قرار الدعم الإعلامي.. للحكومة أم للإعلاميبن؟!

يونس خلف- فينكس:
القرار الحكومي بتشكيل لجنة دعم إعلامي يفتح المجال من جديد للحديث عن الإعلام والحكومة ومنهجية العمل في التغطية الرسمية وفي الخطاب الإعلامي وآلياته ومرجعياته، وإذا كان الهدف من هذه اللجنة كما جاء في القرار تنسيق المعلومات المتداخلة بين الوزارات المعنية المتعلقة بكل قرار مزمع إصداره، وصياغة مسوغاته لإصداره وتحديد مسؤولية كل وزارة عند تطبيقه، وتوحيد الخطاب الإعلامي والمعرفي الموجه إلى الرأي العام والإشراف على المكاتب الإعلامية في الوزارات والتنسيق مع وسائل الإعلام لتهيئة الرأي العام قبل صدور قرارات تتعلق بالحياة المعيشية للمواطنين وضمان تدفق المعلومات و تنظيم لقاءات دورية بين المعنيين في وزاراتهم ووسائل الإعلام.
والرد على الاستفسارات الواردة من قبل الإعلاميين… وإلى ما هنالك من مهام حددها القرار. فإن السؤال الذي يطرح نفسه: أليس ذلك كله من مهام الإعلام والحكومة ومؤسساتها بدون قرار وبدون لجنة؟ وهل يعني وجود لجنة من هذا النوع الآن إقرار بأن كل ما تقدم من مهام لم يحصل سابقاً.. والسؤال الآخر المرتبط به هو لماذا؟
وبمناسبة الحديث عن الشراكة المنشودة، الملاحظ في تشكيل لجنة الدعم الإعلامي غياب كوادر وخبراء من قطاع الإعلام عن اللجنة باستثاء رئيس اللجنة السيد معاون وزير الإعلام وبالتالي ذهب الخبز إلى غير الخبازين، لا سيما ان من أهم مهام اللجنة توحيد الخطاب الإعلامي والتواصل مع الإعلاميين ومخاطبة الراي العام وهذا بحد ذاته يحتاج إلى خبراء في الإعلام، أما اتحاد الصحفيين وهل يمكن أن يشارك في لجان وورشات عمل و اجتماعات ذات صلة بالإعلام والإعلاميين؟ فيبدو أنه لا يزال خارج التغطية والمطلوب المزيد من (التريث) حتى يكون في دائرة الاهتمام أو التفكير.
أنا أسأل لأن الأمر يعود بنا إلى طرح أصل الحكاية وهو العلاقة بين الإعلام والحكومة، ولذلك يبقى السؤال مستمراً وإن كررناه مراراً وهو: هل العلاقة القائمة بين الإعلام والحكومة هي علاقة شراكة من هذا النوع؟ ماذا تريد الحكومة من وسائل الإعلام؟ وماذا يريد الإعلام من الحكومة؟
وهنا أريد أن أكرر سؤالاً لطالما رددناه كثيراً، وهو ينطلق بالتأكيد من قاعدة حسن النية والمصارحة والمكاشفة: هل تريد الحكومة كما كانت ترغب كل الحكومات السابقة أن يقدم الإعلام الخبر أو أي مادة إعلامية وفقاً لما تريد وتشتهي أو كما يريد البعض ما يبيض الصفحة دائماً؟ والسؤال الآخر يتعلق بالإعلام نفسه: هل الإعلام يساعد الحكومة في تنفيذ خططها و لا أقول هنا
مواكبة أو تغطية نشاطاتها فقط؟
أعتقد هنا أن فهم الموقف هو أهم سلاح للدعم الشعبي للحكومة ومن أجل ذلك لا بد من استثمار الإعلام، وهنا الحق مع الحكومة مثلاً عندما تنتظر من وسيلة إعلامية أو من إعلامي رؤية واضحة عن أداء الحكومة في جانب من العمل الذي تقوم به كأن تقول هذه الرؤية: هل تسير الحكومة في مجال التنمية البشرية مثلاً في الاتجاه الصحيح؟ هل هناك ملاحظات أو مقترحات. كيف هو المزاج الشعبي حول قرار او اجتماع او مشروع جديد للحكومة.
لكن في الوقت نفسه علينا الأخذ بالاعتبار أن الحكومات المتعاقبة تجاهلت لزمن طويل حاجتها للإعلام كوسيلة لعرض خططها ومشاريعها بما يضعها أمام الناس بشكل صحيح ودقيق. ولطالما رغبت الحكومة غالبا بالإعلام الذي يبيض الصفحة مما جعل إمكانية تحميل الاعلام رسالة مؤثرة بالرأي العام إمكانية محدودة جداً. ولذلك لطالما كان المأمول هو الانتقال بالإعلام الرسمي من إعلام الحكومة إلى إعلام الدولة.. وتجاوز النمطية والسعي باتجاه المعلومة والشفافية ونقل الواقع على حقيقته.
