أسواق الألبسة.. نشاط تجاري متباطئ.. وواجهات للفرجة؟!

كغيرها من المستلزمات والاحتياجات، خرجت الألبسة من قائمة المشتريات وأصبحت بعيدة المنال بعد ارتفاع أسعارها الجنوني، وبات هناك خلل كبير وواضح بين أرقام الدخل الشهري للمواطن والأرقام الموجودة على واجهات المحلات التي خسرت أكثرية زبائنها.
أسواق الألبسة كانت وجهتنا لعدة أيام، حيث وجدنا قاسماً مشتركاً بين طرفي المعادلة التجارية: البائع والزبون، فقد أكدا على أن الظروف المعيشية الحالية، وخاصة الغلاء، سببت لهما الضرر، كلاً حسب موقعه، فأين هي الجهات المعنية في هذه المعادلة التجارية؟!.
بلا موضة بلا جودة
أغلب من التقيناهم في أسواق الألبسة تحدثوا عن خوفهم من الدخول أصلاً إلى محلات بيع الألبسة لكي لا تفاجئهم أسعارها المرعبة، بغض النظر عن الموضة، والموديل، والصيحات التي أصبحت قيد النسيان بالنسبة لهم، فألبستهم القديمة أصبحت بحاجة للتغيير، وقياسات أبنائهم بدأت تتغير، ولابد من إحضار الجديد والأكبر بلا مهرب، وجميعهم ألقوا باللائمة على تاجر الألبسة، ووزارة التجارة الداخلية التي تتفاخر بين الحين والآخر بعدد الضبوط والإغلاقات والجولات هنا وهناك دون أن تشكّل أي رادع، أو حالة عامة من ضبط الأسواق التي باتت تحكمها الآلات الحاسبة بلا خجل أو خوف رغم تحذير القوانين والمراسيم.
أما البائعون فقد أعطوا عدة أسباب لرفع أسعارهم، كان في طليعتها ارتفاع التكاليف، كما يقول المنتج والتاجر اللذان باتا يرفعان السعر مع أسعار السوق السوداء.
أقل من السعر
بائع الألبسة محمد الزهراوي أكد لنا أنه يبيع كافة الملابس بأقل من السعر المكتوب عليها، وبهامش ربح أقل من أي هامش ربح موجود في السوق، وشاهدنا بأم العين كيف أنه يدوّن الأسعار بدقة على كافة الرفوف، لكنه أكد أنه يربح حالياً، لكن ربحه منذ فترة غير قادر على مجاراة الطفرات السعرية للبضاعة، وخاصة منذ بداية أزمة الكورونا، حيث إنه الآن يبيع بنطال الكتان الرجالي بسعر 17 ألف ل.س، لكن رأسمال القطعة في يوم إعداد المقال ارتفع إلى المبلغ ذاته، أي أنه مضطر لدفع رأسماله القديم مع الربح ثمناً للبضاعة الجديدة، وهو مضطر لذلك لكسب زبائنه، وحفاظاً على سمعة محله، وأوضح أنه يستمر في السوق بفضل معرفته القديمة بعدد من التجار المحترمين الذين يمدونه بالبضاعة بالتقسيط، وأن عمله متعثر منذ سنتين بشكل كبير، رغم موقع محله القريب من ساحة محافظة دمشق، وكان يبيع العديد من القطع مستفيداً بشكل كبير من الكروبات السياحية الدينية التي توقفت مؤخراً بسبب أزمة الكورونا، والحصار الاقتصادي المفروض على دول الجوار.
