المشهد كان واضحاً للجميع، والغاية منه طمْس أحقيّة فلسطين وتاريخها وشعبها، عبر الحديث عما أسموه امرأة يهودية في الخليج وما وصفوه بـ”مُعاناتها”.
فلسطين، مهد الوجود البشري، القبلة الأولى، مهد البشارة لمريم العذراء (ع) بعيسى (ع)، رسول المحبّة والسلام، أرض الإسراء والمِعراج بالرّحمة المُهداة إلى العالمين محمّد رسول الفرقان (ص).
شهد شهر رمضان 2020 إعلان حرب حقيقية من قِبَل محور يُجاهِر بالعَداوة لفلسطين وحقّها المشروع، على محور المقاومة الذي بذل الغالي والنفيس دفاعاً عن العرض والشرف وكرامة أمّة بأسرها. هذه الحرب اليوم لا يُستخدَم فيها سلاح مُدمِّر ولا إراقة دماء، بل يُستخدَم فيها سلاح “الفن والدراما”.
الجبهة الأولى هي المحور المُجاهِر بالعَداوة لفلسطين، الذي أنجز مسلسلين انطلق فيهما منذ الحلقات الأولى بأكاذيب، إحداهما بخطأ تاريخي سعى فيه إلى محو تاريخ “أرض فلسطين العربية”، والثانية عبر إهانة الشعب الفلسطيني وكَيْل التهم والشتائم له.
المشهد كان واضحاً للجميع، والغاية منه طمْس أحقيّة فلسطين وتاريخها وشعبها، عبر الحديث عما أسموه امرأة يهودية في الخليج وما وصفوه بـ”مُعاناتها”.
الجبهة الثانية هي محور المقاومة الذي صان الأرض والعرض، من خلال مسلسل “حارس القدس”، الذي يحكي سيرة المطران المقاوِم إيلاريون كبوجي “البهيج”، ومُعاناة سوريا وفلسطين من الاستعمار إلى العدوان الصهيوني، ومُعاناة المطران في وجه الباطِل المُتمثّل بين “مُستَعمِر ومُحتلّ” وصاحِبة أرض “تُقَاوِمُ وتُهَجَّرُ وتُسْتَشْهَدُ”.
ربّما سيذهب البعض إلى القول: “عليكم أن تحترموا الفن، مهما كان دوره”، لكن الطرح والأسئلة هنا:
الفنّ الهابط والمُزيَّف الذي يرسم أكذوبة، ويُحرِّف تاريخاً، ويزوِّر واقعاً، ويَطْمس حقيقةً، هل هو فن صحيح؟ هل هو فن هادِف؟
لطالما كان الفن، مهما تعدَّدت صفاته، “دراما أو كوميديا أو أكشن أو غيره”، يمثّل هدفاً مُعيّناً، ويُرسِل رسالة إلى متابعه، ويحمل غاية يجب الوصول إليها.
لا يمكن أن يكون للكلام بلاغة أكثر ممّا قاله سماحة الأمين العام على الأرواح والدماء، الأمين العام لحزب الله، السيِّد حسن نصرالله، في ذكرى عاشوراء 24 مارس/آذار 2002: “إنّ الحقّ لا يصبح باطلاً بمضيّ الزمان، وإنّ الباطل لا يصبح حقّاً بمضيّ الزمان”.
وهنا، أكّد أنّ الحقّ الفلسطيني لا يمكن لأحد على وجه الكرة الأرضية أن يجعله باطلاً، ولا أن يُسقِط الشرعية عن كون فلسطين “عربية”. أيضاً، لا يمكن لأحد على وجه الكرة الأرضية أن يُشَرْعِنَ “أكذوبة وبُطلانية” الكيان الصهيوني ويجعله حقّاً، مهما حدث.
هنا، تطْرَح الكثير من الأسئلة الجوهرية:
– هل يُمكن لمسلسلٍ تطبيعي أن يمحو تاريخ أرض، ويَطْمس أحقيّة حريّتها من مُحتلّ لا تاريخ له؟
– هل يُمكن لمسلسلٍ مبنيّ منذ البداية على الأكاذيب، أن يُلغي أحقيّة شعب في أرضه؟
– هل يُمكن لمسلسلٍ مُشبع بالتزييف، أن يقلب الحقّ باطلاً والباطل حقّاً؟
– هل يُمكن لمسلسلٍ، لأنّ المُمثّلين فيه مشهورون فقط، أن يُنهيَ طُهْرَ أرضٍ عربيّة ويقلبها إلى صهيونية؟
– هل يمكن لمسلسلٍ مليء بالخُزَعْبلات، أن يُنْسِيَنا عدوّنا الأوّل الذي قتلنا وجزّرنا وأرهبنا ومزّقنا وارتكب جرائم بحقّنا لا قِبَل للتاريخ البشري بها؟
هنا أجزم بالقول: “لم ولا يمكن ذلك”. حقّنا سيعود. حقّنا لن ننساه. فلسطين عربيّة والقدس عاصمتها. مهما طال الزمن أو قَصُرَ، ستعود الأرض، ويُصانُ العرض، وتُحفَظُ الكرامة.
ولِحُرْمَة الأرض، جاء ردّ “أمّ عطا” حين خيّرها اليهودي ببَيْعِ أرضها مقابل مال طائل: “والله لو بيدفع مال قارون، ما ببيع بيتي ليهودي”. وقد ذكّرني بأهمّ عبارة قيلت في آخر حلقة من المسلسل الرّمضاني الذي بثّته قناة “المنار” السنة الماضية “فرج ورحمة”، إذ قال البطل بدور العمّ فرج: “اللي ما عندوش شبر أرض ببلدو، ما عندوش مطرح بالدنيا، حتّى لو معو مال قارون”.