الوجه الآخر لترشيح الصحفيين للإدارة المحلية.| يونس خلف

أمام العدد اللافت من الزملاء الإعلاميين المرشحين للإدارة المحلية في دمشق والمحافظات ولاسيما من بينهم أسماء لها حضور في ميدان الإعلام يبدو السؤال مشروعاً عن الأسباب التي تدفع صحفياً لخوض معترك انتخابات في حقول أخرى غير الحقل الإعلامي تاركين وراءهم مهنة كانت لهم منبراً للدفاع عن قضايا الناس ومنحتهم دور الرقيب على السلطة، فهل يعني ذلك اعترافاً من أبناء المهنة بأنها فقدت فاعليتها على الرغم من تعاظم قدراتها بفعل التكنولوجيا الجديدة أم إنها عدم ثقة بجدوى العمل الصحفي.

قد يرى البعض أن تنقل الصحفيين بخبراتهم المتراكمة بين العمل الصحفي وقطاعات أخرى يدعم العمل الإعلامي وهذه القطاعات معاً، فيما يرى آخرون أن المزج بين الأمرين خطير أحياناً وربما يهدد موضوعية ومصداقية وحيادية الصحفي خاصة عندما يتولى أو يسعى لتولي موقع ما في مؤسسة حكومية لكن يبقى السؤال: هل الهجرة من العمل الإعلامي إلى أعمال أخرى ظاهرة عادية أم إنها تستوجب التأمل والتفكير والتحليل وربط ذلك بواقع العمل الصحفي والحياة الإعلامية اليومية وقبل ذلك بواقع حال الصحفيين الذين يعجزون اليوم حتى عن الاستمرار بالحياة نتيجة ظروفهم المعيشية وعدم الاهتمام بهم والتفكير بالحفاظ عليهم والاستفادة من خبراتهم؟

«الوطن» طرحت هذه الظاهرة للنقاش مع إعلاميين رشحوا للإدارة المحلية وأيضاً آراء بعض الزملاء من غير المرشحين.

الأستاذ في كلية الإعلام بجامعة دمشق الدكتور محمد العمر قال: الصحفي مثل أي إنسان في المجتمع فربما يعود أحد أسباب التوجه لانتخابات الإدارة المحلية أنه لم يحقق ما كان يريده وأنه لا يؤدي مهمته الصحفية كما يريد لأسباب ذاتية وأخرى موضوعية لأن كثيراً من الصحفيين يعانون اليوم من غياب التعاون وتحديداً من جهات القطاع العام ولذلك يرى الصحفي أنه ربما يحقق رسالته في المجالس المحلية خاصة أن العمل في المجالس على تماس مباشر مع الناس إضافة إلى أن العديد من الصحفيين يبحثون اليوم عن العمل رغم أنهم لا تنقصهم الخبرة لكن عدد الصحفيين أصبح كبيراً والعدد يتزايد مع خريجي الإعلام وثمة شعور بأن الصحفي لا يمارس عمله كما هو مطلوب لأن مناخ العمل يتطلب هامشاً أكبر في العمل والمراقبة والتوجيه إضافة إلى الظروف المعيشية للصحفي كما الحال بالنسبة لأي مواطن، وأعتقد أن العامل الاقتصادي مهم في هذا الجانب لكن بالتأكيد لا يجد الصحفي المناخ الإعلامي والإداري الذي يتيح له ممارسة دور الرقيب بالفاعلية التي يطمح إليها.

لم يعد منتجاً

الزميلة ربا الحجلي التي رشحت لمجلس مدينة جرمانا تقول إن الموضوع يتعلق بسببين: الأول مناخ العمل الإعلامي الموجود الذي يمنع الصحفي من ممارسة دوره كرقيب وممثل لسلطة رابعة مُهابة ويحول دون تمكينه من أن يضيء بشكل واضح على التجاوزات الكبيرة التي يضعها هذا المناخ فيتجه ربما لدخول المعترك المباشر عله يصلح ما لم يستطع إصلاحه عن طريق الإعلام، أما السبب الثاني فهو أن الإعلامي اكتشف بعد فترة من عمله في القضايا الخدمية أنه ربما هناك إمكانية لتحقيق نتائج أفضل بكثير فيما لو تحققت شروط أكثر نضجاً ونزاهة في إدارات القطاعات الخدمية وبالتالي يعتقد أنه ربما يحقق فرقاً فيما لو خاض تجربة الإدارة في هذه القطاعات وعادة ما يتخلى الإعلامي عن هذا المنبر حين يشعر بأن دوره كإعلامي ضمن النظام الإداري القائم لم يعد منتجاً ولاسيما إذا تماهت السياسة الإعلامية مع السياسة الحكومية سواء في ممارسة دور مواز ومؤيد لسياسات هذه الحكومة من دون الدور الرقابي المفترض أو في دخولها ضمن أنماط إدارية تتقاسم الفساد والبيروقراطية اللذين يحولان دون أن تكون مؤسسة إعلامية رقابية.

