احمد حمادة : الثورة
شر البلية ما يضحك، كما يقول المثل العربي، فقد تفتقت عبقرية الإدارة الأميركية، التي تغتال الشعوب وتحتل أراضيها، وتدوس على حقوق الإنسان، وتنشر الفوضى الهدامة، وتؤسس تنظيمات الإرهاب، وخرجت على العالم بفكرة عقد قمة افتراضية حول “الديمقراطية” غداً.
نعم في بلد انتهاك الحريات، ونسف أسس الديمقراطية داخل أراضيها وخارجها، ننتظر من أميركا عقد قمة ينظّر فيها ساكنو البيت الأبيض على العالم، ويحاضرون برؤساء الدول والحكومات عن الديمقراطية الأميركية “المزيفة” وعن ضرورات تعميم التجربة الأميركية على الدول والشعوب.
من يقرأ ما سربه البيت الأبيض عن أجندات القمة سيصاب بالدهشة، فهي ستضم التزامات ومبادرات تتمحور حول ثلاثة محاور رئيسية، أولها الدفاع ضد الاستبداد، وثانيها مكافحة الفساد، وثالثها تعزيز احترام حقوق الإنسان.
ولعل جردة حساب سريعة في سلوك الولايات المتحدة وسياساتها العدوانية تجاه العالم بشكل عام، وفي هذه المحاور الثلاثة بشكل خاص، ستفك شيفرة الدهشة التي أشرنا إليها، فواشنطن هي من تدافع عن أنظمة الاستبداد التي تخدم مصالحها، ومثال الكيان الإسرائيلي خير شاهد، وهي من ينشر الفوضى والفساد بكل أشكاله في المعمورة، من تخريب بيئة المناخ وإفسادها، إلى نشر الأوبئة، مروراً بكل الموبقات التي عرفتها البشرية، وأما احترام حقوق الإنسان المزعومة فحدث ولا حرج، وأمثلتها تحتاج إلى مجلدات.
القوى الدولية التي تسعى إلى عالم متعدد الأقطاب أدركت جيداً حقيقة القمة ومغزاها، انتقدتها، وقالت بالفم الملآن: “الديمقراطية ليست براءة اختراع للغرب، ولا لأميركا”، وتلك التي يتبجحون بها يهيمن عليها رأس المال، أي إنها ديمقراطية الأغنياء، وديمقراطية سحق الفقراء.
إذاً نحن اليوم أمام مفارقة أميركية جديدة، مثيرة للاستهزاء، والاستغراب، فمن يريد أن يحاضر بالديمقراطية عليه أن يكون ديمقراطياً، لا أن يصدر أوامره باعتقال المهاجرين على الحدود مع المكسيك، ويفصل الآباء عن أطفالهم، ولا يستخدم شماعة محاربة الإرهاب كعذر وذريعة لقمع الدول وغزوها، ولا ينكث بوعوده بإغلاق معتقل “غوانتانامو” سيء الصيت، ولا يفرض قراراته على حرية التعبير في مواقع التواصل الاجتماعي، ولا يهدد ويلوح بالأسلحة النووية.
من يحاضر بالديمقراطية لا يحتل الأراضي السورية في الجزيرة والشمال، ولا يسرق ثروات السوريين، ولا يدمر مدنهم، ولا يحاصرهم، ويستنسخ كل شهر “قيصر” سيئ الصيت، من يريد ذلك عليه أن يحترم ديمقراطية الآخرين وإرادتهم، وأن يحترم سيادة الدول ووحدة أراضيها، وأن ينصف الشعب الفلسطيني لا أن يزيد في معاناته، وأمثلة الشعوب المنكوبة بسياسات واشنطن أكثر من أن تحصى.
من يعقد قمة لترسيخ مبادئ الديمقراطية في العالم عليه أن يبدل نهجه الذي يقود العالم إلى الهاوية وينشر العنف والديكتاتورية، وألا يلوح باستخدام فائض القوة لديه، وألا يوتر الأجواء في أوكرانيا، وألا ينتهك حريات الشعوب ومبدأ الديمقراطية التي يتشدق بها ليل نهار، عليه فقط أن ينصت لصوت العقل والحكمة وعدم السير الأعمى بسياسات التوحش والغزو والاحتلال ودعم الإرهاب، وفقط من أجل مصالحه الأنانية الجشعة.