التكيف مع الفشل !

التكيف مع الفشل !

إضاءات
الأثنين 29-8-2016
د.خلف علي المفتاح

منذ بداية العدوان الإرهابي على سورية لم يضع الجيش العربي السوري هدفاً له إلا واستطاع تحقيقه ولو بعد مضي مدة من الزمن فهو لا يسعى لتحقيق انتصارات سريعة على حساب فاتورة الدم والتدمير فهدفه وطني وإنساني في المقام الأول
على عكس استراتيجية العصابات الإرهابية ومشغليها التي لا يهمها سوى سفك الدماء والتدمير والاستثمار الإعلامي والدعاية السوداء ولندلل على ما سبقت الإشارة اليه تستحضر الذاكرة ما جرى في بابا عمرو والقصير وتدمر وآخرها حلب وداريا ما يعني أن ثمة منهجية عمل تحكم تعاطيه مع جغرافيا الصراع تعكسها تكتيكات عسكرية تمكنه من استعادة جميع المناطق التي سطت عليها العصابات الإرهابية المسلحة بدعم وإسناد من قوى خارجية معروفة يمارسها في الوقت الذي يراه مناسبا متبعا سياسة الزمن والثمن والصبر الاستراتيجي واستنزاف الخصم وهي الاستراتيجية التي ثبت نجاعتها في صراع لا نمطي يتحرك ضمن أفق مفتوح بحكم أن مغذياته ووقوده خارجي.‏

لقد اعتقد معسكر العدوان على الشعب السوري أن الدولة السورية بمؤسساتها الوطنية المختلفة وعلى رأسها وفي مقدمتها جيشنا العربي السوري ليس في مقدورها الاستمرار في حرب وصراع طويل ومفتوح بحكم الاستنزاف الحاصل جراء ذلك الصراع الذي يعتمد أساساً على القوى الخارجية وما تمتلكه من إمكانات مادية وعسكرية وإعلامية اقتصادية ومجاميع إرهابيين ومرتزقة يتدفقون من مكان يحملون ثقافة القتل والتعطش للدم بحكم نشأتهم الإخوانية والقاعدية تغذيها الوهابية بفكرها التكفيري متناغمة مع خطاب طائفي ومذهبي مقيت ومع كل التعبئة ضد الدولة السورية ونظامها السياسي التي تولتها مراكز دراسات وأبحاث وغرف استخبارات ومطابخ سياسية في الغرب وما حشد من أقلام مأجورة وأبواق حاقدة وتجييش غير مسبوق تولته آلات إعلامية جبارة تتحكم وتحتكر إلى حد بعيد السوق الإعلامية الدولية وبالرغم من كل ما تمت الإشارة اليه استطاعت سورية بجيشها وشعبها وقيادتها الشجاعة والصابرة والواثقة ممثلة بسيادة الرئيس بشار الأسد الذي امتلك روح التحدي وإرادة المواجهة وحفظ الأمانة أن تتلقى الصدمة وتحتوي الموقف وتتحول من حالة استيعاب ما جرى إلى وضعية رد الفعل الاستراتيجي المحسوب أخذا في الاعتبار طبيعة الصراع القائم واذرعه وأطرافه ومغذياته الخارجية وتشابك وتداخل مصالح الدول ودرجة تحملها لتبعاته وآثاره على مصالحها وامنها القومي.‏

إن الصمود السوري واتباع سياسة النفس الطويل وما نتج عن ذلك من فشل للإرهابين في تحقيق الأهداف التي أنيطت بهم وارتداد للإرهاب وتداعياته على دول وقوى رعته واحتضنته واستثمرت فيه هو الذي ولد أزمات لتلك القوى والدول منها انتقال الإرهاب اليهم إضافة لتدفق موجات من الهاربين من العنف باتجاه القارة الأوربية وما نتج عن ذلك من تفجر أزمات داخلية وصعود لقوى اليمين المتطرف على خلفية ذلك كل هذا وغيره جعل تلك القوى تعيد حساباتها حيث لم تعد قادرة على تحمل تبعات دعمها للعصابات الإرهابية وأدواتها المسماة معارضة معتدلة وغيرها من مسميات تتحفنا بها مطابخ الغرب الاستعماري الصهيوني.‏

إن ما شهدته الساحة السورية من تطورات في الآونة الأخيرة لجهة ما جرى في الحسكة أو شمال حلب وجرابلس تدل على أن قوى العدوان على الشعب السوري بدأت العمل على ما يمكن تسميته التكيف مع الفشل ما يعني بداية نهاية المشروع الإرهابي الذي خططت له قوى الغرب الاستعماري المتحالفة مع الكيان الصهيوني وبعض القوى العميلة التي تتربص شراً بالدولة السورية ووحدة أرضها وشعبها وتحمل أوهاماً وتسعى لتحقيق أجندات وخرائط ضيقة تدرك تلك القوى قبل غيرها استحالة تحققها لأن وحدة سورية أرضاً وشعباً هي في ضمير السوريين جميعاً وقدس أقداسهم.‏

ولعل تصادم هذه المشاريع أو لنقل الأوهام هو الذي يفسر ما حدث في الحسكة وجرابلس حيث التنسيق بين العصابات الإرهابية والأتراك من جهة وبين بعض القوى الكردية الخارجة عن إرادة الطيف الوطني والأميركي من جهة أخرى هو الذي دفع بالأمور إلى هذا المستوى من التصادم حيث استغل الأتراك ما جرى لتبرير عدوانهم على الأراضي السورية بذريعة الخوف من التمدد الكردي الذي يهدد بزعمهم أمنهم القومي في حين أن الكل يدرك حقيقة الأوهام الاردوغانية الإخوانية في إعادة إنتاج مفهوم السلطنة العثمانية الجديدة الأمر الذي جرى الاشتغال عليه منذ بداية الأحداث في سورية ومدخله تدمير الدولة السورية والسعي لتقسيمها ليكون ذلك خط البداية لإعادة هيكلة دول المنطقة وفقاً لمصالح ومشاريع القوى الخارجية واذرعها التقسيمية داخل المنطقة إعمالاً لما سمي نظرية الفوضى الخلاقة تحت عنوان جذاب مخادع اطلق عليه الربيع العربي ثبت أنه أريد له أن يكون ربيعاً للإسرائيلي والتركي والأميركي وغيرهم من أعداء الدولة الوطنية والفكرة القومية الجامعة.‏

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اخبار الاتحاد