الجزء الثاني (أقدم المستحاثات-4 مليار عام وأول الإصابات الموثقة في التاريخ بورم السرطان-240 مليون عام)
Gist quest at adequate about the history of Cancer disease, and the achievements for the doctors and medicine
Chapter two (fossils is 4 billion years, and the first documented infections in history are cancer tumors, 240 million years)
(تحية من سورية إلى كل الكوادر الطبية في العالم وجهودها العظيمة في مكافحة فيروس كورونا المستجد وأمراض السرطان)
(Greetings from Syria to Medical Staff All Around the Word, and their Great Efforts in Combating Novel Corona Virus And cancer diseases)
بقلم: المؤرخ الدكتور محمود السيد-المديرية العامة للآثار والمتاحف– والإعلامي عماد الدغلي
التطور عملية مستمرة منذ ملايين السنين وليس حدثا منتهيا. وتعتبر آلية الانتقاء الطبيعي المحرك الرئيس للتطور، فبموجبها يتم اختيار الكائنات الأصلح لبيئتها، والتي يمكنها العيش وإعطاء ذرية قادرة على البقاء في تلك البيئة عن طريق التكيف، أي التعديل أو التغيير في السلوك، ووظائف الأعضاء، حتى تصبح أكثر تلاؤما مع بيئة العيش، وبالتالي فهذه التغيرات تورث للجيل القادم والأجيال المتتابعة. والتغيرات الملائمة أو الإيجابية هي التي تزيد من فرص التوالد وبقاء الكائن الحي على قيد الحياة. وبفضل السجل الأحفوري ودراسة المستحاثات (بقايا وآثار الكائنات الحية التي عاشت في الماضي) نستطيع تأريخ وفهم الكثير عن الأوساط القديمة وتطور الكائنات الحية، وبعض الأمراض والأورام التي أصابتها. ومن خلال المستحاثات المكتشفة حديثا يمكن الحديث عن أدلة تسمح بشرح أفضل حول كيفية حدوث التطور عبر الزمن.
والمستحاثات هي بقايا مواد محفوظة للكائنات الحية تشكلت نتيجة طمر الكائن الحي تحت الرواسب ومن ثم تمعدن الكالسيوم الموجود في العظام والأنسجة الصلبة الأخرى، فضلا عن تصلب الرواسب المحيطة بالكائن الحي وتحولها إلى صخرة. ويمكن تحديد عمر المستحاثات بشكل دقيق من خلال تأريخ الصخور التي وجدت بها. ويعتمد حاليا في التأريخ على قياس مدى تفتت بعض النظائر الإشعاعية الموجودة في الصخور. وبفضل تفتت هذه النظائر بنفس المعدل بغض النظر عن درجة الحرارة والضغط يمكن حساب الوقت منذ تكون الصخرة التي تحتويها. وبفضل هذه الطريقة يمكن الوصول إلى نتائج دقيقة وتحديد أعمار مستحاثات تقدر بملايين السنيين. وبحسب قسم علوم الأرض مركز لندن لتكنولوجيا النانو التابع لكلية لندن فإن أهم ما تم اكتشافه بهذا الخصوص في حزام نووفواجيتوك الفوق قشري الممتد بطول ستة كيلومترات على شاطئ خليج هدسون في منطقة كيوبك بكندا والتي تحتوي أقدم الصخور الرسوبية في العالم (صخور تحوي منافس مائية حرارية غنية بالحديد وتقع في عمق البحر) على أقدم أحافير على وجه الأرض لبقايا كائنات دقيقة تؤرخ وفق نتائج التصوير الليزري لعينات الهياكل الميكرو مترية الحجم بحوالي 4 مليار عام وهي عبارة عن خيوط وأنابيب من مادة الهيماتيت، مغلفة بطبقات من الكوارتز وتشبه القش وكانت تنتج الطاقة من التفاعلات الكيميائية وقد تكونت بفعل بكتيريا تغذت على الحديد الموجود في الصخور.
وعثر في صخور العصر الأركي في غرب استراليا على مستحاثات كائنات حية وحيدة الخلية من فصيلة بدائيات النواة تؤرخ بحوالي 3,460 مليار عام وجدت في صخور يؤرخ عمرها الزمني ب 4,1 مليار عام. وهي بكتيريا بدائية بدون نواة وتفتقر لبعض المكونات الخلوية الأساسية الأخرى التي تملكها البكتيريا المعاصرة. وقد تطورت مع الوقت وأصبحت هذه البكتيريا قادرة على إجراء عملية التمثيل الغذائي أي تحويل ضوء الشمس إلى طاقة. وتؤرخ مستحاثات الحصيرة الميكروبية المكتشفة في غرينلاند بحوالي 3,7 مليار عام وربما تنسب لبكتيريا البناء الضوئي وقد عثر عليها في حجر رملي يؤرخ ب 3,48 مليار عام.
ويعتبر اكتشاف 400 مستحاثه لنوع قديم جدا من الكائنات التي عاشت على سطح الأرض وربما ارتبط ظهورها بأول ارتفاع مفاجئ لمقدار الأكسجين في الجو وفي المياه قليلة العمق ثم انقرضت نتيجة انخفاض تركيز الأكسجين في الهواء حدثا مهما في تدوين صفحات بداية الحياة في الأرض. وهي كائنات متعددة الخلايا وبفضل استخدام تقنية التصوير الشعاعي الطبقي المجهري بالأشعة السينية في دراسة المستحاثات اتضح من حجمها وبنيتها ذو التركيبات الهلامية الرخوة، والمتجانسة أو ذات حبيبات أنها تنسب لكائنات متعددة الخلايا. وهي متنوعة الأشكال فمنها على شكل فصوص كروية أو ممدودة أو على شكل أقراص وتكدسات لكريات صغيرة. وبفضل نشاط بكتيري تحولت المادة العضوية لهذه المستحاثات بسرعة إلى بيريت (أي كبريتيد الحديد الثنائي أو سلفيد الحديد). وهذا ما ساهم في الحفاظ على تفاصيل دقيقة لبنية هذه المستحاثات والتي يؤرخ عمرها من خلال نتائج النظائر المشعة بحوالي 2,1 مليار عام اكتشفت بقاياها داخل طبقات رسوبية من الطين الأسود الغني بالمواد العضوية بالحوض الرسوبي بفرانس فيل بالغابون والذي يضم نظام بيئي بحري الأفضل حفظا في العالم، فضلا عن كونه وسط بحري قليل العمق وغني بالأوكسجين وهما شرطان رئيسيان لتطوير أنماط حياة مركبة ومنظمة. وقد حفظت المستحاثات بشكل جيد بفضل عدم تعرض الحوض الرسوبي لفرانس فيل كثيرا للنشاط التكتوني.
ونقرأ في السجل الأحفوري اكتشاف أقدم أحافير لنباتات في العالم وهي في نفس الوقت أقدم مستحاثات لكائنات حية متقدمة ومتعددة الخلايا في الصخور الرسوبية الغنية بالفوسفات في منطقة تشيتراكوت بوسط الهند وتمثل أحافير دقيقة متعددة الخلايا لنوعين من المتحجرات ويؤرخ عمرها ب 1,6 مليار عام وربما تمثل نوعان من الطحالب الحمراء أحدهما على شكل خيط واحتوت على خصائص خلوية داخلية شملت هياكل تعتبر جزء من آلية التمثيل الضوئي أي تحويل النباتات لضوء الشمس إلى طاقة كيميائية. كذلك احتوت الأحافير على هياكل في وسط كل منها جدار خلية مماثل للطحالب الحمراء. والنوع الثاني طحالب حمراء بصلية الشكل عاشت في بيئة بحرية ضحلة إلى جانب حصائر من البكتيريا. وبفضل تقنيات التصوير المقطعي المجهري بالأشعة السينية الذي يوفر صورا بالأبعاد الثلاثية تمكن العلماء من رؤية البنى الداخلية للخلايا بينها رزم خيوط تشكل الجزء الكثيف الذي يميز الطحالب الحمراء فضلا عن رصد في كل خلية من العشبة البحرية القديمة ما يشبه أجزاء من البلاستيدات الخضراء حيث تحصل عملية التركيب الضوئي في النباتات. وعثر في القطب الشمالي في كندا على حفريات طحالب حمراء يبلغ عمرها 1.2 مليار عام.
