صحيح أن ظروف العمل الإداري اليوم ليست كما كانت قبل الأزمة، وثمة صعوبات وتحديات تجعل من القائمين عليه ربما لا يفكرون بأكثر وأبعد من التغلب على الصعاب واستمرار الحياة في المؤسسات والمنشآت، لكن حقيقة الأمر أن هناك ما هو ممكن ولا يزال غائباً بدليل أن كثير من المؤسسات العامة استطاعت أن تستمر وتتغلب على الظروف الصعبة، وتوجد البدائل التي تضمن استمرار الحياة فيها ودوام العاملين ودفع رواتبهم.. وبالمقابل كان و لازال عدد من المؤسسات النائمة التي لا حول ولا قوة للقائمين عليها، ورغم ذلك نتعامل اليوم مع الجميع بالتقييم نفسه وعلى مسافة واحدة، إن لم يكن قد استيقظ البعض ممن كانوا خارج التغطية لنجدهم في الصدارة سواء في قوائم الانتخابات أم غيرها من الاستحقاقات ومظاهر التكريم المختلفة، وأقرب بكثير من الذين يستحقون التكريم.
كان المأمول منذ بدايات العمل في المشروع الوطني للإصلاح الإداري، وكما تم الإعلان عن الهدف منه وآليات العمل فيه وضع خارطة للموارد البشرية الموجودة بشكل تفصيلي ودقيق وخارطة للشواغر، وربط الخارطتين مع بعضهما البعض من خلال التوصيف الوظيفي، وصولاً إلى سياسة توظيف واضحة وممنهجة ومعتمدة على الخارطتين لملء الشواغر المتوافرة بالكفاءات والمهارات المناسبة.
الأمر الآخر يتعلق بقياس رضا المواطن والموظف، وقياس الإجراءات بين المواطن والمؤسسات أو داخل المؤسسات أو فيما بينها.. هل ثمة ما يدلل على وجود أي نوع من التشاركية مع المواطن في هذا المجال؟ وهل التواصل مع المواطن للتأكد من رضاه أو عدم رضاه حقيقة أم مجرد شعار ؟
ولذلك يبدو السؤال مشروعاً: أين المنهجية التي نتحدث عنها في تقييم الأداء..؟ وأين أدوات القياس التي نتحدث عنها؟ أما آن الأوان أن نبدأ بالتوصيف الحقيقي العادل للكفاءات وفقاً لمعايير واضحة تتصل مباشرة بالأداء والنزاهة والخبرة بدلاً من المحسوبيات والعلاقات الشخصية؟
أما آن الأوان أن نأتي بالشخص الذي نحتاج إليه قبل أن نأتي بغيره الذي يحتاج إلى موقع أو منصب معين؟ لماذا وإلى متى تبقى الكفاءات والقدرات الوطنية الرائعة بحاجة إلى همزة وصل مع أصحاب القرار كي يتاح لها أن تضع خبراتها في خدمة الوطن وأن تمنح فرصة كغيرها في مواقع المسؤولية؟ إن أكبر وأخطر نقطة ضعف في منهجية العمل الإداري أن يتم التوصيف والتكليف والتعيين من خلال همزات الوصل، لأن الذين ليس لهم علاقة مع هذه الهمزات سيظلون دائماً خارج دائرة الاهتمام، وليس هناك من يقدمهم ويدفع بهم إلى أي موقع. ولذلك المشكلة في همزة الوصل التي يجب أن تتصل مع الجميع وتنظر إلى الجميع على امتداد العين وترى كل الحروف والكلمات، وليس الحروف التي تحبها وتشتهيها فقط.