افتتاح ورشة عمل “الصحافة الاستقصائية ودورها في المرحلة المقبلة” “دور الإعلام الاستقصائي في تطوير أداء عمل المؤسسات ومكافحة الفساد”

افتتاح ورشة عمل “الصحافة الاستقصائية ودورها في المرحلة المقبلة” “دور الإعلام الاستقصائي في تطوير أداء عمل المؤسسات ومكافحة الفساد”كان محور ورشة العمل الإعلامية التي أقامتها وزارة الإعلام بالتعاون مع اتحاد الصحفيين على مدرج دار البعث تنفيذاً لما ورد في خطاب القسم للسيد الرئيس بشار الأسد ومع تحقيق الانتصارات على الجبهة العسكرية ولبناء الدولة ومؤسساتها وتفعيل دور الإعلام في هذا البناء كسلطة رابعة حقيقية.

وأشار عمران الزعبي وزير الإعلام في افتتاح أعمال الورشة إلى أن الإعلام الاستقصائي ليس غريباً عن الإعلام السوري الذي يعكس نبض الشارع ويؤثر فيه ويتأثر منه بحيث كان رديفاً للجيش في حربه على الإرهاب بكل أشكاله والفساد جزء من هذا الإرهاب، حيث حشد الإعلام السوري الناس وأوضح لهم الحقيقة على الأرض.

ولفت الزعبي أن الفساد لم يولد من رحم الأزمة، لكنه موجود منذ وجود الإنسان وكان يرتقي ويتطور تبعاً لارتقاء القوانين والتشريعات، ورأى الزعبي أن الحلول تكمن بتطوير عمل المؤسسات من خلال تطبيق القوانين بحرفية عالية على ما فيها من عيوب ونواقص والقفز بالمؤسسات إلى مرحلة تطوير العمل الأخلاقي مع الموظفين وإيجاد معايير مضبوطة للتعامل، مشيراً إلى دور وزارة الإعلام في الإعلام الاستقصائي، حيث أنجزت الوزارة مجلدات عن عدد كبير من الإرهابيين في سورية لكل دولة وما يزال بعض أجزائه قيد الإنجاز، وقد تم استقاء المعلومات عن طريق كل وسائل الإعلام بما فيها المواقع الإعلامية لهذه الجماعات.

بدوره، أشار الزميل الياس مراد رئيس اتحاد الصحفيين إلى دور الإعلام الاستقصائي في الانتصار الوطني الذي يتم تسطيره يومياً، مقتبساً كلام السيد الرئيس بشار الأسد في خطاب القسم “إن كل امبراطوريات الإعلام والنفط لا تساوي شيئاً أمام موقف وطني صادق “، وأشار إلى استخدام العدو كل الأساليب في الحرب على سورية وأبرزها الإعلام من خلال شراء الذمم وإحداث مجموعات إعلامية مدعومة، إضافة إلى شهود العيان ومجموعات التزوير والفبركة والتضليل.

وسأل مراد هل كان الإعلاميون السوريون يعملون ضمن استراتيجية إعلامية واضحة؟وهل كانت هناك خطة لخلق بنى إعلامية متماسكة وخطاب إعلامي جديد يتوافق مع المطلوب ويستند إلى الجاذبية، ويجيب: من هنا بدا التحدي الكبير بإيجاد التحول في الإعلام عبر المشروع الوطني لامتلاك الإعلام الذي بدوره يمتلك الشعب من خلال نشر ثقافة المعرفة وتحضير الرأي العام وتحصينه وكشف الحقائق.

وذكر مراد أن تراجع أي إعلام يكون بسبب عدم وجود استقلالية له وللإعلاميين عن باقي السلطات والخلط بين حرية التعبير وحرية الإعلام للتصرف السلبي بالمعلومة ولأن أخلاق المهنة هي التي تضمن ما عجز عنه القانون، فالحرية ليست معطى مطلق بل خاضعة للعقل.

وتناول اليوم الأول للورشة، مفهوم الإعلام الاستقصائي للدكتور عربي المصري المدرّس في كلية الإعلام، حيث عرج فيها على تعريف الصحافة الاستقصائية بأنها نوع من أنواع التحقيقات الصحفية التي يقصد بها التحقق والاستقصاء والتأكد من المعلومات التي يتم جمعها قبل نشرها، والتي تتناول قضية أو قضايا لا يرغب الآخرون في الاطلاع عليها أو إظهارها إلى الواجهة الإعلامية أو المجتمعية وتهدف إلى حماية المجتمع وتحذيره من المخاطر التي تحيط به، مشيراً إلى أنه وبموجب نظريات التغيير الاقتصادية والاجتماعية فإن كل عملية تطور لا بد أن يرافقها حالات “فساد”، وعليه أصاب سورية نصيباً من هذا العرف أو القانون كما يسميه رجال الأعمال، وطفت إلى السطح قضايا فساد اقتصادي واجتماعي، تناولها الإعلام السوري بشقيه الرسمي والخاص وعرّى مسببيها، وهذا أسهم في تطور الاقتصاد والإعلام في آن معاً، حيث حصل صحفيون سوريون على جوائز عربية وعالمية أسوة بتحقيقات استقصائية هزت العالم.