واكتشفت مستحاثات كروية لكائنات متعددة الخلايا ذات نواة حقيقية وبعض الخلايا بقي في طور الانقسام الخلوي تعود إلى حقبة الأودياكاريان (حقبة من تاريخ الأرض تمتد من 635-541 مليون سنة) ويؤرخ عمرها الزمني بحوالي 600 مليون عام، اكتشفت في هضاب أودياكارا في استراليا. وعثر في الصين في منطقة المضائق الثلاث على آثار أقدم أقدام حيوان متحجر مكتشفة في العالم وهي عبارة عن مسارات متوازية في الوحل تؤرخ بأكثر من 540 مليون عام. وفي منطقة صافيرانا شمال إستونيا وجدت أقدم مستحاثة لعين مكتشفة في العالم حتى الآن حفظت بشكل جيد بفضل الظروف الجيولوجية لموقع صافيرانا خلال العصر الكامبري, أثناء الحقبة الكامبرية الدنيا ويؤرخ عمرها الزمني بأكثر من 530 مليون عام وتعود لمفصليات ثلاثية الفصوص أو التريلوبايت وهو نوع من مفصليات الأرجل والتي لم تطور حاسة بصر دقيقة كتلك التي يملكها النحل المعاصر ولكنها أمنت للتريلوبايت إبصار كافي مكنه من تفادي العقبات والمفترسات. وبتحليل العين المركبة على مستوى خلوي، يمكن القول في ضوء المعطيات الأثرية الحالية أن هذا الاكتشاف يمثل العثور على أقدم مستحاثة لجهاز رؤية مكتشف حتى يومنا الراهن. علما أن مستحاثة العين قد تآكلت جزئيا وتمكن الباحثون من جامعة إدنبرا من إحصاء نحو 100 من العُيينات أي الوحدات التي تشكل العين المركبة لمستحاثة التريلوبايت تفصل بينها فراغات صغيرة، بعكس الأعين المركبة للحشرات المعاصرة والتي تكون فيها العُيينات متراصة ومكتظة. كما أن الباحثين لم يجدوا في مستحاثة العين المركبة بنية لعدسة ولكن من خلال دراسة العين ظاهريا توجد دلائل على وجود أسطوانات شبيهة بالعدسات أما داخليا فلا توجد تحدبات يمكنها إجراء أي عملية انكسار للضوء ويؤكد الباحثون أن هذا الاكتشاف يوثق بالدليل المادي أن بنية ومبدأ العين المركبة لم يتغير إلا قليلا عبر أكثر من نصف مليار عام.
ومن بين أهم الأحافير المكتشفة، أقدم مستحاثة في العالم لجهاز عصبي محفوظ بشكل جيد والأكثر اكتمالا حتى الآن وتبدو فيه الأعصاب بشكل واضح وتؤرخ البقايا بالعصر الكامبري ب 500 مليون عام، اكتشفت في جنوب الصين وتعود لحيوان “شنغجيانغ أوكاريس”. واكتشاف مستحاثة أقدم حشرة مكتشفة في العالم حتى تاريخ كتابة المقال وقد عاشت قبل 425 مليون عام وعثر عليها في صخور جزيرة كيريرا في اسكوتلندا وتعود لديدان ألفية الأرجل تملك زوجين من الأرجل في كل قسم من أقسام جسدها باستثناء القسم الأول الذي يقع خلف الرأس والذي لا يوجد فيه مطلقا أي طرف. وتم تقدير العمر الزمني بواسطة استخدام تقنية نظائر معدن الزركونيوم وذلك بعد فصل المعدن عن الرواسب. وعثر في اسكتلندا أيضا على أحفورة أخرى من نفس نوع الديدان، وجدت داخل تكوين صخري يسمى “ريني تشيرت” وتؤرخ ب 411 مليون سنة خلت. ومستحاثة أقدم وأول عملية تزاوج حتى الآن بواسطة الإخصاب الداخلي لضمان التكاثر حدثت قبل 385 مليون عام وتنسب إلى أقدم نوع من أنواع الأسماك المدرعة أو درعيات الجلد وهو نوع من أنواع الأسماك المنقرض تغطي أجسامها درقة سميكة وتغطي رؤوسها وأقفاصها الصدرية ألواح مدرعة مزودة بمفاصل و تصنف ضمن فصيلة “أنتيارشي” وبحسب جامعة فليندرز الاسترالية، عرف هذا النوع من الأسماك طفرة جذرية في طريقة التكاثر و بدلا من وضع الاناث البيض وطرح الذكور الحيوانات المنوية في المياه البحرية تمكنت الأسماك المدرعة بفضل العضو الخارجي للذكر (شكله حرف ل) القادر على نقل حيواناته المنوية داخل الأنثى وبفضل امتلاك الأنثى لزوج من اللوحات قادر على تثبيت العضو الذكري أثناء عملية التكاثر من ممارسة أقدم عملية تزاوج مكتشف في ضوء المعطيات الحالية حتى الآن. علما أن للأدرع العظمية التي تغطيها دوراً مهماً في عملية التزاوج وبفضلها يتمكن الذكر من امتلاك وضع جيد لعضوه الذكري داخل الأعضاء التناسلية لأنثى السمك المدرع.
واكتشاف أقدم آثار قوائم فقريات في القارة الأفريقية في طبقات الصخور الرسوبية العائدة للعصر التفحمي العلوي بحوض سيدي قاسم جنوب شرق الرباط بالمغرب العربي. وتؤرخ بالفترة الواقعة بين 313-304 مليون عام وتنسب إلى حيوانات فقرية رباعية الأرجل من نوع أمينيوت السفلى. واكتشاف مستحاثات حشرة الميكانورا في مناجم الفحم بفرنسا وهي أضخم حشرة مكتشفة في التاريخ حتى الآن ويبلغ طولها 65-60 سم وانقرضت قبل حوالي 300 مليون عام خلال العصر التفحمي وهي محفوظة حاليا في المتحف الطبيعي بباريس ويطلق على هذه الحشرة أيضا ذات الأعصاب الهائلة وذلك نتيجة تفرعات الأعصاب والأوعية الكبيرة والظاهرة فوق أجنحتها الضخمة.
وفي عام 2016, بحسب جامعة واشنطن وأثناء فحص فك حيوان من ذوات الأنياب، يجمع بين صفات الثدييات والزواحف عثر عليه في حفرية وادي روهوهو في تنزانيا ويؤرخ بأكثر من 255 مليون عام اكتشف أقدم ورم غير سرطاني معروف في التاريخ حتى الآن وهو ورم سني مركب يتألف من تكوينات صغيرة للغاية تشبه الأسنان وقد انغرست بجوار جذر الناب الكبير ومن المتعارف عليه أن الورم السني المركب ينمو بين اللثتين أو الأنسجة الرخوة في الفك. مع التنويه أن الأورام الحميدة والخبيثة تظهر في الأنسجة الرخوة ونادرا ما تتحول إلى حفريات.
ومن الأحافير التي غيرت الكثير من نتائج الدراسات السابقة، اكتشاف مستحاثة أقدم لقاح أحفوري يؤرخ بالعصر الترياسي ويقدر عمره الزمني بحوالي 234 مليون عام. وأقدم مستحاثات لزهور متحجرة تؤرخ بالعصر الجوراسي المبكر (201-145 مليون عام) بحوالي 174 مليون عام، اكتشفت في الصين. ويدعم هذا الاكتشاف نتائج دراسة عينات عديدة لأحافير محفوظة في 34 كتلة صخرية في الصين بمجهر فائق الدقة أثبتت وجود بقايا وريقات وكأس لزهور قديمة فضلا عن اكتشاف مبيض أغلق قبل التلقيح وهذا ما يؤكد أن العينات تعود لنباتات مزهرة. وقبل هذا الاكتشاف كان الاعتقاد السائد بأن الزهور ظهرت في العصر الطباشيري (145-66 مليون عام) وأن أقدم المستحاثات المكتشفة لزهور متحجرة تؤرخ بين 120-139 مليون عام. واكتشاف أقدم أحفورة في العالم لجمجمة كاملة لطائر حديث بالقرب من حصن في لييج على الحدود البلجيكية-الهولندية. تؤرخ الجمجمة ب 67 مليون عام وهي أفضل أحافير جماجم الطيور حفظا وأقدم مثال تم العثور عليه لأسلاف مشتركة لعائلة الطيور. وأقدم عينة دم وجدت في بعوضة متحجرة عمرها 46 مليون سنة ولا زالت تحتوي على أحد مكونات الخضاب الدموي وهو الهيم (عنصر يدخل في تركيب الخضاب الدموي للكريات الدموية الحمراء ويمكن من التقاط ثنائي الأكسجين عبر ذرة الحديد). وعثر في حوض راكو جنوب غرب تانزانيا على مستحاثات ستة أنواع جديدة من اللافقاريات والتي تنتمي إلى شعبة الرخويات وتؤرخ بعصر الأوليكوسين بالفترة الواقعة ما بين 24-26 مليون عام. اكتشفت المستحاثة شمال غرب مونتانا وهي محفوظة حاليا بالمتحف الوطني الطبيعي بواشنطن. وحفرية أقدم مستحاثات لحيوانات منوية في العالم احتفظت بنواتها من الحمض النووي ويصل طول هذه الأمشاج العملاقة إلى حوالي 1,3 ميليمتر وهي أضخم من أمشاج الانسان البالغ طولها وسطيا 50 ميكرو مترا فقط. تؤرخ هذه المستحاثات بأكثر من 17 مليون عام وتعود لنوع من القشريات اكتشفت في منطقة ريفيرسليغ جنوب شرق ولاية كوينس لاند بأستراليا.