بحاجة للحماية
الدكتور أسامة زيود، صاحب معمل لحياكة وصبغ وتحضير الأقمشة وخياطتها أوضح لنا أن قطاع الصناعة النسيجية وصناعة الألبسة الوطنية يعاني مشاكل غير مسبوقة قد تؤدي لاحتضار هذه الصناعة بوقت سريع نتيجة عدة مشكلات تبدأ من الفلاح الذي يقوم بتهريب بذور القطن ذات النوعية الجيدة، ويبقي النوعية السيئة ذاتها للبيع المحلي، إضافة لقلة الدعم الذي يتلقاه الفلاح عموماً، والذي يؤدي لرفع تكلفة الزراعة والنقل، إضافة إلى أعباء الصناعي من غلاء حوامل الطاقة بجميع أنواعها سواء كانت المازوت، أو الفيول، أو الكهرباء، أو البنزين، للإنتاج، أو للنقل، والتسويق، وحتى شح المياه، وانقطاعها، علماً أن المنتج حتى يربح ويستمر في السوق لا يجب أن تتجاوز حوامل الطاقة عنده ما نسبته 15-20% من التكلفة، ولكن الآن ما هو ملاحظ أن حوامل الطاقة تشكّل حوالي 35-45% من التكلفة، وهذه كارثة حقيقية، لاسيما مع بقاء المشاكل القديمة المتجددة دون حل، مثل وجود ألبسة مهربة أو مستوردة عن طريق المناطق الحرة، وخاصة لدى محلات الماركات التي مازالت تعمل حتى اللحظة رغم منع الاستيراد، وحتى رغم إغلاق الحدود سابقاً، والبالات التي يرغب لها المواطن نظراً لانخفاض دخله، إضافة لوجود خيوط مستوردة مثل الخيوط الهندية التي تعتبر ذات جودة عالية جداً، وتباع بسعر 2,5 -3 دولارات للكيلوغرام ويتم شحنها، وتحقق هامش ربح للمستورد يقدر بـ 30%، وتباع بسعر قريب من سعر المنتج الوطني الذي يفوق سعره الـ 4500 ليرة سورية للكيلوغرام، وبشكل لا يتناسب وجودته الرديئة نتيجة ارتفاع التكاليف، والتضخم الذي تعيشه أسواقنا، وبذلك يكون الانتصار للمستورد الذي تتوسع أعماله وأرباحه على حساب المنتج الذي تنهار أرباحه يوماً بعد يوم، إضافة لعدم مراعاة ظروف التقنين لصناعيي النسيج، فآلة المعمل الواحدة تعمل بمقدار ورشة صغيرة أو أكثر، وتوقفها عن العمل لعدة ساعات يعد كارثة حقيقية.
بحاجة للحل
هذا الواقع المتخم بالتحديات بحاجة، برأي زيود، للحل، فوجود محتكرين وفاسدين وسيطرتهم على الحياة الاقتصادية مشكلة كبيرة تؤدي في كثير من الأحيان لصدور تعليمات وقرارات رسمية تخدمهم وحدهم وتصب في مصالحهم الشخصية الضيقة، على حساب انهيار عمليات الإنتاج، وما تتبعها من مشاكل اقتصادية كالبطالة، وزيادة التضخم، وانحدار القطاع الصناعي نحو الإفلاس، فالصناعة الوطنية للأسف في هذا الوقت لا تتمتع بالحماية، كما أن الصناعي الذي عانى خلال الأزمة وما تبعها من أزمات، يشهد الآن حالة من التخلي عنه، وتمنى دراسة مواطن الخلل وحلها بأسرع وقت ممكن، فالاقتصاد معادلات لا يمكن حلها إلا عبر تلافي النقص والثغرات، وأضاف: يجب تقديم الدعم للمواطن من خلال زيادة دخله، فطالما الدخل غير كاف لشراء قطعة ملابس واحدة من النوع العادي بوزن 150 غراماً، وبسعر يتجاوز الـ 20 ألف ل.س، فهذا بحد ذاته كفيل بتوقف سوق الألبسة، مع غلاء كافة المتطلبات المعيشية الأخرى، وصعوبة التصدير نتيجة ارتفاع التكاليف، وصعوبة المنافسة.
تصريحات
سبق لمدير عام الشركة الخماسية مصطفى هلال قد طالب في أحد تصريحاته الجهات الوصائية بضرورة دعم منتجات الشركة، وتأهيل كل آلات الشركة وإعادتها للعمل بكامل طاقتها الإنتاجية، وأكد أنهم يعانون من صعوبات جمة في تأمين المادة الأولية، والقطع التبديلية، والمواد اللازمة لاستمرار العملية الإنتاجية بسبب الحصار الاقتصادي الذي تعاني منه سورية.
