الحديث عن الإعلام هو حديث الساعة وهو بلا شك حديث ذو شجون نتيجة تراكمات ، وهو حديث يبدأ من دور الإعلام السوري في عملية التأثير على الرأي العام والدور الذي قام ويقوم به في مواجهة الحرب العدوانية على سورية وتباين الآراء حول ذلك وعلاقة الإعلام والإعلاميين مع الحكومة والمؤسسات الحكومية والإشكالات التي نتجت عن تطبيق قانون الجريمة الإلكترونية وخاصة لجهة ما ينشره الصحفي في وسيلة إعلامية رسمية أو مرخصة ، إضافة إلى الظروف المعيشية للصحفي وعدم قدرته على الاستمرار بالحياة عندما يعتمد في ذلك على مردود عمله من ممارسته لمهنة الصحافة فقط .
اليوم ربما لا نأتي بجديد في الكلام الذي سنقوله ، لكن الجديد أننا ننطلق من الكلام الذي قاله السيد وزير الإعلام الدكتور بطرس الحلاق في المؤتمر العام لاتحاد الصحفيين الذي عقد مؤخراً وهنا سأنقل حرفياً بعض ما قاله وأحاول البناء عليه.
الحق مع السيد وزير الإعلام عندما افتقد من يسأله في المؤتمر : ماذا فعلت وزارة الإعلام .؟
والحق معه أن تكون هناك شراكة بين اتحاد الصحفيين ووزارة الإعلام وأن الهاجس الأكبر لدى وزارة الإعلام هو النزف الكبير بالكفاءات .. وأن الإشكالية الموجودة أننا نتعامل مع الإعلاميين وهم موظفون والموظف لديه حد في الأداء بينما الإعلامي يبدأ وينتهي بالإبداع . ولذلك ( إعلامي وموظف لا يجوز) وأن الحاجة باتت ملحة لقانون خاص بالإعلام غير قانون العاملين الأساسي لأن سياسة (الترقيع ) لا تنفع فالقلم لا يأتي بالمال … أي مهنة لها علاقة بالتفكير والإبداع لا تأتي بالمال بينما أي مهنة أخرى يكون واردها أفضل ، أما بالنسبة للخطاب الإعلامي الجديد والمنشود فهو الذي يتبنى ما بعد الحرب التنمية والإنتاج . وأن الاساس هو بالإعلام المحلي فنحن من سنوات أضعنا البوصلة صار خطابنا على المستوى الدولي . ولا بد من تقوية الخطاب الإعلامي محلياً وتقوية أدواته لأنه سفينة النجاة .
ما تقدم بعض ما قاله السيد وزير الإعلام في المؤتمر العام للصحفيين .
لكن عموماً لا أحد يدعي أنه يمتلك الحقيقة فالحقيقة ترى من جوانب متعددة وعلينا عبر الحوار أن نغني الحقيقة بكل جوانبها ومن هنا فإن الأولوية الأولى التي يجب أن ننظر إليها برؤية مشتركة من قبل المواطن والمسؤول والإعلام هي دور الإعلام في قيادة عملية التأثير في الرأي العام . فهل مثل هذه الرؤية موجودة .؟ أم أن لكل جهة أولويتها فالمواطن يريد أن يصل صوته عبر الإعلام والمسؤول يريد من الإعلام أن يغطي نشاطه ــــــــ وإن كنا نواجه أحياناً من يريد أكثر من ذلك ــــ والإعلام يريد أن يمارس دوره بحيث يكون شريكاً في التنمية وبناء الوعي والرقابة ومحاربة الفساد .
السؤال الآخر : هل العلاقة القائمة بين الإعلام والحكومة هي علاقة شراكة من هذا النوع قبل أن نتحدث عن شراكة بين اتحاد الصحفيين ووزارة الإعلام على أهمية وضرورة هذه الشراكة طبعاً .؟ ماذا تريد الحكومة من وسائل الإعلام وماذا يريد الإعلام من الحكومة .؟
أعتقد هنا أن فهم الموقف هو أهم سلاح لدعم الإعلام والحكومة معاً . ومن أجل ذلك لا بد من استثمار الإعلام.