ويمثل الطب وعلومه درجة متقدمة من درجات ارتقاء الإنسان بعقله ومستوى إدراكه لأهمية المعرفة وارتباطها بالصحة للمضي قدما في تحقيق كل تقدم منشود. ويعتبر تاريخ الطب والمراحل التي تعرف فيها الإنسان على الأمراض والجهود التي بذلها في سبيل البحث عن الدواء وتطوير طرق العلاج جزءا لا يتجزأ من تاريخ الإنسانية، ساهمت في صنعه جميع الأمم بدرجات متفاوتة وعلى مر العصور.
التعرف على تاريخ الإصابة بأمراض السرطان يمثل خارطة طريق نقتفي من خلالها الأثر، ونتتبع مراحل تطور الورم وأنواعه مند نشأته، لكي نقف على كيفية نموه وتدرجه، ونتعرف على ما أنجزه الطب والأطباء بفضل ربط علوم الطب بالتكنولوجيا الحديثة في الكشف عن أسباب الإصابة بالأورام السرطانية والعوامل التي قد تعزز من فرص الإصابة وتوظيف ذلك في دراسة البقايا الآدمية والحيوانية والتعرف أو محاولة تفسير إصابة الكائنات الحية بالأورام السرطانية في عصور ما قبل التاريخ وتحديد نوع الورم وفق منهج تحليلي يهدف الى وضع الحقائق في نصابها المقبول عقليا و الممكن تاريخيا وطبيا ومنطقيا.
وبفضل الاكتشافات الأثرية الحديثة واستخدام تقنيات الطب الحديث والطب الشرعي في دراسة البقايا الأدمية والحيوانية، تَوَثقَ بالدليل المادي أن السرطان ورم يصيب الانسان والحيوان على حد سواء. وأن بداية ظهور هذا الورم وفي ضوء المعطيات الأثرية والطبية الحالية تؤرخ قبل 240 مليون عام وقد أصاب الحيوانات. وأن أمراض السرطان ليس من صناعة المجتمعات الصناعية ولم يكن وليد العصر الحالي بل يؤرخ ظهوره مع بدايات تطور الكائنات الحية على وجه المعمورة، خاصة وأن سدس السرطانات تتسبب بها البكتيريا والفيروسات. مع العلم أنه عندما يصيب السرطان العظام، فإنه إما ينشأ في العظام ويسمى سرطان العظام الأساسي أو ينتشر إلى العظام بعد أن نشأ في مكان آخر في الجسم ومن ثم انتشر، حتى وصل إلى العظام. وترتبط الأورام الرئيسية التي تتشكل في الجمجمة والعمود الفقري بأكبر خطر وسبب للموت.
وبحسب متحف كارينفي للتاريخ الطبيعي بألمانيا تم التوثق من إصابة سلحفاة من السلف القديم للسلاحف الحديثة عاشت خلال العصر الترياسي الثلاثي قبل 240 مليون سنة خلت في عظم الفخذ بسرطان العظام النادر والخبيث جدا والسريع التطور والنمو بدليل الرؤية وبكل وضوح لنمو غير متساو على طول عظم الفخذ الأيسر المصاب للسلحفاة وهي أقدم حالات السرطان المعروفة في العالم وأقدم إصابة موثقة بسرطان العظم في السجل الأحفوري. اكتشفت بقايا عظم الفخذ عام 2015 في محجر يقع جنوب غرب ألمانيا وبفضل استخدام تقنية الأشعة المقطعية الدقيقة تم التوثق من إصابة عظم الفخذ بورم عظمي سرطاني من نوع ساركوزي عظمي مع وجود تشابه واضح بين هذا الورم السرطاني وورم ساركوما العظام السرطاني الذي أصاب الإنسان قبل على الأقل مليون وسبعمائة ألف عام قبل الميلاد وهو ورم خبيث ينتشر في أغلب الأحيان إلى الرئتين ويمكن أن ينتقل أيضا إلى الدماغ أو الأعضاء وسنتحدث عن ذلك بالتفصيل في المقال القادم. وقد وجد السرطان أيضا في مستحاثات الأسماك البرمائية المتحجرة ويؤكد ما سبق أن السرطان مرض ينجم بالدرجة الأولى عن نقطة ضعف في الطفرة المتأصلة في الحمض النووي.
وفي عام 1997 اكتشف في ولاية مونتانا الأمريكية بقايا هيكل عظمي لديناصور من نوع التيرانوصور ركس وعليه آثار كسور عديدة وجروح غائرة قد اندملت. وباستخدام تقنيات الطب الحديث “أشعة أكس” اكتشف وفق بحث نشرته مجلة ناشيونال جيوغرافيك عام 2003 في جمجمة الديناصور أقدم ورم سرطاني في الدماغ يصاب به كائن حي في ضوء المعطيات الأثرية الحالية ويؤرخ بحوالي 72 مليون عام. والورم السرطاني عبارة عن ورم متحجر اسفنجي القوام بحجم كرة الكولف وهو سرطان العظام وقد امتد من عظام الجمجمة إلى المخ والمخيخ وبعد هذا الاكتشاف نقل الهيكل العظمي إلى متحف شيكاغو وهو محفوظ فيه حاليا. كما اكتشفت أيضا حالات الإصابة بسرطانات العظم في بقايا 29 عينة من هيكل عظمي لديناصورات مكتشفة في الولايات المتحدة الأمريكية وأحيانا في الفقرات الذيلية كما هو الحال في بقايا الهياكل العظمية المكتشفة في ولاية ويامونك الأمريكية. علما أن سرطان العظام هو أقدم نوع من أنواع السرطانات التي أصابت البشر وفق المعطيات الأثرية الحالية وهو ما سنتحدث عنه بالتفصيل في الجزء الثالث من سلسة زبدة الطلب في تاريخ أمراض السرطان وإنجازات الطب والأطباء.
الجزء الثاني (أقدم المستحاثات-4 مليار عام وأول الإصابات الموثقة في التاريخ بورم السرطان-240 مليون عام)
Gist quest at adequate about the history of Cancer disease, and the achievements for the doctors and medicine
Chapter two (fossils is 4 billion years, and the first documented infections in history are cancer tumors, 240 million years)
(تحية من سورية إلى كل الكوادر الطبية في العالم وجهودها العظيمة في مكافحة فيروس كورونا المستجد وأمراض السرطان)
(Greetings from Syria to Medical Staff All Around the Word, and their Great Efforts in Combating Novel Corona Virus And cancer diseases)
بقلم: المؤرخ الدكتور محمود السيد-المديرية العامة للآثار والمتاحف– والإعلامي عماد الدغلي
التطور عملية مستمرة منذ ملايين السنين وليس حدثا منتهيا. وتعتبر آلية الانتقاء الطبيعي المحرك الرئيس للتطور، فبموجبها يتم اختيار الكائنات الأصلح لبيئتها، والتي يمكنها العيش وإعطاء ذرية قادرة على البقاء في تلك البيئة عن طريق التكيف، أي التعديل أو التغيير في السلوك، ووظائف الأعضاء، حتى تصبح أكثر تلاؤما مع بيئة العيش، وبالتالي فهذه التغيرات تورث للجيل القادم والأجيال المتتابعة. والتغيرات الملائمة أو الإيجابية هي التي تزيد من فرص التوالد وبقاء الكائن الحي على قيد الحياة. وبفضل السجل الأحفوري ودراسة المستحاثات (بقايا وآثار الكائنات الحية التي عاشت في الماضي) نستطيع تأريخ وفهم الكثير عن الأوساط القديمة وتطور الكائنات الحية، وبعض الأمراض والأورام التي أصابتها. ومن خلال المستحاثات المكتشفة حديثا يمكن الحديث عن أدلة تسمح بشرح أفضل حول كيفية حدوث التطور عبر الزمن.
والمستحاثات هي بقايا مواد محفوظة للكائنات الحية تشكلت نتيجة طمر الكائن الحي تحت الرواسب ومن ثم تمعدن الكالسيوم الموجود في العظام والأنسجة الصلبة الأخرى، فضلا عن تصلب الرواسب المحيطة بالكائن الحي وتحولها إلى صخرة. ويمكن تحديد عمر المستحاثات بشكل دقيق من خلال تأريخ الصخور التي وجدت بها. ويعتمد حاليا في التأريخ على قياس مدى تفتت بعض النظائر الإشعاعية الموجودة في الصخور. وبفضل تفتت هذه النظائر بنفس المعدل بغض النظر عن درجة الحرارة والضغط يمكن حساب الوقت منذ تكون الصخرة التي تحتويها. وبفضل هذه الطريقة يمكن الوصول إلى نتائج دقيقة وتحديد أعمار مستحاثات تقدر بملايين السنيين. وبحسب قسم علوم الأرض مركز لندن لتكنولوجيا النانو التابع لكلية لندن فإن أهم ما تم اكتشافه بهذا الخصوص في حزام نووفواجيتوك الفوق قشري الممتد بطول ستة كيلومترات على شاطئ خليج هدسون في منطقة كيوبك بكندا والتي تحتوي أقدم الصخور الرسوبية في العالم (صخور تحوي منافس مائية حرارية غنية بالحديد وتقع في عمق البحر) على أقدم أحافير على وجه الأرض لبقايا كائنات دقيقة تؤرخ وفق نتائج التصوير الليزري لعينات الهياكل الميكرو مترية الحجم بحوالي 4 مليار عام وهي عبارة عن خيوط وأنابيب من مادة الهيماتيت، مغلفة بطبقات من الكوارتز وتشبه القش وكانت تنتج الطاقة من التفاعلات الكيميائية وقد تكونت بفعل بكتيريا تغذت على الحديد الموجود في الصخور.
