعات بين الممالك السورية / اوجاريت / الالاخ / ايمار/ قادش / امورو / ميتاني/ الحدودية والتجارية والقضائية والجنائية// وإحلال السلام وخير دليل على ذلك الرقم المسمارية الاكادية والاوجاريتية المكتشفة في رأس الشمرة مملكة أوجاري