وأشار المصري إلى العقبات التي تواجه الصحافة الاستقصائية وهي وجود نقص في المعلومات وصعوبة الحصول على الوثائق ومعارضة أصحاب شركات الإعلام نشر القصص المثيرة للجدل والخوف من العقوبة من قبل ذوي المصالح السياسية أو التجارية والتهديدات للسلامة الشخصية والوقت غير الكافي لإنهاء المهام الصحفية الاستقصائية وعدم وجود الميزانية الكافية للسفر أو للمصاريف والإرهاق، والخوف من الفشل، والدعاوى القضائية، ما يضعف التوجه نحو الصحافة الاستقصائية.

وفي المحور الثاني للورشة تم بحث آليات تفعيل الإعلام الاستقصائي في المؤسسات الإعلامية.

ورأت الدكتورة رغداء مارديني رئيس تحرير جريدة تشرين أن تحقيقات كثيرة خصت متابعات مكافحة الفساد وملفات الفساد نشرتها تشرين خلال سنوات سابقة وأحدثت منذ ثلاثة أعوام صفحة متخصصة بمكافحة الفساد اسمها ضد الفساد وهي التجربة الوحيدة من نوعها على صعيد الصحافة السورية حسب تعبيرها، تمّ خلالها نشر العديد من الأخبار تقارير تحقيقات وبحثت في مظاهر الفساد وأفضل السبل للوقاية منه.

أما المهندس رامز ترجمان المدير العام لهيئة الإذاعة والتلفزيون، فقد طرح الهيكلية المفترضة لوحدة التقصي الإعلامي وهي رئيس تحرير يمتلك مواصفات استثنائية، أهمها الحس الصحفي العالي والنفس الطويل والقدرة على التحليل والبحث بعمق والمصداقية في العمل، إضافة إلى استشاريين في القانون وعلم النفس ومجموعة من الفنيين وكادر إداري مهني محترف وبعدها يجب أن تتحرر المؤسسة من الإشكاليات المرافقة لهذا النوع وعدم تغليب المصلحة الشخصية على العامة عبر بدء وحدة التقصي بمؤسساتها والانتقال إلى المؤسسات الأخرى لكسر حاجز المصلحة الشخصية وتهيئة الرأي العام على هذا النوع الإعلامي عبر دعاية منهجية وإجراءات قضائية وسياسية وتأمين الدعم الإيجابي من الحكومة ومراكز القرار وإيجاد الطرق المناسبة لحماية الصحفي من كل أشكال الضغط والترهيب والاعتداء، ونصح ترجمان بإنشاء تجمع أو جمعية يحمل اسم الصحفيين الاستقصائيين يتبنى التصدي لكل الإشكاليات التي تعمل على إرباك العمل السياسي والوضع الأمني ودراسة التجارب الأخرى في الوطن العربي والعالم للاستفادة منها.

ولفت علي قاسم رئيس تحرير صحيفة الثورة إلى أن الصحافة الاستقصائية تشمل كشف أمور خفية للجمهور، إما أخفاها عمداً شخص ذو منصب في السلطة أو اختفت صدفة خلف ركام فوضوي من الحقائق والظروف التي أصبح من الصعب فهمها، وتتطلب استخدام مصادر معلومات ووثائق سرية وعلنية، وهي الصحافة القائمة على المعلومات والحقائق باتباع أسلوب منهجي وموضوعي بهدف كشف المستور وإحداث تغيير للمنفعة العامة، مبيناً أن الصحافة الاستقصائية لا تنحصر في محور أو محاور الأداء الحكومي فقط، بل تمتد إلى ما يهم الجمهور من قضايا صحية وبيئية وتعليمية، وقضايا حماية المستهلك، وتجار المخدرات ومهربي الأدوية الفاسدة، وقضايا الجرائم الغامضة، وجرائم غسيل الأموال وغسيل السمعة لرجال الأعمال المنحرفين لأن التحقيقات الاستقصائية هي أعلى مراتب المهنية الإعلامية وفي نفس الوقت هي أصعبها.