وعثر في صخور العصر الأركي في غرب استراليا على مستحاثات كائنات حية وحيدة الخلية من فصيلة بدائيات النواة تؤرخ بحوالي 3,460 مليار عام وجدت في صخور يؤرخ عمرها الزمني ب 4,1 مليار عام. وهي بكتيريا بدائية بدون نواة وتفتقر لبعض المكونات الخلوية الأساسية الأخرى التي تملكها البكتيريا المعاصرة. وقد تطورت مع الوقت وأصبحت هذه البكتيريا قادرة على إجراء عملية التمثيل الغذائي أي تحويل ضوء الشمس إلى طاقة. وتؤرخ مستحاثات الحصيرة الميكروبية المكتشفة في غرينلاند بحوالي 3,7 مليار عام وربما تنسب لبكتيريا البناء الضوئي وقد عثر عليها في حجر رملي يؤرخ ب 3,48 مليار عام.
ويعتبر اكتشاف 400 مستحاثه لنوع قديم جدا من الكائنات التي عاشت على سطح الأرض وربما ارتبط ظهورها بأول ارتفاع مفاجئ لمقدار الأكسجين في الجو وفي المياه قليلة العمق ثم انقرضت نتيجة انخفاض تركيز الأكسجين في الهواء حدثا مهما في تدوين صفحات بداية الحياة في الأرض. وهي كائنات متعددة الخلايا وبفضل استخدام تقنية التصوير الشعاعي الطبقي المجهري بالأشعة السينية في دراسة المستحاثات اتضح من حجمها وبنيتها ذو التركيبات الهلامية الرخوة، والمتجانسة أو ذات حبيبات أنها تنسب لكائنات متعددة الخلايا. وهي متنوعة الأشكال فمنها على شكل فصوص كروية أو ممدودة أو على شكل أقراص وتكدسات لكريات صغيرة. وبفضل نشاط بكتيري تحولت المادة العضوية لهذه المستحاثات بسرعة إلى بيريت (أي كبريتيد الحديد الثنائي أو سلفيد الحديد). وهذا ما ساهم في الحفاظ على تفاصيل دقيقة لبنية هذه المستحاثات والتي يؤرخ عمرها من خلال نتائج النظائر المشعة بحوالي 2,1 مليار عام اكتشفت بقاياها داخل طبقات رسوبية من الطين الأسود الغني بالمواد العضوية بالحوض الرسوبي بفرانس فيل بالغابون والذي يضم نظام بيئي بحري الأفضل حفظا في العالم، فضلا عن كونه وسط بحري قليل العمق وغني بالأوكسجين وهما شرطان رئيسيان لتطوير أنماط حياة مركبة ومنظمة. وقد حفظت المستحاثات بشكل جيد بفضل عدم تعرض الحوض الرسوبي لفرانس فيل كثيرا للنشاط التكتوني.
ونقرأ في السجل الأحفوري اكتشاف أقدم أحافير لنباتات في العالم وهي في نفس الوقت أقدم مستحاثات لكائنات حية متقدمة ومتعددة الخلايا في الصخور الرسوبية الغنية بالفوسفات في منطقة تشيتراكوت بوسط الهند وتمثل أحافير دقيقة متعددة الخلايا لنوعين من المتحجرات ويؤرخ عمرها ب 1,6 مليار عام وربما تمثل نوعان من الطحالب الحمراء أحدهما على شكل خيط واحتوت على خصائص خلوية داخلية شملت هياكل تعتبر جزء من آلية التمثيل الضوئي أي تحويل النباتات لضوء الشمس إلى طاقة كيميائية. كذلك احتوت الأحافير على هياكل في وسط كل منها جدار خلية مماثل للطحالب الحمراء. والنوع الثاني طحالب حمراء بصلية الشكل عاشت في بيئة بحرية ضحلة إلى جانب حصائر من البكتيريا. وبفضل تقنيات التصوير المقطعي المجهري بالأشعة السينية الذي يوفر صورا بالأبعاد الثلاثية تمكن العلماء من رؤية البنى الداخلية للخلايا بينها رزم خيوط تشكل الجزء الكثيف الذي يميز الطحالب الحمراء فضلا عن رصد في كل خلية من العشبة البحرية القديمة ما يشبه أجزاء من البلاستيدات الخضراء حيث تحصل عملية التركيب الضوئي في النباتات. وعثر في القطب الشمالي في كندا على حفريات طحالب حمراء يبلغ عمرها 1.2 مليار عام.
واكتشفت مستحاثات كروية لكائنات متعددة الخلايا ذات نواة حقيقية وبعض الخلايا بقي في طور الانقسام الخلوي تعود إلى حقبة الأودياكاريان (حقبة من تاريخ الأرض تمتد من 635-541 مليون سنة) ويؤرخ عمرها الزمني بحوالي 600 مليون عام، اكتشفت في هضاب أودياكارا في استراليا. وعثر في الصين في منطقة المضائق الثلاث على آثار أقدم أقدام حيوان متحجر مكتشفة في العالم وهي عبارة عن مسارات متوازية في الوحل تؤرخ بأكثر من 540 مليون عام. وفي منطقة صافيرانا شمال إستونيا وجدت أقدم مستحاثة لعين مكتشفة في العالم حتى الآن حفظت بشكل جيد بفضل الظروف الجيولوجية لموقع صافيرانا خلال العصر الكامبري, أثناء الحقبة الكامبرية الدنيا ويؤرخ عمرها الزمني بأكثر من 530 مليون عام وتعود لمفصليات ثلاثية الفصوص أو التريلوبايت وهو نوع من مفصليات الأرجل والتي لم تطور حاسة بصر دقيقة كتلك التي يملكها النحل المعاصر ولكنها أمنت للتريلوبايت إبصار كافي مكنه من تفادي العقبات والمفترسات. وبتحليل العين المركبة على مستوى خلوي، يمكن القول في ضوء المعطيات الأثرية الحالية أن هذا الاكتشاف يمثل العثور على أقدم مستحاثة لجهاز رؤية مكتشف حتى يومنا الراهن. علما أن مستحاثة العين قد تآكلت جزئيا وتمكن الباحثون من جامعة إدنبرا من إحصاء نحو 100 من العُيينات أي الوحدات التي تشكل العين المركبة لمستحاثة التريلوبايت تفصل بينها فراغات صغيرة، بعكس الأعين المركبة للحشرات المعاصرة والتي تكون فيها العُيينات متراصة ومكتظة. كما أن الباحثين لم يجدوا في مستحاثة العين المركبة بنية لعدسة ولكن من خلال دراسة العين ظاهريا توجد دلائل على وجود أسطوانات شبيهة بالعدسات أما داخليا فلا توجد تحدبات يمكنها إجراء أي عملية انكسار للضوء ويؤكد الباحثون أن هذا الاكتشاف يوثق بالدليل المادي أن بنية ومبدأ العين المركبة لم يتغير إلا قليلا عبر أكثر من نصف مليار عام.