الأمر الآخر يتعلق بتغطية النشاط الرسمي من قبل الإعلام والسؤال هنا : هل ما نشهده سواء في الإعلام المقروء أو المسموع أو المرئي هو الشكل الذي يحقق الشراكة في تحقيق التنمية والرقابة والبناء والتواصل مع المواطن أم آن الأوان لكسر هذه النمطية الذي يظهر فيها المسؤول أو النشاط الرسمي . وهذا لا يعني أن الإعلام لا يتحمل أيضاً مسؤولية الخلل الموجود في آلية وشكل ومضمون التغطية الإعلامية للنشاط الحكومي فالإعلام المحترف المهني لا يحتاج إلى من يرسم له سياسته الإعلامية وآلية تنفيذها وإن كنا ندرك جميعاً أن الأمر يتصل بتدني مستوى المهنة واختراقها وفوضى ممارستها ومرتبط أيضا بتدني العائد المادي الذي يجنيه الصحفي من عمله في الصحافة إضافة إلى مواجهة المعلومة وعدم توفرها . ولعل المفيد اليوم أن ننظر إلى الأمور على امتداد مساحة النظر ونعرف ما لنا وما علينا وأن تكون إحدى أهم أولوياتنا في العمل الإعلامي تعزيز ثقة المواطن بالدولة لأن من ضمن ما تم التخطيط له في التآمر على سورية زعزعة هذه الثقة . وكي نتقدم خطوات في هذا الاتجاه لا بد من تجاوز بعض الأمور التي تعيق العمل الإعلامي وفي مقدمتها وجود أزمة ثقة بين غالبية المسؤولين والإعلام ولذلك فإن مسألة إصلاح الإعلام السوري باتت مسألة ملحة ولا تحتمل الانتظار وربما تأخرنا في ذلك و قد بُحّت بعض الأصوات على مدى سنوات وهي تطالب بذلك بدءاً من وضع قانون عصري للإعلام السوري يضع الأمور في نصابها الصحيح بحيث يغدو الصحفي مسؤولاً أمام القضاء ولا شيء سواه مروراً بالتخلص من ظاهرة إسناد المهام في الحقل الإعلامي لبعض ممن خرجوا كما دخلوا صفر اليدين لا بل قاموا بترحيل المشاكل التي كانت تعترضهم .
إن الحقل الإعلامي السوري يمتلك الكثير من المواهب المعطلة ، مواهب لديها الكثير لكي تقدمه في مجال الإصلاح الذي يجب أن يطول بنية وجوهر هذا الإعلام الذي عانى فترة ترهل طويلة وتراجع مهني وإداري جعل القاعدة استثناءً والاستثناء قاعدة.
لم نفعل طوال سنوات إلا إعادة انتشار للمديرين ورؤساء التحرير ومديري القنوات كل بضعة أشهر أو كلما استلم وزير إعلام جديد . آن الأوان لكي يرتاح البعض وخاصة تلك الوجوه التي ما زالت تعمل بمنطق الإخضاع وليس الإقناع وكأن العالم لم يتغير من حولهم. وآن الأوان لإفساح المجال أمام المواهب الشابة صاحبة الكفاءة العالية القادرة على مواكبة الإعلام لمتغيرات العصر والتحديات المستمرة . إعلام لا يزرع الطاعة بدل النقد ولا النفاق بدلاً من الصدق ، إعلام لا يخاف فيه الصحفي إلا من الخوف فقط عندما تكون الكلمة التي يكتبها مسؤولة وبناءة . إعلام تزول فيه مشاكل التقاضي وتجنيب الصحفيين حضور جلسات محاكمة دون توفر الأسباب الموجبة ولمجرد قيام البعض برفع الدعاوى عليهم ، مع مراعاة أن وجود القانون لا يعني الحد من الحرية وبذات الوقت تطبيق الحرية لا يعني غياب القانون وإنما العملية هي معادلة متكاملة فوجود القانون يضمن ممارسة حرية بعيدة كل البعد عن الفوضى والفلتان في النشر وبالتالي الوصول إلى إعلام حقيقي على قدر عال من المصداقية يلبي تطلعات الفرد والمجتمع بآن معاً على قاعدة ( بقدر ما أعطيت من حرية بقدر ما يُحتّم عليّ ضوابط بالمسؤولية ) . وإعلام يضمن الحصانة والحماية للصحفي عندما يكتب لمحاربة الفساد وتحرير الصحفي من فزاعة أن الظروف لا تسمح بالحديث عن السلبيات والأخطاء وأن جهات معادية أو معارضة تستغل ذلك . والغريب هنا أن من يقول ذلك ينسى التوجيهات العليا للإعلام بأن يمارس دوره بفاعلية في محاربة الفساد وللتذكير نأخذ هنا ما قاله السيد الرئيس بشار الأسد أمام الحكومة بتاريخ 2/9/2020 ( من الضروري أن نتحدث عن الفساد ونحن في حالة الحرب نعم لأن الحرب على سورية هي مرض لا يمكن محاربته إلا بالجسد السليم . لا يمكن تأجيل الأولويات ومنها مكافحة الفساد كي يكون الجسد سليماً ) .
وبالعودة إلى حديث السيد وزير الإعلام أمام المؤتمر العام للصحفيين فإن خلاصة القول تكمن في الناتج المنتظر والمأمول من الكلام الجميل الذي قاله لكن لا بد من توافر شراكة أولاً في فهم القضايا العالقة والتفاهم حولها وتجاوز المنغصات الموجودة عبر آلية عمل واضحة لتحقيق هذه الشراكة . واعتقد أنه لم يعد للسر ضرورة عندما نقول أن الشراكة المنشودة لا تزال ضمن دائرة الأفكار النظرية فقط ولأن هذه الأفكار هامة وحريصة وضرورية آن الأوان أن نعمل جميعاً على تحقيقها بالعمل وبالتبني وليس بالتمني .