وتليت ورقة عمل بالإنابة عن رئيس التحرير في صحيفة البعث محمد كنايسي أشار فيها إلى خطة صحيفة البعث في تفعيل البعد الاستقصائي في عملها من خلال تعميق وظيفتها الرقابية والتركيز على رصد السلبيات والكشف عن مواطن الفساد والخطأ والتقصير في مختلف مجالات الأداء الحكومي والحزبي والأهلي واعتماد الاستقصاء توجهاً عاماً للسياسة التحريرية للصحيفة وتعميق المادة الصحفية بمختلف أنواعها بعناصر البحث والتحليل والاستشراف وإنشاء شعبة تحقيقات استقصائية ورفدها بالكادر المؤهل من خلال دورات متخصصة بإشراف متخصصين وتوفير مستلزمات عملها المادية واللوجستية والتقنية، إضافة إلى رصد جائزة تشجيعية لأفضل تحقيق استقصائي ينشر في الصحيفة.

بدوره أشار أحمد ضوا مدير وكالة سانا إلى أن عمل الوكالة العربية السورية للأنباء سانا شهد تغيّراً في كيفية التعاطي مع الأخبار والمواد الصحفية خلال فترة الأزمة الحالية، خاصة من حيث تعدد المصادر المعتمدة وطرح مواضيع تتعلق بحياة المواطن اليومية ومعيشته مع المحافظة على الطابع الرسمي والآنية فيما يخص الأخبار العاجلة التي تستدعي التعامل مع مصادر موثوقة وبسرعة، وهذا التغير كان نتيجة التعاطي مع المرحلة الحالية التي ألقت على كاهل المؤسسات الإعلامية دوراً مختلفاً وكبيراً يتطلب في جوانب كثيرة منها التقصي الدقيق عن المعلومات ومدى صدقها، خاصة في ظل الضخ الإعلامي الكبير الذي تقوم به القنوات الإعلامية المغرضة، سواء العربية أو الأجنبية في محاولة منها لخلق واقع وهمي وإقناع الآخرين به.

بدورها رئيسة فرع دمشق لاتحاد الصحفيين يسرى المصري أشارت إلى دور الفرع في حماية الصحفيين وحل مشاكلهم في هذه المرحلة، مبينة أن الفساد استطاع أن يطور نفسه ويحتال على الأزمة والقوانين، وأكدت على ضرورة إعادة الدور الرقابي إلى السلطة الرابعة ومتابعة الإجراءات لتفعيل البعد الاستقصائي لكشف الفساد والسعي للحصول على المعلومة بالتعاون بين المؤسسات الإعلامية والسلطات المختلفة في أدوار متكاملة.

وفي مداخلته أكد ناظم عيد مدير تحرير صحيفة البعث على أن تطوير التحقيق الاستقصائي يتطلب تكامل الجهود من قبل كافة الجهات ذات الصلة ولا سيما السلطة التنفيذية، مبيناً أن المشكلة لا تكمن بالكوادر الإعلامية لأن المؤسسات أبدت استعداداتها ولديها الخطط والكوادر القادرة على الاضطلاع بمهامها وفق متطلبات إعلامية وطنية، مذكراً بضرورة إيجاد صيغ شفافة لإنجاح الجهود الرامية إلى توطين هذا النمط الإعلامي الذي بات ضرورياً ليس لأجل مكافحة الفساد وحسب بل لمعالجة الكثير من القضايا والظواهر والطقوس الاجتماعية التي تبدو كارثية في نتائجها ومؤداها غير المباشر وهي أكثر خطورة من نتائج الفساد بحد ذاته.

ولفت عيد إلى التحقيقات النوعية التي انفردت بها صحيفة البعث وامتازت بالجرأة في الطرح وملامسة قضايا مجتمعية بالغة الحساسية لطالما نأت عنا وسائل الإعلام المحلية.

وكان مازن نفاع مدير الإعلام التنموي في وزارة الإعلام قد أشار إلى إرادة الوصول إلى الحقيقة التي تهم كل الناس وإحداث التغيير الإيجابي اعتماداً على الحقيقة الموثقة وإشراك الناس في هذا التغيير ليحسنوا أوضاعهم والأمر الهام هو جوهر الإعلام الاستقصائي الذي يعتمد على المعلومة وجوهر مصداقيتها بعد فحص جوانبها وكشف سلبياتها وإيجابياتها ومتى نوصلها إلى الناس، مشيراً إلى أن الغاية من الورشة وضع حجر الأساس لنوع مهني من أرقى وأصعب الأنواع الصحفية والإعلامية والعمل على أساليب وكيفية تفعيل هذا التخصص في المؤسسات الإعلامية، وما هذه الورشة إلّا بداية لمشوار طويل سيتبعه ندوات ودورات تدريبية علمية للإعلاميين جميعاً في كافة الاختصاصات وحضر ورشة العمل الرفيق الدكتور خلف المفتاح رئيس مكتب الإعداد والثقافة والإعلام القطري ومدراء المؤسسات الإعلامية وأساتذة جامعيون وإعلاميون من مختلف الوسائل الإعلامية.

اخبار الاتحاد