ومن بين أهم الأحافير المكتشفة، أقدم مستحاثة في العالم لجهاز عصبي محفوظ بشكل جيد والأكثر اكتمالا حتى الآن وتبدو فيه الأعصاب بشكل واضح وتؤرخ البقايا بالعصر الكامبري ب 500 مليون عام، اكتشفت في جنوب الصين وتعود لحيوان “شنغجيانغ أوكاريس”. واكتشاف مستحاثة أقدم حشرة مكتشفة في العالم حتى تاريخ كتابة المقال وقد عاشت قبل 425 مليون عام وعثر عليها في صخور جزيرة كيريرا في اسكوتلندا وتعود لديدان ألفية الأرجل تملك زوجين من الأرجل في كل قسم من أقسام جسدها باستثناء القسم الأول الذي يقع خلف الرأس والذي لا يوجد فيه مطلقا أي طرف. وتم تقدير العمر الزمني بواسطة استخدام تقنية نظائر معدن الزركونيوم وذلك بعد فصل المعدن عن الرواسب. وعثر في اسكتلندا أيضا على أحفورة أخرى من نفس نوع الديدان، وجدت داخل تكوين صخري يسمى “ريني تشيرت” وتؤرخ ب 411 مليون سنة خلت. ومستحاثة أقدم وأول عملية تزاوج حتى الآن بواسطة الإخصاب الداخلي لضمان التكاثر حدثت قبل 385 مليون عام وتنسب إلى أقدم نوع من أنواع الأسماك المدرعة أو درعيات الجلد وهو نوع من أنواع الأسماك المنقرض تغطي أجسامها درقة سميكة وتغطي رؤوسها وأقفاصها الصدرية ألواح مدرعة مزودة بمفاصل و تصنف ضمن فصيلة “أنتيارشي” وبحسب جامعة فليندرز الاسترالية، عرف هذا النوع من الأسماك طفرة جذرية في طريقة التكاثر و بدلا من وضع الاناث البيض وطرح الذكور الحيوانات المنوية في المياه البحرية تمكنت الأسماك المدرعة بفضل العضو الخارجي للذكر (شكله حرف ل) القادر على نقل حيواناته المنوية داخل الأنثى وبفضل امتلاك الأنثى لزوج من اللوحات قادر على تثبيت العضو الذكري أثناء عملية التكاثر من ممارسة أقدم عملية تزاوج مكتشف في ضوء المعطيات الحالية حتى الآن. علما أن للأدرع العظمية التي تغطيها دوراً مهماً في عملية التزاوج وبفضلها يتمكن الذكر من امتلاك وضع جيد لعضوه الذكري داخل الأعضاء التناسلية لأنثى السمك المدرع.
واكتشاف أقدم آثار قوائم فقريات في القارة الأفريقية في طبقات الصخور الرسوبية العائدة للعصر التفحمي العلوي بحوض سيدي قاسم جنوب شرق الرباط بالمغرب العربي. وتؤرخ بالفترة الواقعة بين 313-304 مليون عام وتنسب إلى حيوانات فقرية رباعية الأرجل من نوع أمينيوت السفلى. واكتشاف مستحاثات حشرة الميكانورا في مناجم الفحم بفرنسا وهي أضخم حشرة مكتشفة في التاريخ حتى الآن ويبلغ طولها 65-60 سم وانقرضت قبل حوالي 300 مليون عام خلال العصر التفحمي وهي محفوظة حاليا في المتحف الطبيعي بباريس ويطلق على هذه الحشرة أيضا ذات الأعصاب الهائلة وذلك نتيجة تفرعات الأعصاب والأوعية الكبيرة والظاهرة فوق أجنحتها الضخمة.
وفي عام 2016, بحسب جامعة واشنطن وأثناء فحص فك حيوان من ذوات الأنياب، يجمع بين صفات الثدييات والزواحف عثر عليه في حفرية وادي روهوهو في تنزانيا ويؤرخ بأكثر من 255 مليون عام اكتشف أقدم ورم غير سرطاني معروف في التاريخ حتى الآن وهو ورم سني مركب يتألف من تكوينات صغيرة للغاية تشبه الأسنان وقد انغرست بجوار جذر الناب الكبير ومن المتعارف عليه أن الورم السني المركب ينمو بين اللثتين أو الأنسجة الرخوة في الفك. مع التنويه أن الأورام الحميدة والخبيثة تظهر في الأنسجة الرخوة ونادرا ما تتحول إلى حفريات.
ومن الأحافير التي غيرت الكثير من نتائج الدراسات السابقة، اكتشاف مستحاثة أقدم لقاح أحفوري يؤرخ بالعصر الترياسي ويقدر عمره الزمني بحوالي 234 مليون عام. وأقدم مستحاثات لزهور متحجرة تؤرخ بالعصر الجوراسي المبكر (201-145 مليون عام) بحوالي 174 مليون عام، اكتشفت في الصين. ويدعم هذا الاكتشاف نتائج دراسة عينات عديدة لأحافير محفوظة في 34 كتلة صخرية في الصين بمجهر فائق الدقة أثبتت وجود بقايا وريقات وكأس لزهور قديمة فضلا عن اكتشاف مبيض أغلق قبل التلقيح وهذا ما يؤكد أن العينات تعود لنباتات مزهرة. وقبل هذا الاكتشاف كان الاعتقاد السائد بأن الزهور ظهرت في العصر الطباشيري (145-66 مليون عام) وأن أقدم المستحاثات المكتشفة لزهور متحجرة تؤرخ بين 120-139 مليون عام. واكتشاف أقدم أحفورة في العالم لجمجمة كاملة لطائر حديث بالقرب من حصن في لييج على الحدود البلجيكية-الهولندية. تؤرخ الجمجمة ب 67 مليون عام وهي أفضل أحافير جماجم الطيور حفظا وأقدم مثال تم العثور عليه لأسلاف مشتركة لعائلة الطيور. وأقدم عينة دم وجدت في بعوضة متحجرة عمرها 46 مليون سنة ولا زالت تحتوي على أحد مكونات الخضاب الدموي وهو الهيم (عنصر يدخل في تركيب الخضاب الدموي للكريات الدموية الحمراء ويمكن من التقاط ثنائي الأكسجين عبر ذرة الحديد). وعثر في حوض راكو جنوب غرب تانزانيا على مستحاثات ستة أنواع جديدة من اللافقاريات والتي تنتمي إلى شعبة الرخويات وتؤرخ بعصر الأوليكوسين بالفترة الواقعة ما بين 24-26 مليون عام. اكتشفت المستحاثة شمال غرب مونتانا وهي محفوظة حاليا بالمتحف الوطني الطبيعي بواشنطن. وحفرية أقدم مستحاثات لحيوانات منوية في العالم احتفظت بنواتها من الحمض النووي ويصل طول هذه الأمشاج العملاقة إلى حوالي 1,3 ميليمتر وهي أضخم من أمشاج الانسان البالغ طولها وسطيا 50 ميكرو مترا فقط. تؤرخ هذه المستحاثات بأكثر من 17 مليون عام وتعود لنوع من القشريات اكتشفت في منطقة ريفيرسليغ جنوب شرق ولاية كوينس لاند بأستراليا.
ويمثل الطب وعلومه درجة متقدمة من درجات ارتقاء الإنسان بعقله ومستوى إدراكه لأهمية المعرفة وارتباطها بالصحة للمضي قدما في تحقيق كل تقدم منشود. ويعتبر تاريخ الطب والمراحل التي تعرف فيها الإنسان على الأمراض والجهود التي بذلها في سبيل البحث عن الدواء وتطوير طرق العلاج جزءا لا يتجزأ من تاريخ الإنسانية، ساهمت في صنعه جميع الأمم بدرجات متفاوتة وعلى مر العصور.
التعرف على تاريخ الإصابة بأمراض السرطان يمثل خارطة طريق نقتفي من خلالها الأثر، ونتتبع مراحل تطور الورم وأنواعه مند نشأته، لكي نقف على كيفية نموه وتدرجه، ونتعرف على ما أنجزه الطب والأطباء بفضل ربط علوم الطب بالتكنولوجيا الحديثة في الكشف عن أسباب الإصابة بالأورام السرطانية والعوامل التي قد تعزز من فرص الإصابة وتوظيف ذلك في دراسة البقايا الآدمية والحيوانية والتعرف أو محاولة تفسير إصابة الكائنات الحية بالأورام السرطانية في عصور ما قبل التاريخ وتحديد نوع الورم وفق منهج تحليلي يهدف الى وضع الحقائق في نصابها المقبول عقليا و الممكن تاريخيا وطبيا ومنطقيا.
وبفضل الاكتشافات الأثرية الحديثة واستخدام تقنيات الطب الحديث والطب الشرعي في دراسة البقايا الأدمية والحيوانية، تَوَثقَ بالدليل المادي أن السرطان ورم يصيب الانسان والحيوان على حد سواء. وأن بداية ظهور هذا الورم وفي ضوء المعطيات الأثرية والطبية الحالية تؤرخ قبل 240 مليون عام وقد أصاب الحيوانات. وأن أمراض السرطان ليس من صناعة المجتمعات الصناعية ولم يكن وليد العصر الحالي بل يؤرخ ظهوره مع بدايات تطور الكائنات الحية على وجه المعمورة، خاصة وأن سدس السرطانات تتسبب بها البكتيريا والفيروسات. مع العلم أنه عندما يصيب السرطان العظام، فإنه إما ينشأ في العظام ويسمى سرطان العظام الأساسي أو ينتشر إلى العظام بعد أن نشأ في مكان آخر في الجسم ومن ثم انتشر، حتى وصل إلى العظام. وترتبط الأورام الرئيسية التي تتشكل في الجمجمة والعمود الفقري بأكبر خطر وسبب للموت.
