عباس ضاهر:
عندما حصل الاشتباك المسلّح بين الجيش السوري ولجان الدفاع الوطني في الحسكة من جهة وبين “الاسايش” (الشرطة الكردية) من جهة ثانية، لم يكن السبب صراعًا على النفوذ للسيطرة على حواجز أو مقار عسكرية في تلك المدينة التي تقع في شمال سوريا.
بالأساس الدولة السورية هي من سلّحت الكرد في الحسكة لمحاربة “الجيش الحر”. يومها لم تقدّم دمشق السلاح الى العشائر العربية في الحسكة خشية من وصوله الى المجموعات المسلحة. كانت الحكومة السورية تستخدم ورقة الكرد بإتجاهين: ضد مناهضيها و الأتراك.
تبين فيما بعد أن الكرد يتمددون شمالاً وصولا الى سيطرتهم على منبج رغم ان سكانها عرب وليسوا كرداً. لم يقف طموح الكرد عند هذا الحد، استناداً الى ما كانوا أطلقوه عن حدود كيانهم المستقل حيث تصل سيطرتهم الميدانية. توسعوا بإتجاه الرقة شرقاً وهجّروا العرب من المناطق التي صارت ضمن نفوذهم شمالاً بعد ان كانوا تدرجوا في تهجير السريان منذ بدء الصراع السوري.
من حيث المبدأ، يتصرف الكرد على أساس قيام دولتهم المستقلة التي باتت تقض مضاجع الأتراك وتجبرهم على التنازل في الملف السوري خشية من نشوء دولة كردية على حدود تركيا.
من هنا يأتي الإشراف التركي على مجموعات مسلحة تحضّرت للوصول الى جرابلس لطرد “داعش” والتقدم لمنع الكرد من التمدد الى مساحات إضافية في الشمال السوري.
هناك سيناريوهات عدّة دارت حول أسباب انفلاش السباق الكردي مع الجيش السوري في الحسكة ابرزها:
واشنطن أشارت الى صالح مسلم بقتال “ميليشيا النظام” في الحسكة لإخراجها منها، على خلفية فتح منبج وتعزيز الورقة الكردية في سوريا، نكاية بتركيا من جهة وإشغالاً للنظام السوري من جهة أخرى عن جبهات أخرى يخوض فيها حروباً ضروس كما في ريف حلب مثلا.
سيناريو آخر: النظام السوري هو من “تحركش” بالكُرد لمواكبة التطورات الجارية على خط روسيا-تركيا، ولمعاقبة قوات “حماية الشعب الكردية” على تسلطها ضد جماعة النظام شمالاً، والاهم لاستمالة دمشق العشائر العربية التي باتت تشعر بخطورة التمدد الكردي شمالاً.
ربحت دمشق ورقة العشائر على المدى الطويل، وفرضت واقعاً يتيح لتركيا اردوغان التكويع أسرع ازاء الملف السوري، وأظهرت للكرد انها لا تتركهم يتفلتون وحدهم من دون حسيب ولا رقيب.
اولاً: لا مصلحة لا للسوريين ولا للكرد بالانشغال بجبهاتهم الدموية، بدل التركيز على القتال في الجبهات الاخرى ضد “داعش” و”النصرة” وغيرهم.
ثانيا: لا قدرة للجيش السوري على فتح معركة في الحسكة بغياب الامداد العسكري البري الذي يقتصر على طريق القامشلى الخاضع للأكراد.
ثالثاً: لا يمكن للكرد فتح معركة واسعة في الحسكة تثير العرب الذين يشكلون نسبة سبعين في المئة من المدينة.
رابعا”: سيكون حلفاء الفريقين أي الروس والايرانيون محرجين أمام هذا النوع من النزاع.
الروس يعتمدون على الكرد ويقيمون علاقات طيبة معهم. والإيرانيون ايضا يموّلون الكرد في مناطق ريف حلب، ويعتمدون عليهم في عفرين لمد الأهالي في بلدتي نبّل والزهراء بكل حاجياتهم.
من هنا جاء التحرك الإيراني سريعا لوقف الاشتباك بعد فشل المبعوث الروسي في عقد التسوية. ونجح الايرانيون في فرض المفاوضات بين الكرد والدفاع الوطني السوري، وتنازل “الاسايش” عن شروط وضعوها لتنفيذها لصالح الكرد في الحسكة.
لكن ما هو موقف الأميركيين فعلياً مما يجري؟ وهل تصل واشنطن الى حدّ إعلان منطقة الكرد منطقة حظر جوي، كما فعلت شمال خط 32 العراقي عام 1991؟
سؤال طرحه ولم يجد له جواباً بعد أهم الباحثين العرب المقيمين الان في الولايات المتحدة د. كمال خلف الطويل.
ما جرى يثبت عجز الكرد عن ضم الحسكة واستحالة حُكم العرب بواسطة حاكم وقانون وعادات ودويلة او اقليم كردي. لكن يبقي الملفات مفتوحة على طاولة التفاوض.
نتائج الصراع في ريف حلب ستترك تداعياتها على الواقع الكردي شمالا، وخصوصا ازاء التموضع التركي الجديد حول سوريا.