الحريات الإعلامية.. مرآة الحقوق . يونس خلف

الحريات الإعلامية.. مرآة الحقوق .!
الثورة – يونس خلف:
أن يعلن اتحاد الصحفيين السوريين عن تقريره السنوي حول الحريات الإعلامية بالوثائق والإحصائيات والأسماء، وأن يدعو الاتحاد الإعلاميين إلى حضور إطلاق التقرير والنقاش العلني للانتهاكات والاعتداءات التي يتعرض لها الإعلامي، فهذه خطوة متقدمة.. وهي بالفعل سابقة باعتبارها لأول مرة تناقش بالعلن ومن قبل الإعلاميين وأمام وسائل الإعلام.
إلا أن مناسبة إطلاق تقرير الحريات كانت أيضاً فرصة للتذكير والتأكيد على بعض القضايا الأساسية المتعلقة بالحريات الإعلامية وفي مقدمتها إشكالية الخلط في الحديث عن حرية الصحفي، وعدم التمييز بين حرية التعبير التي كفلها الدستور وبين حرية الإعلام التي ترتبط بعدة عوامل موضوعية أو ذاتية وعوامل أخرى تتعلق ببعض التصرفات والممارسات لبعض المعنيين من أصحاب الشأن بدءاً من حجب المعلومات عن الصحفي، أو حتى عدم الرد على ما يكتبه وينشره، أو الادعاء الشخصي عليه أمام القضاء دون توافر الأسباب الموجبة أو توجيه هذا الادعاء، إلى مكان آخر غير المحاكم المختصة وبعيداً عن قانون الإعلام.
لكن الأبعد من ذلك في تقرير اتحاد الصحفيين هو جملة الانتهاكات الموثقة التي طالت حريات الصحافة، والتهديد الممنهج الذي لاحق الصحفيين، والقيود التي اعترضت سبل تغطيتهم الإعلامية، وجعلت ظروف عملهم محفوفة بالمخاطر فكانت التكاليف التي تكبدتها الصحافة السورية بمؤسساتها وصحفييها باهظة جداً خلال ما يزيد على عشر سنوات من الحرب الإرهابية على سورية. والانتهاكات الخطيرة وغير المسبوقة التي واجهها الصحفي السوري وهو يعمل على نقل معاناة السوريين في مناطق مختلفة من البلاد حيث تم رصد نحو ٦١حالة انتهاك طالت وسائل إعلام وصحفيين ومصورين، وقد تنوعت هذه الانتهاكات بين اختطاف واعتقال واحتجاز حرية وتعذيب وحرق ممتلكات ومنازل تعود للصحفيين.
ووفقاً للتقرير فإن الجهات التي قامت أو تسببت بهذه الانتهاكات هي الاحتلال الأمريكي والتركي والميليشيا الانفصالية المرتبطة بالاحتلال الأمريكي والتنظيمات الإرهابية المسلحة، إضافة إلى حملات التشهير والتنمر في مواقع التواصل الاجتماعي، والأمر الآخر الذي يعرفه الجميع أنه لا توجد قيود على حرية التعبير في الدستور السوري أو في القوانين والأنظمة الداخلية للمؤسسات الإعلامية.
ولذلك لا بد من الأخذ بالاعتبار خصوصية العمل الإعلامي بأن تنحصر مساءلة الصحفي بقانون واحد هو قانون الإعلام، وبالمقابل نحن جميعاً بالتأكيد نفهم وندرك أهمية وضرورة التدخل من الدولة لوقف ظاهرة الفلتان في شبكات التواصل والمواقع الإلكترونية، وما ينتج عنها من تعديات على حقوق الأفراد والمجتمع والدولة لاسيما أن هذه الوسائل أصبحت مصدراً أساسياً لاستهداف المواطن والمجتمع، وبالتالي لابد من ضوابط كفيلة باستخدام هذه الوسائل.
والكل يعلم أيضاً أن البيئة التشريعية واضحة ومحددة وضامنة من خلال ما نص عليه دستور الجمهورية العربية السورية ففي المادة الثانية من الدستور (لكل مواطن الحق أن يعبِّر عن رأيه بحرية وعلنية بالقول أو الكتابة أو بوسائل التعبير كافة، وكذلك حق المواطن في الحصول على المعلومات المتعلقة بالشأن العام)، لكن المشكلة التي تواجه حرية الإعلام بعض العوامل المتشابكة التي يصعب معها وضع معايير موحدة أو الوصول إلى وضوح في تحديد وضع هذه الحريات، ولذلك باتت الصورة ملحة لأن يتم التعامل مع الصحفي بقانون واحد هو قانون الإعلام وهذا ما أكد عليه تقرير الحريات الإعلامية الذي أطلقه اتحاد الصحفيين ويتابعه الاتحاد مع الجهات والمؤسسات المعنية ولاسيما المؤسسة التشريعية لأن حرية الرأي والتعبير والحرية الإعلامية بشكل خاص تعد من أولى الأولويات في الحقوق والحريات الأساسية، لا بل هي مرآة الحقوق والحريات العامة في أي بلد وأحد أهم أشكال التعبير عن الرأي بإدارة الشؤون العامة وفي التأثير والمشاركة في صنع القرارات المتعلقة بالشأن العام.
وخلاصة القول إن الإشكاليات التي تواجه الحريات الإعلامية في سورية ليست في النصوص، وإنما في النفوس من قبل بعض أصحاب الشأن سواء من خلال حجب المعلومات أحياناً أو عم الرد على ما تثيره الصحافة من قضايا تتعلق بالشأن العام، إضافة إلى التدخل أحياناً أخرى في محتوى المادة الإعلامية أو منع النشر في وسيلة إعلامية عبر تدخلات من خارج الوسيلة، أو حتى الضغط على بعض الإعلاميين لعدم نشر ما هو مخالف لتبييض صفحة بعض أصحاب الشأن، وبالنتيجة فإن كل ذلك يخالف توجهات الدولة السورية ودستورها ويخالف التوجيهات الدائمة للسيد الرئيس الذي لطالما أكد على الحكومات المتعاقبة أن افتحوا أبوابكم للإعلاميين، وأن نجاح الإعلام تكون الحكومة جزءاً منه، وفشل الإعلام تكون أيضاً جزءاً من الفشل.
اخبار الاتحاد