وبحسب متحف كارينفي للتاريخ الطبيعي بألمانيا تم التوثق من إصابة سلحفاة من السلف القديم للسلاحف الحديثة عاشت خلال العصر الترياسي الثلاثي قبل 240 مليون سنة خلت في عظم الفخذ بسرطان العظام النادر والخبيث جدا والسريع التطور والنمو بدليل الرؤية وبكل وضوح لنمو غير متساو على طول عظم الفخذ الأيسر المصاب للسلحفاة وهي أقدم حالات السرطان المعروفة في العالم وأقدم إصابة موثقة بسرطان العظم في السجل الأحفوري. اكتشفت بقايا عظم الفخذ عام 2015 في محجر يقع جنوب غرب ألمانيا وبفضل استخدام تقنية الأشعة المقطعية الدقيقة تم التوثق من إصابة عظم الفخذ بورم عظمي سرطاني من نوع ساركوزي عظمي مع وجود تشابه واضح بين هذا الورم السرطاني وورم ساركوما العظام السرطاني الذي أصاب الإنسان قبل على الأقل مليون وسبعمائة ألف عام قبل الميلاد وهو ورم خبيث ينتشر في أغلب الأحيان إلى الرئتين ويمكن أن ينتقل أيضا إلى الدماغ أو الأعضاء وسنتحدث عن ذلك بالتفصيل في المقال القادم. وقد وجد السرطان أيضا في مستحاثات الأسماك البرمائية المتحجرة ويؤكد ما سبق أن السرطان مرض ينجم بالدرجة الأولى عن نقطة ضعف في الطفرة المتأصلة في الحمض النووي.
وفي عام 1997 اكتشف في ولاية مونتانا الأمريكية بقايا هيكل عظمي لديناصور من نوع التيرانوصور ركس وعليه آثار كسور عديدة وجروح غائرة قد اندملت. وباستخدام تقنيات الطب الحديث “أشعة أكس” اكتشف وفق بحث نشرته مجلة ناشيونال جيوغرافيك عام 2003 في جمجمة الديناصور أقدم ورم سرطاني في الدماغ يصاب به كائن حي في ضوء المعطيات الأثرية الحالية ويؤرخ بحوالي 72 مليون عام. والورم السرطاني عبارة عن ورم متحجر اسفنجي القوام بحجم كرة الكولف وهو سرطان العظام وقد امتد من عظام الجمجمة إلى المخ والمخيخ وبعد هذا الاكتشاف نقل الهيكل العظمي إلى متحف شيكاغو وهو محفوظ فيه حاليا. كما اكتشفت أيضا حالات الإصابة بسرطانات العظم في بقايا 29 عينة من هيكل عظمي لديناصورات مكتشفة في الولايات المتحدة الأمريكية وأحيانا في الفقرات الذيلية كما هو الحال في بقايا الهياكل العظمية المكتشفة في ولاية ويامونك الأمريكية. علما أن سرطان العظام هو أقدم نوع من أنواع السرطانات التي أصابت البشر وفق المعطيات الأثرية الحالية وهو ما سنتحدث عنه بالتفصيل في الجزء الثالث من سلسة زبدة الطلب في تاريخ أمراض السرطان وإنجازات الطب والأطباء.
الجزء الثاني (أقدم المستحاثات-4 مليار عام وأول الإصابات الموثقة في التاريخ بورم السرطان-240 مليون عام)
Gist quest at adequate about the history of Cancer disease, and the achievements for the doctors and medicine
Chapter two (fossils is 4 billion years, and the first documented infections in history are cancer tumors, 240 million years)
(تحية من سورية إلى كل الكوادر الطبية في العالم وجهودها العظيمة في مكافحة فيروس كورونا المستجد وأمراض السرطان)
(Greetings from Syria to Medical Staff All Around the Word, and their Great Efforts in Combating Novel Corona Virus And cancer diseases)
بقلم: المؤرخ الدكتور محمود السيد-المديرية العامة للآثار والمتاحف– والإعلامي عماد الدغلي
التطور عملية مستمرة منذ ملايين السنين وليس حدثا منتهيا. وتعتبر آلية الانتقاء الطبيعي المحرك الرئيس للتطور، فبموجبها يتم اختيار الكائنات الأصلح لبيئتها، والتي يمكنها العيش وإعطاء ذرية قادرة على البقاء في تلك البيئة عن طريق التكيف، أي التعديل أو التغيير في السلوك، ووظائف الأعضاء، حتى تصبح أكثر تلاؤما مع بيئة العيش، وبالتالي فهذه التغيرات تورث للجيل القادم والأجيال المتتابعة. والتغيرات الملائمة أو الإيجابية هي التي تزيد من فرص التوالد وبقاء الكائن الحي على قيد الحياة. وبفضل السجل الأحفوري ودراسة المستحاثات (بقايا وآثار الكائنات الحية التي عاشت في الماضي) نستطيع تأريخ وفهم الكثير عن الأوساط القديمة وتطور الكائنات الحية، وبعض الأمراض والأورام التي أصابتها. ومن خلال المستحاثات المكتشفة حديثا يمكن الحديث عن أدلة تسمح بشرح أفضل حول كيفية حدوث التطور عبر الزمن.
والمستحاثات هي بقايا مواد محفوظة للكائنات الحية تشكلت نتيجة طمر الكائن الحي تحت الرواسب ومن ثم تمعدن الكالسيوم الموجود في العظام والأنسجة الصلبة الأخرى، فضلا عن تصلب الرواسب المحيطة بالكائن الحي وتحولها إلى صخرة. ويمكن تحديد عمر المستحاثات بشكل دقيق من خلال تأريخ الصخور التي وجدت بها. ويعتمد حاليا في التأريخ على قياس مدى تفتت بعض النظائر الإشعاعية الموجودة في الصخور. وبفضل تفتت هذه النظائر بنفس المعدل بغض النظر عن درجة الحرارة والضغط يمكن حساب الوقت منذ تكون الصخرة التي تحتويها. وبفضل هذه الطريقة يمكن الوصول إلى نتائج دقيقة وتحديد أعمار مستحاثات تقدر بملايين السنيين. وبحسب قسم علوم الأرض مركز لندن لتكنولوجيا النانو التابع لكلية لندن فإن أهم ما تم اكتشافه بهذا الخصوص في حزام نووفواجيتوك الفوق قشري الممتد بطول ستة كيلومترات على شاطئ خليج هدسون في منطقة كيوبك بكندا والتي تحتوي أقدم الصخور الرسوبية في العالم (صخور تحوي منافس مائية حرارية غنية بالحديد وتقع في عمق البحر) على أقدم أحافير على وجه الأرض لبقايا كائنات دقيقة تؤرخ وفق نتائج التصوير الليزري لعينات الهياكل الميكرو مترية الحجم بحوالي 4 مليار عام وهي عبارة عن خيوط وأنابيب من مادة الهيماتيت، مغلفة بطبقات من الكوارتز وتشبه القش وكانت تنتج الطاقة من التفاعلات الكيميائية وقد تكونت بفعل بكتيريا تغذت على الحديد الموجود في الصخور.
وعثر في صخور العصر الأركي في غرب استراليا على مستحاثات كائنات حية وحيدة الخلية من فصيلة بدائيات النواة تؤرخ بحوالي 3,460 مليار عام وجدت في صخور يؤرخ عمرها الزمني ب 4,1 مليار عام. وهي بكتيريا بدائية بدون نواة وتفتقر لبعض المكونات الخلوية الأساسية الأخرى التي تملكها البكتيريا المعاصرة. وقد تطورت مع الوقت وأصبحت هذه البكتيريا قادرة على إجراء عملية التمثيل الغذائي أي تحويل ضوء الشمس إلى طاقة. وتؤرخ مستحاثات الحصيرة الميكروبية المكتشفة في غرينلاند بحوالي 3,7 مليار عام وربما تنسب لبكتيريا البناء الضوئي وقد عثر عليها في حجر رملي يؤرخ ب 3,48 مليار عام.
ويعتبر اكتشاف 400 مستحاثه لنوع قديم جدا من الكائنات التي عاشت على سطح الأرض وربما ارتبط ظهورها بأول ارتفاع مفاجئ لمقدار الأكسجين في الجو وفي المياه قليلة العمق ثم انقرضت نتيجة انخفاض تركيز الأكسجين في الهواء حدثا مهما في تدوين صفحات بداية الحياة في الأرض. وهي كائنات متعددة الخلايا وبفضل استخدام تقنية التصوير الشعاعي الطبقي المجهري بالأشعة السينية في دراسة المستحاثات اتضح من حجمها وبنيتها ذو التركيبات الهلامية الرخوة، والمتجانسة أو ذات حبيبات أنها تنسب لكائنات متعددة الخلايا. وهي متنوعة الأشكال فمنها على شكل فصوص كروية أو ممدودة أو على شكل أقراص وتكدسات لكريات صغيرة. وبفضل نشاط بكتيري تحولت المادة العضوية لهذه المستحاثات بسرعة إلى بيريت (أي كبريتيد الحديد الثنائي أو سلفيد الحديد). وهذا ما ساهم في الحفاظ على تفاصيل دقيقة لبنية هذه المستحاثات والتي يؤرخ عمرها من خلال نتائج النظائر المشعة بحوالي 2,1 مليار عام اكتشفت بقاياها داخل طبقات رسوبية من الطين الأسود الغني بالمواد العضوية بالحوض الرسوبي بفرانس فيل بالغابون والذي يضم نظام بيئي بحري الأفضل حفظا في العالم، فضلا عن كونه وسط بحري قليل العمق وغني بالأوكسجين وهما شرطان رئيسيان لتطوير أنماط حياة مركبة ومنظمة. وقد حفظت المستحاثات بشكل جيد بفضل عدم تعرض الحوض الرسوبي لفرانس فيل كثيرا للنشاط التكتوني.
