اعتبر مركز دمشق للأبحاث والدراسات “مداد” في ورقة بحثية أن العالم لم يكن قد حسم أمره حول العمل من المنزل حينما حدث “فيروس كورونا”، الذي أجبر البشرية على البقاء في منازلها، ووضع أعمالاً كثيرة بإزاء تحدٍّ واضح، إما العمل من المنزل أو الإغلاق الذي ربما يكون نهائياً.
وأشارت الباحثة علا منصور في ورقة لها بعنوان “العمل من المنزل في سورية.. تحديات التكنولوجيا والثقافة” إلى استجابة شركات التكنولوجيا وتقانة المعلومات العالمية للتحدّي الجديد، وإلى بدء شركات كبرى بإلزام موظفيها بالعمل من منازلهم أو مطالبتهم بذلك تجنباً للمخاطر المحتملة، إضافة إلى قطاعات عدة منها البنوك والأعمال المالية وشركات التأمين، العقارات والتعليم، ومراكز التفكير والصحف والفضائيات.
ولفتت الباحثة إلى أن الموظفين السوريين تحولوا من دون قرار منهم إلى ما يشبه “الموظف المستقل أو الحر”، علماً أنهم لا يملكون خبرة العمل عن بعد، أو التواصل مع زملائهم أو مديريهم، مشيرة إلى أن الحكومة خفِّضت ساعاتُ العمل في المؤسسات الحكومية إلى 40%، من دون التطرق إلى العمل من المنزل، معتبرة أن القطاع العام سيكون آخر المتكيفين، إذا أصبح هذا العمل “سمة” اقتصادية في المستقبل.
واعتبرت أن للعمل من المنزل متطلبات كثيرة، أولها أن تكون طبيعة العمل قابلة للتكيف لذلك، وخاصة أنه لن تستطيع بعض المهن (الحرفي أو السائق أو صاحب المقهى أو البائع) من العمل من المنزل، ما يعني ضرورة تأمين اهتمام ومساعدة خاصين لهم خلال الحجر.
واعتبرت الباحثة أن العمل من المنزل في سورية يواجه تحديين رئيسين، الأول هو تحدي التكنولوجيا حيث لا تزال معظم القطاعات، العام منها خصوصاً، عالقةً في تكنولوجيا بداية الألفية، بالاعتماد على المراسلات الورقية والأضابير والمصنفات والتوقيع والختم الحي والفاكسات! متسائلة: إلى أي حدٍّ تستطيع شبكة الإنترنت في سورية أن تتحمل ضغوطات العمل من المنزل؟ وإلى أي حدٍّ سيكون تقنين الكهرباء الكثيف عاملاً معرقلاً؟
ووفقاً للباحثة فإن التحدي الثاني مرتبط بالذهنية السورية، التي تشكل صعوبة في التآلف مع فكرة هذا العمل والوثوق بفاعليتها، لكون معظم العمل مازال تقليدياً “مشخصنٌ غير ممأسس” ويقوم على التعامل الشخصي المباشر، وتتحدد مدى إنتاجيتك فيه بمدة غيابك عن البيت، إضافة إلى مساحات البيوت الصغيرة التي تحول أصحاب المهن الفكرية والإبداعية إلى قومٍ “ليليين”، لأن عملهم يحتاج إلى تركيز، في بيوت لا تكفل حقهم بالتركيز.
ولفتت إلى أن تجربة العمل في سورية، وخاصة الحكومي جعلت كثير من المديرين وأرباب العمل يرون أن العمل عن بعد يخدم الموظفين ويساعدهم على التهرب، إلا أنه يمكن أن يكون أداة إستراتيجية لإدارة مؤسساتهم إذا كان مُداراً بشكل صحيح، على أن يلتزم الموظفون ويشعرون بالمسؤولية، مع وجود طرق رقابة ومحاسبة فعّالة.
ورأت أن العمل من المنزل ليس محصوراً بفئة مستضعفة من النساء تمتهن أعمال الخياطة مثلاً، بل هو عامل تغيير حقيقي للنساء، يسمح لهن بالوصول إلى المعلومات والموارد المالية وشبكات التواصل الاجتماعي، وتشجيع الأمّهات للعودة إلى سوق العمل.
واعتبرت الباحثة أن الوجود الدائم في عمل معين يجعل الجميع من الخلفية السوسيواقتصادية نفسها، يتشاركون الأفكار نفسها ولهم النقاط العمياء ذاتها، ما يؤثر سلباً في التفكير الإبداعي الخلاق وتلاقح الأفكار.
وأشارت إلى أن مقارّ معظم الشّركات والمؤسسات، التي يمكن لها التكيُّف مع العمل عن بعد، تتركز في قلب دمشق، حيث يفرض ارتفاع أسعار العقارات وإيجاراتها على الموظفين السّكن في الضواحي، حيث يقضون مدة قد تصل إلى ثلاث ساعات يومياً ذهاباً وإياباً، بعيداً عن العمل أو عن العائلة والأصدقاء في آلة تلفظ التلوث في الأجواء.
واعتبرت أن العمل عن بعد قد يكون حلاً لغلاء إيجارات المكاتب والأبنية للشركات اليافعة، وأزمات المحروقات والازدحام الخانق، ما يخفضُ وقت وتكلفة التنقّل، ويزيد من وقت العمل والحياة الاجتماعية، والسماح لمن هم خارج دمشق بالعمل، كلٌّ من محافظته، ما يخفف الضغط الهائل في العاصمة.
محمد راكان مصطفى – الوطن