وترى الزميلة الحجلي أن من بين الأسباب حتماً عدم ثقة بجدوى العمل الصحفي ضمن بيئة العمل وليس اعترافاً أن المهنة فقدت فاعليتها ولا يمكن لأي ظرف إداري طارئ أن يؤثر على حضور مفهوم الإعلام كسلطة رقابية مؤثرة ومنتجة ودائماً هناك حاجة لرسم الأفكار وتنظيمها كما أن الظروف المعيشية للإعلامي قد تدفعه للبحث عن صيغ عمل أخرى لكن لو افترضنا أن هذا الإعلامي يملك من النزاهة ما يكفي فهو سيفكر ربما بالعمل في قطاعات أخرى لكن ليس الدخول في معترك الإدارات الأخرى التي تأتي مكاسبها من كم كبير من الفساد والبيروقراطية، هذا من جهة أما من جهة أخرى فأنا أتفق مع ما جاء في السؤال بأن الإعلامي المخلص يفقد الحماس حين تضيق هوامش العمل الإعلامي الصحيح وحين تحاصره المنظومات الإعلامية المتنفذة.

محاربة الكفاءات

الزميل ميشيل خياط قال في سياق التعبير عن رؤيته لهذا الموضوع الصحفي إنساناً ومواطناً، وهو يعنى بشؤون الحياة، ويظن أن لديه ما يصوب المسار، ولعل هذا دافعه العفوي للتعبير العملي عن أفكار لطالما نادى بها واقترحها أصحاب القرار، وساءه أن أحداً لم يتبنها. يريد أن يصبح صاحب قرار، معتقداً أنه سيكون أقدر على الإنجاز ويستطيع الصحفي إذا رغب أن يجمع بين منبرين في التجارب العملية إذ رأينا وزيراً صحفياً ظل يكتب وعضواً من أعضاء مجلس الشعب كان صحفياً وظل يكتب. يتوقف الأمر على الهمة والنشاط والحافز الوطني، وأعتقد أن المنصب الآخر إغناء عملي ومعرفي للصحفي إذا رغب في الجمع بين العملين، أما إذا غاب الصحفي عن أداء عمله الإعلامي، وأعطى كل وقته للعمل الجديد، فيمكن أن نعد ما حدث تخلياً عن المنبر الأهم الرقابي والمصوب لمسار الحياة وهذا خطأ كبير لاسيما إذا كان الصحفي المعني ماهراً وفهيماً وواعياً ومتنوراً وواسع الاطلاع وهنا يجب الانتباه إلى عدة أمور مهمة في الأداء الإعلامي السوري فثمة غياب لرجع الصدى، إذ ليس لدينا مؤسسة تقيس الانتشار والفاعلية.

وما من شك أن مهنة الصحافة من أصعب المهن وأعقدها، وهي لا تكتسب بالتجربة وحدها بل تحتاج إلى دراسة علمية. وتتداخل عوامل كثيرة في الضغط على الصحفي الناجح، ومن الأمثلة الوثيقة الصلة أن أحداً ممن سيذهبون إلى الإدارة المحلية من الصحفيين، هو زميل مجتهد وماهر وناجح، وكان رئيساً لقسم مهم جداً في جريدته فجأة أقصي عن رئاسة القسم بعدما بذل جهوداً هائلة للنجاح. ومثل هذا المثال شائع جداً يقدم مثالاً عن استسهال إقصاء الصحفي ورمي منتجه في سلال المهملات. وثمة عقلية تسلطية غير ديمقراطية، عقلية المدير العام أو مدير التحرير أو أمين التحرير ولكل واحد منهم مزاجه ومصالحه ما يجعل الأداء صعباً وعلى الرغم من الظرف المالي القاهر فإن المؤسسات الصحفية وبضغط هائل من فاقدي الخبرة والكفاءة ممن عينوا «تنفيعة» وبصفة بطالة مقنعة، يحاربون الكفاءات الممتازة ويسعون للتخلص منها بأعذار مختلفة لعل أوضحها وأهمها بلوغ الستين وحتمية الإحالة إلى التقاعد وملاحقة من يستمر في العمل من خارج الملاك كأنه مجرم حرب غير عابئين بتميز المهنة الإبداعية وعدم القدرة على اكتسابها بيسر وسهولة. أخيراً أرى أن بعض الصحفيين المتوقع وصولهم إلى مواقع مهمة في الإدارة المحلية سوف يشكلون علامة فارقة في تاريخ الإدارة المحلية، التي تحتاج فعلاً إلى ذوي الهمم والعقول المفكرة والمحاورة.