ونقرأ في السجل الأحفوري اكتشاف أقدم أحافير لنباتات في العالم وهي في نفس الوقت أقدم مستحاثات لكائنات حية متقدمة ومتعددة الخلايا في الصخور الرسوبية الغنية بالفوسفات في منطقة تشيتراكوت بوسط الهند وتمثل أحافير دقيقة متعددة الخلايا لنوعين من المتحجرات ويؤرخ عمرها ب 1,6 مليار عام وربما تمثل نوعان من الطحالب الحمراء أحدهما على شكل خيط واحتوت على خصائص خلوية داخلية شملت هياكل تعتبر جزء من آلية التمثيل الضوئي أي تحويل النباتات لضوء الشمس إلى طاقة كيميائية. كذلك احتوت الأحافير على هياكل في وسط كل منها جدار خلية مماثل للطحالب الحمراء. والنوع الثاني طحالب حمراء بصلية الشكل عاشت في بيئة بحرية ضحلة إلى جانب حصائر من البكتيريا. وبفضل تقنيات التصوير المقطعي المجهري بالأشعة السينية الذي يوفر صورا بالأبعاد الثلاثية تمكن العلماء من رؤية البنى الداخلية للخلايا بينها رزم خيوط تشكل الجزء الكثيف الذي يميز الطحالب الحمراء فضلا عن رصد في كل خلية من العشبة البحرية القديمة ما يشبه أجزاء من البلاستيدات الخضراء حيث تحصل عملية التركيب الضوئي في النباتات. وعثر في القطب الشمالي في كندا على حفريات طحالب حمراء يبلغ عمرها 1.2 مليار عام.
واكتشفت مستحاثات كروية لكائنات متعددة الخلايا ذات نواة حقيقية وبعض الخلايا بقي في طور الانقسام الخلوي تعود إلى حقبة الأودياكاريان (حقبة من تاريخ الأرض تمتد من 635-541 مليون سنة) ويؤرخ عمرها الزمني بحوالي 600 مليون عام، اكتشفت في هضاب أودياكارا في استراليا. وعثر في الصين في منطقة المضائق الثلاث على آثار أقدم أقدام حيوان متحجر مكتشفة في العالم وهي عبارة عن مسارات متوازية في الوحل تؤرخ بأكثر من 540 مليون عام. وفي منطقة صافيرانا شمال إستونيا وجدت أقدم مستحاثة لعين مكتشفة في العالم حتى الآن حفظت بشكل جيد بفضل الظروف الجيولوجية لموقع صافيرانا خلال العصر الكامبري, أثناء الحقبة الكامبرية الدنيا ويؤرخ عمرها الزمني بأكثر من 530 مليون عام وتعود لمفصليات ثلاثية الفصوص أو التريلوبايت وهو نوع من مفصليات الأرجل والتي لم تطور حاسة بصر دقيقة كتلك التي يملكها النحل المعاصر ولكنها أمنت للتريلوبايت إبصار كافي مكنه من تفادي العقبات والمفترسات. وبتحليل العين المركبة على مستوى خلوي، يمكن القول في ضوء المعطيات الأثرية الحالية أن هذا الاكتشاف يمثل العثور على أقدم مستحاثة لجهاز رؤية مكتشف حتى يومنا الراهن. علما أن مستحاثة العين قد تآكلت جزئيا وتمكن الباحثون من جامعة إدنبرا من إحصاء نحو 100 من العُيينات أي الوحدات التي تشكل العين المركبة لمستحاثة التريلوبايت تفصل بينها فراغات صغيرة، بعكس الأعين المركبة للحشرات المعاصرة والتي تكون فيها العُيينات متراصة ومكتظة. كما أن الباحثين لم يجدوا في مستحاثة العين المركبة بنية لعدسة ولكن من خلال دراسة العين ظاهريا توجد دلائل على وجود أسطوانات شبيهة بالعدسات أما داخليا فلا توجد تحدبات يمكنها إجراء أي عملية انكسار للضوء ويؤكد الباحثون أن هذا الاكتشاف يوثق بالدليل المادي أن بنية ومبدأ العين المركبة لم يتغير إلا قليلا عبر أكثر من نصف مليار عام.
ومن بين أهم الأحافير المكتشفة، أقدم مستحاثة في العالم لجهاز عصبي محفوظ بشكل جيد والأكثر اكتمالا حتى الآن وتبدو فيه الأعصاب بشكل واضح وتؤرخ البقايا بالعصر الكامبري ب 500 مليون عام، اكتشفت في جنوب الصين وتعود لحيوان “شنغجيانغ أوكاريس”. واكتشاف مستحاثة أقدم حشرة مكتشفة في العالم حتى تاريخ كتابة المقال وقد عاشت قبل 425 مليون عام وعثر عليها في صخور جزيرة كيريرا في اسكوتلندا وتعود لديدان ألفية الأرجل تملك زوجين من الأرجل في كل قسم من أقسام جسدها باستثناء القسم الأول الذي يقع خلف الرأس والذي لا يوجد فيه مطلقا أي طرف. وتم تقدير العمر الزمني بواسطة استخدام تقنية نظائر معدن الزركونيوم وذلك بعد فصل المعدن عن الرواسب. وعثر في اسكتلندا أيضا على أحفورة أخرى من نفس نوع الديدان، وجدت داخل تكوين صخري يسمى “ريني تشيرت” وتؤرخ ب 411 مليون سنة خلت. ومستحاثة أقدم وأول عملية تزاوج حتى الآن بواسطة الإخصاب الداخلي لضمان التكاثر حدثت قبل 385 مليون عام وتنسب إلى أقدم نوع من أنواع الأسماك المدرعة أو درعيات الجلد وهو نوع من أنواع الأسماك المنقرض تغطي أجسامها درقة سميكة وتغطي رؤوسها وأقفاصها الصدرية ألواح مدرعة مزودة بمفاصل و تصنف ضمن فصيلة “أنتيارشي” وبحسب جامعة فليندرز الاسترالية، عرف هذا النوع من الأسماك طفرة جذرية في طريقة التكاثر و بدلا من وضع الاناث البيض وطرح الذكور الحيوانات المنوية في المياه البحرية تمكنت الأسماك المدرعة بفضل العضو الخارجي للذكر (شكله حرف ل) القادر على نقل حيواناته المنوية داخل الأنثى وبفضل امتلاك الأنثى لزوج من اللوحات قادر على تثبيت العضو الذكري أثناء عملية التكاثر من ممارسة أقدم عملية تزاوج مكتشف في ضوء المعطيات الحالية حتى الآن. علما أن للأدرع العظمية التي تغطيها دوراً مهماً في عملية التزاوج وبفضلها يتمكن الذكر من امتلاك وضع جيد لعضوه الذكري داخل الأعضاء التناسلية لأنثى السمك المدرع.
واكتشاف أقدم آثار قوائم فقريات في القارة الأفريقية في طبقات الصخور الرسوبية العائدة للعصر التفحمي العلوي بحوض سيدي قاسم جنوب شرق الرباط بالمغرب العربي. وتؤرخ بالفترة الواقعة بين 313-304 مليون عام وتنسب إلى حيوانات فقرية رباعية الأرجل من نوع أمينيوت السفلى. واكتشاف مستحاثات حشرة الميكانورا في مناجم الفحم بفرنسا وهي أضخم حشرة مكتشفة في التاريخ حتى الآن ويبلغ طولها 65-60 سم وانقرضت قبل حوالي 300 مليون عام خلال العصر التفحمي وهي محفوظة حاليا في المتحف الطبيعي بباريس ويطلق على هذه الحشرة أيضا ذات الأعصاب الهائلة وذلك نتيجة تفرعات الأعصاب والأوعية الكبيرة والظاهرة فوق أجنحتها الضخمة.
وفي عام 2016, بحسب جامعة واشنطن وأثناء فحص فك حيوان من ذوات الأنياب، يجمع بين صفات الثدييات والزواحف عثر عليه في حفرية وادي روهوهو في تنزانيا ويؤرخ بأكثر من 255 مليون عام اكتشف أقدم ورم غير سرطاني معروف في التاريخ حتى الآن وهو ورم سني مركب يتألف من تكوينات صغيرة للغاية تشبه الأسنان وقد انغرست بجوار جذر الناب الكبير ومن المتعارف عليه أن الورم السني المركب ينمو بين اللثتين أو الأنسجة الرخوة في الفك. مع التنويه أن الأورام الحميدة والخبيثة تظهر في الأنسجة الرخوة ونادرا ما تتحول إلى حفريات.