كما بيّنت رئيسة نقابة عمال الغزل والنسيج بحماة عبير الصليب في أحد تصريحاتها الإعلامية أن التقنين الكهربائي الطويل المتبع حالياً أدى إلى اقتصار عمل محالج حماة على واردية واحدة فقط، ما أثر سلباً في الإنتاج.
دعم المواطن
المؤسسة العامة للصناعات النسيجية ردت على مجموعة من تساؤلاتنا، وتساؤلات منتجي النسيج والأقمشة فيما يتصل بعملها واختصاصها، ففيما يتعلق بالسماح باستيراد النسيج نفت المؤسسة السماح باستيراد الغزول القطنية 100%، أو الغزول التي تشكّل نسبة القطن فيها أكثر من 85% وفقاً للأحكام التي وضعتها وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية على اعتبار أن مثل هذه الغزول سواء كانت مسرحة، أو ممشطة أو توربينية تنتج أصلاً من قبل الشركات الخمس التابعة للمؤسسة، إلا أنه وبناء على قرار وزارة الاقتصاد رقم 994 تاريخ 23/10/2017، وبموافقة المؤسسة، تم السماح باستيراد الخيوط القطنية الكومباكت كونها غير منتجة من قبل المؤسسة، ومع ذلك فقد أدرجت المؤسسة مشروع إنتاج هذا النوع من الخيوط لتقليل فاتورة الاستيراد، وهم بصدد الإعلان عن البدء قريباً.
وحول مشكلة قلة دعم المنتجات النسيجية بالمشتقات النفطية فقد نفت المؤسسة مسؤوليتها أو مسؤولية وزارة الصناعة عن ذلك، فهم بدورهم يعانون في الشركات التابعة لهم من المشكلة ذاتها، ومشاكل التقنين الكهربائي المتساوي، ومشاكل الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي التي تؤثر على الإنتاج بصورة كبيرة، وبشكل أكبر في القطاع الخاص الذي يحصل على حوامل الطاقة من السوق السوداء مهما بلغ السعر، ويضيف الفرق على أسعار منتجاته بكل سهولة، ورغم ذلك فالمؤسسة تسعى جاهدة مع الجهات المعنية لحل تلك المشكلة.
وفيما يتعلق بتضخم أسعار النسيج والأقمشة فقد أكدت النسيجية حرصها على تحقيق الاستقرار في أسعار الخيوط القطنية التي تدخل في صناعات الألبسة، وإيصال المنتج النهائي للمستهلك بأقل سعر ممكن، إلا أنها تضطر لرفع الأسعار بشكل بسيط لتغطية تكلفة ارتفاع سعر المواد الأولية، ولتأمين القطع التبديلية وحوامل الطاقة، مع المحافظة على هامش ربح بسيط قدره 5%، وأحياناً يصل إلى 6 أو 7% في بعض المنتجات بهدف تأمين الدعم، والمساعدة لذوي الدخل المحدود، كما تقوم النسيجية بتوجيه شركاتها للتنسيق مع كل الجهات المعنية بهدف ضبط وتحديد الأسعار.
وفيما يتعلق بمشكلات رداءة بعض الألبسة المنتجة في أسواقنا فقد أوضحت النسيجية أنها تنتج الغزول والأقمشة القطنية، أما بالنسبة لإنتاجها من الألبسة الجاهزة والداخلية وغيرها فهي لا تطرح في الأسواق للمستهلك إلا بنسب قليلة، ويذهب القسم الأكبر منها إلى إدارة المهمات العسكرية، ومع ذلك فإن منتجات المؤسسة تشهد إقبالاً كبيراً، وهناك العديد من طلبات التصدير التي يتم حالياً التقليل منها وإيقافها للحفاظ على أسعار المنتجات في السوق المحلية.

بشار محي الدين المحمد

اخبار الاتحاد