غاب صدى المهنة وبقيت المتاعب

الزميلة سمية بلطة إذاعة دمشق ترى أن ذهاب الصحفي إلى قطاعات عمل أخرى ربما لأنه وصل إلى طريق مسدود بسبب تراكم هموم الصحفي وانعدام الأمل بإيجاد حلول لمشكلاته ولم يبق لديه سوى بارقة أمل بتغيير مسار حياته المهنية بما يتماشى مع متطلبات الحياة وهو الانتخابات وربما لأنه وصل إلى قناعة بأنه إذا كان هو غير قادر على تحصيل حقوقه فكيف بالنسبة لحقوق المواطنين أو على الأقل الدفاع عنها لأنه بأمس الحاجة لوجود من يدافع عنه ويوصل صوته للجهات المعنية بحل مشكلاته ويطالب بأبسط حقوقه أو على الأقل أن ينال حقوقه أسوة بالعاملين في باقي النقابات، أيضاً ربما التكنولوجيا من أحد الأسباب التي أفقدت الصحافة رونقها وبريقها لكن بكل تأكيد الصحافة مهنة المتاعب والإبداع وبضياع حقوق الصحفي يصمت الإبداع وتبقى المتاعب.

الزميل محجوب رقشة من جريدة الثورة: الدافع للترشح هو الرغبة في النهوض بواقع الوحدات الإدارية خدمياً وتنموياً، باعتبار أن الإعلامي أكثر قرباً والتصاقاً بهموم وقضايا المواطنين اليومية، وتحقيق المتطلبات وفق الإمكانيات المتاحة، والأهم من كل هذه الأسباب أن أي زميل إعلامي اختار خوض هذه التجربة والمرحلة لخدمة الصالح العام، ولا نستطيع أن نسمي هذه العملية ترك المنبر الإعلامي للدفاع عن قضايا الناس، وممارسة دور الرقيب على السلطة، بل لنتفق على تسميتها بالمشاركة الهادفة بقطاع العمل المحلي في البلديات والمدن، بدليل أن أي إعلامي يشارك في هذا المعترك يدرك دوره والتزامه في المسؤولية والأمانة الملقاة على عاتقه تجاه ناخبيه والمجتمع والوطن معاً، وبرأيي مهنة الصحافة والإعلام لم تفقد بريقها وفاعليتها، كل ما في الأمر أن الزميل المرشح اختار هذا الطريق بناء على رغبته الشخصية من دون أن يؤثر ذلك على نتاجه الإعلامي وعمله الصحفي الذي يثق بجدواه ولا نختلف في الرأي أن واقع العمل الصحفي نتيجة وباء كورونا قد أصابه بعض الشللية منذ أكثر من عامين بعد أن توقفت الصحف الورقية وأثّر هذا الإجراء سلباً على ظروف الصحفيين المعيشية، وسط نكران واضح من إدارات المؤسسات الإعلامية لنتاج أي صحفي وجهوده على مدى سنوات طويلة، إلا من خلال تعويض صحفي لا يغني ولا يسمن من جوع، ما يعني أن عدم الاهتمام بالصحفيين والحفاظ عليهم والاستفادة من خبراتهم بدأت تتبلور شيئاً فشيئاً، مما يُجبر عدداً من الزملاء الإعلاميين على الانتقال إلى مكانٍ آخر بموجب التفرغ أو الندب إلى الوحدة الإدارية المنتخب لمصلحتها.

اخبار الاتحاد