ومن الأحافير التي غيرت الكثير من نتائج الدراسات السابقة، اكتشاف مستحاثة أقدم لقاح أحفوري يؤرخ بالعصر الترياسي ويقدر عمره الزمني بحوالي 234 مليون عام. وأقدم مستحاثات لزهور متحجرة تؤرخ بالعصر الجوراسي المبكر (201-145 مليون عام) بحوالي 174 مليون عام، اكتشفت في الصين. ويدعم هذا الاكتشاف نتائج دراسة عينات عديدة لأحافير محفوظة في 34 كتلة صخرية في الصين بمجهر فائق الدقة أثبتت وجود بقايا وريقات وكأس لزهور قديمة فضلا عن اكتشاف مبيض أغلق قبل التلقيح وهذا ما يؤكد أن العينات تعود لنباتات مزهرة. وقبل هذا الاكتشاف كان الاعتقاد السائد بأن الزهور ظهرت في العصر الطباشيري (145-66 مليون عام) وأن أقدم المستحاثات المكتشفة لزهور متحجرة تؤرخ بين 120-139 مليون عام. واكتشاف أقدم أحفورة في العالم لجمجمة كاملة لطائر حديث بالقرب من حصن في لييج على الحدود البلجيكية-الهولندية. تؤرخ الجمجمة ب 67 مليون عام وهي أفضل أحافير جماجم الطيور حفظا وأقدم مثال تم العثور عليه لأسلاف مشتركة لعائلة الطيور. وأقدم عينة دم وجدت في بعوضة متحجرة عمرها 46 مليون سنة ولا زالت تحتوي على أحد مكونات الخضاب الدموي وهو الهيم (عنصر يدخل في تركيب الخضاب الدموي للكريات الدموية الحمراء ويمكن من التقاط ثنائي الأكسجين عبر ذرة الحديد). وعثر في حوض راكو جنوب غرب تانزانيا على مستحاثات ستة أنواع جديدة من اللافقاريات والتي تنتمي إلى شعبة الرخويات وتؤرخ بعصر الأوليكوسين بالفترة الواقعة ما بين 24-26 مليون عام. اكتشفت المستحاثة شمال غرب مونتانا وهي محفوظة حاليا بالمتحف الوطني الطبيعي بواشنطن. وحفرية أقدم مستحاثات لحيوانات منوية في العالم احتفظت بنواتها من الحمض النووي ويصل طول هذه الأمشاج العملاقة إلى حوالي 1,3 ميليمتر وهي أضخم من أمشاج الانسان البالغ طولها وسطيا 50 ميكرو مترا فقط. تؤرخ هذه المستحاثات بأكثر من 17 مليون عام وتعود لنوع من القشريات اكتشفت في منطقة ريفيرسليغ جنوب شرق ولاية كوينس لاند بأستراليا.
ويمثل الطب وعلومه درجة متقدمة من درجات ارتقاء الإنسان بعقله ومستوى إدراكه لأهمية المعرفة وارتباطها بالصحة للمضي قدما في تحقيق كل تقدم منشود. ويعتبر تاريخ الطب والمراحل التي تعرف فيها الإنسان على الأمراض والجهود التي بذلها في سبيل البحث عن الدواء وتطوير طرق العلاج جزءا لا يتجزأ من تاريخ الإنسانية، ساهمت في صنعه جميع الأمم بدرجات متفاوتة وعلى مر العصور.
التعرف على تاريخ الإصابة بأمراض السرطان يمثل خارطة طريق نقتفي من خلالها الأثر، ونتتبع مراحل تطور الورم وأنواعه مند نشأته، لكي نقف على كيفية نموه وتدرجه، ونتعرف على ما أنجزه الطب والأطباء بفضل ربط علوم الطب بالتكنولوجيا الحديثة في الكشف عن أسباب الإصابة بالأورام السرطانية والعوامل التي قد تعزز من فرص الإصابة وتوظيف ذلك في دراسة البقايا الآدمية والحيوانية والتعرف أو محاولة تفسير إصابة الكائنات الحية بالأورام السرطانية في عصور ما قبل التاريخ وتحديد نوع الورم وفق منهج تحليلي يهدف الى وضع الحقائق في نصابها المقبول عقليا و الممكن تاريخيا وطبيا ومنطقيا.
وبفضل الاكتشافات الأثرية الحديثة واستخدام تقنيات الطب الحديث والطب الشرعي في دراسة البقايا الأدمية والحيوانية، تَوَثقَ بالدليل المادي أن السرطان ورم يصيب الانسان والحيوان على حد سواء. وأن بداية ظهور هذا الورم وفي ضوء المعطيات الأثرية والطبية الحالية تؤرخ قبل 240 مليون عام وقد أصاب الحيوانات. وأن أمراض السرطان ليس من صناعة المجتمعات الصناعية ولم يكن وليد العصر الحالي بل يؤرخ ظهوره مع بدايات تطور الكائنات الحية على وجه المعمورة، خاصة وأن سدس السرطانات تتسبب بها البكتيريا والفيروسات. مع العلم أنه عندما يصيب السرطان العظام، فإنه إما ينشأ في العظام ويسمى سرطان العظام الأساسي أو ينتشر إلى العظام بعد أن نشأ في مكان آخر في الجسم ومن ثم انتشر، حتى وصل إلى العظام. وترتبط الأورام الرئيسية التي تتشكل في الجمجمة والعمود الفقري بأكبر خطر وسبب للموت.
وبحسب متحف كارينفي للتاريخ الطبيعي بألمانيا تم التوثق من إصابة سلحفاة من السلف القديم للسلاحف الحديثة عاشت خلال العصر الترياسي الثلاثي قبل 240 مليون سنة خلت في عظم الفخذ بسرطان العظام النادر والخبيث جدا والسريع التطور والنمو بدليل الرؤية وبكل وضوح لنمو غير متساو على طول عظم الفخذ الأيسر المصاب للسلحفاة وهي أقدم حالات السرطان المعروفة في العالم وأقدم إصابة موثقة بسرطان العظم في السجل الأحفوري. اكتشفت بقايا عظم الفخذ عام 2015 في محجر يقع جنوب غرب ألمانيا وبفضل استخدام تقنية الأشعة المقطعية الدقيقة تم التوثق من إصابة عظم الفخذ بورم عظمي سرطاني من نوع ساركوزي عظمي مع وجود تشابه واضح بين هذا الورم السرطاني وورم ساركوما العظام السرطاني الذي أصاب الإنسان قبل على الأقل مليون وسبعمائة ألف عام قبل الميلاد وهو ورم خبيث ينتشر في أغلب الأحيان إلى الرئتين ويمكن أن ينتقل أيضا إلى الدماغ أو الأعضاء وسنتحدث عن ذلك بالتفصيل في المقال القادم. وقد وجد السرطان أيضا في مستحاثات الأسماك البرمائية المتحجرة ويؤكد ما سبق أن السرطان مرض ينجم بالدرجة الأولى عن نقطة ضعف في الطفرة المتأصلة في الحمض النووي.
وفي عام 1997 اكتشف في ولاية مونتانا الأمريكية بقايا هيكل عظمي لديناصور من نوع التيرانوصور ركس وعليه آثار كسور عديدة وجروح غائرة قد اندملت. وباستخدام تقنيات الطب الحديث “أشعة أكس” اكتشف وفق بحث نشرته مجلة ناشيونال جيوغرافيك عام 2003 في جمجمة الديناصور أقدم ورم سرطاني في الدماغ يصاب به كائن حي في ضوء المعطيات الأثرية الحالية ويؤرخ بحوالي 72 مليون عام. والورم السرطاني عبارة عن ورم متحجر اسفنجي القوام بحجم كرة الكولف وهو سرطان العظام وقد امتد من عظام الجمجمة إلى المخ والمخيخ وبعد هذا الاكتشاف نقل الهيكل العظمي إلى متحف شيكاغو وهو محفوظ فيه حاليا. كما اكتشفت أيضا حالات الإصابة بسرطانات العظم في بقايا 29 عينة من هيكل عظمي لديناصورات مكتشفة في الولايات المتحدة الأمريكية وأحيانا في الفقرات الذيلية كما هو الحال في بقايا الهياكل العظمية المكتشفة في ولاية ويامونك الأمريكية. علما أن سرطان العظام هو أقدم نوع من أنواع السرطانات التي أصابت البشر وفق المعطيات الأثرية الحالية وهو ما سنتحدث عنه بالتفصيل في الجزء الثالث من سلسة زبدة الطلب في تاريخ أمراض السرطان وإنجازات الطب والأطباء.