إلا إن الأشكالية هي في المعادلة الصعبة والمعقدة والمركبة وهي إن الإعلامي أمام خيارين: إما ان يبيض الصفحة أو ان يتم تسويد صفحته، وعندما نكون أمام خيارين من هذا النوع فالمنطق يستدعي أن نختار أكثرهما واقعية، وبالمقابل ثمة إشكالية تواجه أكثر من طرف في المعادلة وهي تتمثل في ذلك المنطق الذي يجعلنا ننتقد الاشياء فقط عندما لا نستفيد منها او عندما لا تعجبنا.
وبالعودة إلى القرار الحكومي الجديد حول الدعم الإعلامي، فإن الحق مع الحكومة ومع اي جهة الترويج لعملها وخططها وقراراتها، لكن الخطط التسويقية غالباً ما تتم بأسلوب تقليدي غير ممنهج بالإضافة إلى عدم الاستمرار بحملات مكمّلة لفترة زمنية معينة لمتابعة نتائج العمل ومخرجات الخطط المعلَن عنها مما يصعّب كسب ثقة المتلقي.
ولعل أبرز الأخطاء الشائعة توقف مهمة الترويج مع انتهاء الاعلان عن الخطة أو القرار أو المشروع لتبقى مشكلة الترويج الأساسية أنها لا تتم بأسلوب ممنهج حتى تتحقق النتائج المستهدفة، و إذا كان هدف الحكومة من الترويج هو بناء جسور الثقة مع المواطنين، فإننا نفترض على قاعدة حسن النية ان الثقة موجودة لكن المشكلة التي تظل مستمرة هي أننا ننسى الاجتماع او القرار او المشروع بعد الاعلان عنه، ولا نتعامل مع المواطن بشفافية (ما نفذ وما لم ينفذ ) وما هي الاسباب التي تقف وراء عدم التنفيذ ومن المسؤول وما هي الإجراءات التي تمت لتجنب ذلك، يضاف إلى ذلك إن التسويق يحتاج إلى شبكة علاقات عامة تلعب دوراً مهماً ومؤثراً فى التواصل لتعزيز الثقة، والتسويق او الدعم الإعلامي مثل التسويق لأي منتج يجب ألا يقتصر فقط على تجميل الصورة والتبرير وكثرة التكرار الذى يصيب بالملل وإنما يجب الاعتماد على أفكار جديدة متطورة تلامس هواجس وتطلعات المواطن إضافة إلى أن أي فكرة تسويقية لا يمكن أن تصل لجمهورها إلا إذا اقتنع المسوِّق بأهميتها ومصداقيتها ولاقت قبولاً لديه قبل غيره.
وبما أن الأمر هنا يتعلق بنشاط الحكومة وخططها وقراراتها وبصورة أساسية بتغطية النشاط الرسمي من قبل الإعلام فإن السؤال هنا: هل ما نشهده سواء في الإعلام المقروء أو المسموع أو المرئي هو الشكل الذي يحقق الشراكة في الفهم والتفهم لوقائع الحياة اليومية للمواطن، وهذا لا يعني أن الإعلام لا يتحمل أيضاً مسؤولية الخلل الموجود في آلية وشكل ومضمون التغطية الإعلامية للنشاط الحكومي فالإعلام المحترف المهني لا يحتاج إلى من يدافع عنه والأمر هنا يتصل بتدني مستوى المهنة وعدم وجود ضوابط للعمل المهني ومرتبط أيضا بتدني العائد المادي الذي يجنيه الصحفي من عمله في الصحافة إضافة إلى مواجهة المعلومة وعدم توفرها. ولعل المفيد اليوم أن ننظر إلى الأمور على امتداد مساحة النظر ونعرف ما لنا وما علينا وأن تكون إحدى أهم أولوياتنا في العمل الإعلامي تعزيز ثقة المواطن بالدولة لأن من ضمن ما تم التخطيط له في التآمر على سورية زعزعة هذه الثقة. لكن خلاصة القول من وجهة نظري ومن موقع عملي الإعلامي إن الدعم اليوم يجب ان يتجه إلى الإعلاميين سواء لجهة ظروف معيشتهم وتسابقهم للبحث عن مصادر دخل في أعمال كثيرة لا تقتصر على العمل الإعلامي لتجاوز الظروف المعيشية الصعبة إضافة إلى توفير المعلومة والتعاون من قبل الجهات ذات الشأن بما يتناوله الإعلامي وان تكون العلاقة مع المؤسسات الحكومية علاقة شراكة فعلية لمصلحة البلاد والعباد ولا تكون مجرد التقاط فرص الاصطياد من طرف للطرف الآخر، وترحيل المسؤوليات، إن لم نقل إنه في بعض الأحيان يتحول من ينتقد إلى دريئة للانتقام منه. ويحدث أيضاً ان بعض ما يتم نشره يفتقد للمصداقية أو الإثبات أو ينطلق من كيديات ومنافع شخصية. فهل الحل في لجنة أو قرار أم في تحسين الصورة وتقديم الدعم الحقيقي للإعلام والإعلاميين لأنهم أدرى بالحكومة وقراراتها .؟

اخبار الاتحاد