إذا ما كانت بعض الدول ما زالت تتعامل بالمؤشرات المهنية رغم كل ما يحدث من أزمات فإن مؤشر الاكتئاب بالنسبة لقطاع الإعلام يرتفع إلى أعلى درجة بشكل عام، من حيث أوضاع العاملين فيه وضعف دخولهم في ظل عدم توفر الكثير من أدوات العمل، ويأتي بالدرجة الأولى قطاع الصحافة الإلكترونية، تلك التي كانت ورقية وأصبحت إلكترونية، ولا يخطر بذهن البعض أن السبب هو ذلك الشعور الرومانسي بالحنين إلى الصحافة الورقية لأن الظروف المعيشية القاسية تجاوزت هذه الرفاهية.. ولكنه الاكتئاب والشعور بالقلق والتوتر من أوضاع الصحفيين والعاملين في المؤسسات الصحفية الإلكترونية، ولهذه المشاعر الجياشة بالضغط وعدم المساوة مقارنة مع قطاعات أخرى الكثير من الأسباب في مقدمتها أن قطاع الصحافة الإلكترونية لأسباب غير مدروسة تم اعتباره قطاعاً اقتصادياً، والسؤال هل توجد صحافة ورقية إلكترونية في العالم رابحة ولديها فائض لتكون “اقتصادية”؟!
أي إن مكافآت الصحفيين واستكتابهم يفترض أنها من ريع الأرباح..! لكن الأزمات الكثيرة جعلت هذه المؤسسات غير قادرة على منح الصحفيين أي مكاسب مالية مقابل تعامل مزدوج ومغاير لمؤسسات أخرى تتبع للجهة نفسها، حيث إن المؤسسات الإعلامية الأخرى كوكالة الأنباء مثلاً أو الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون تحصل على زيادات دورية وسنوية لكونها قطاعاً تم اعتباره خدمياً، رغم أن التغطية الإعلامية الصحفية الإلكترونية هي نفسها في الوكالات والتلفزيون والإذاعة من حيث استخدام وسائط «الميديا»، وأيضاً باتت تعتمد على قنوات البث المباشر و«يوتيوب» والفيديوهات والمونتاج والبث المباشر عبر منصاتها وغير ذلك.
لكن الفرق شاسع بين تسعيرة المواد في الصحافة الإلكترونية والوكالات والتلفزيون رغم أن مكافآت العاملين فيها أيضاً أقل مما يستحقونه ونحن لا نغبطهم وإنما هذا على سبيل المقارنة لتوضيح مدى سوء أوضاع العاملين في الصحافة، فمقابل تحقيق صحفي تفاعلي يحصل العاملون في الصحافة المكتوبة على سقف لا يتجاوز ثمانية آلاف ليرة وهو لا يغطي تكاليف المواصلات والاتصالات والاضطرار لدعوة أحدهم على فنجان شاي لتحليل المعلومات.. مقابل العمل نفسه في الوكالة أو التلفزيون يحصل الزميل على الأقل على مبلغ لا يقل عن أربعين ألف ليرة.. والزوايا التحليلية الفكرية سقفها يقل عن أربعة آلاف ليرة سورية والمقالات والمتابعات حوالي ألفي ليرة سورية.. وفي نهاية الشهر تجد استكتاب البعض من التغطيات الإعلامية وبمتابعات تستهلك الراتب يتجاوز سبعين ألف ليرة، لكن الطامة الكبرى أن سقف المحرر في الصحافة المكتوبة لا يتجاوز 28 ألف ليرة ويتم حذف المبالغ الإضافية, ولعل هيئة التحرير من أمين تحرير إلى مدير تحرير لا يتجاوز الحد الأعلى لاستكتابهم أربعين ألف ليرة سورية، ولا يقف الأمر عند هذا الحد، حيث تخضع هذه المبالغ المتواضعة لخصم 20% نصفها ضريبة ونصفها لمصلحة النقابات.
وبعد.. مَن ينصف العاملون في الصحافة الإلكترونية الذين يطالبون منذ سنوات وبالتحديد منذ التحول لصحافة إلكترونية بالحصول على أدنى المقومات ولا نقول حاسوباً محمولاً أو هاتفاً خليوياً رغم أنهما الأساس في العمل، وعلى كل محرر أن يدبر نفسه! بل المطالبة بشريحة «نت» لإرسال المواد والصور لمصلحة النشر.
والإدارات الموجودة لم تقصر بتقديم المقترحات ورفع الدراسات لتحسين هذا الواقع وتم وضعها بالأدراج ومطالبة المالية بتعديلات أو إعادة الدراسات وما شابه ليستمر الوضع المتردي للعاملين في الصحافة الإلكترونية غير المقبول لا مهنياً ولا وظيفياً، حيث إن حظوظ أي عامل في أي شركة قطاع عام من المكافآت والتعويضات تتجاوز أجر واستكتاب الصحفيين.
ولعل المضحك المبكي أن الصحفيين يطالبون وينشرون المواد والتحقيقات والزوايا والتحليلات لدعم شرائح العاملين في القطاعات الأخرى: أطباء ومعلمين وقضاة وصيادلة ومهندسين.. للحصول على استحقاقاتهم وتحسين أحوالهم بينما هم يعانون ما يعانون من أوضاع صعبة قاسية ضاغطة، وهم بحق أضعف القطاعات وأكثرها صعوبة، فالعمل مستمر لأربع وعشرين ساعة ولا توجد عطل نتيجة خصوصية العمل الإعلامي المستمرة ورغم ذلك تجدهم الأقل دخلاً على الإطلاق فمنْ ينصف الصحفيين؟!.