- شهادات ووقائع من الزمن الذهبي للإعلام .
ليس أمراً سهلاً أن يعرف المرء من سيرثيه بعد وفاته و كيف سيكون الرثاء بعد رحيله عن الدنيا ، من جهتي لم يسبق أن وقفت عاجزاً إلى هذا الحد أمام الكتابة عن زميل أو صديق غيبه الموت كما هو حالي اليوم منذ سمعت خبر وفاة الإعلامي القدير ابراهيم ياخور وأشعر أنه لا توجد كلمات توفيه حقه ، لكنها استثنائية الكبار وبالتأكيد كان واحداً منهم وكان أحد أعمدة الصحافة السورية . قبل نهاية العام الذي مضى ٢٠٢٢ بأيام كانت آخر مرة أسمع صوته ، عندما اتصل ليقول اشتقنا للزملاء والاصدقاء لكن الظروف لا تسمح ولذلك أرسلت لك بطاقتي الصحفية لتجديدها ، وعاد ليذكرني بحلقة من برنامج ملفات ساخنة التي اشتغلها في الحسكة . واليوم وبقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره تلقيت كغيري من زملاء المهنة ، نبأ وفاة الزميل الصحفي المبدع الاستاذ ابراهيم ياخور بعد حياة حافلة بالعمل والعطاء في بلاط صاحبة الجلالة وفي التلفزيون العربي السوري .وأمام الحيرة والعجز عن صورة الرثاء التي تليق بالراحل الكبير كان لا بد من الهروب إلى الإعلاميين الذين اشتغلوا في الزمن الذهبي للإعلام وكان ابراهيم ياخور واحداً منهم . فطلبت منهم مؤازرتي في الرثاء من خلال شهادات ووقائع من السيرة الحافلة بالعطاء والإبداع للراحل ابراهيم ياخور .
والبداية كانت مع الإعلامي القدير والمخضرم مهنياً وتولى مهام ومسؤوليات متعددة منها رئيس تحرير ومدير عام لمؤسسة الوحدة والمدير العام للإذاعة والتلفزيون الدكتور فايز الصائغ فماذا قال :
د. فايز الصائغ :
يسعدني إذا ما قلت انني تعرفت على الاعلام الاستقصائي من أستاذه ابراهيم ياخور في فترة التقينا فيها بين أروقة ومطابع صحيفة تشرين في ذروة ألقها وتألقها بعيد تأسيسها .. مما تعلمت ان تصغي وتستوعب عندما تنهمر امامك معلومات وقواعد مهنيه تعزز مسيرتك وتتكرّس معلوماتك .. أغلب دردشة الاستاذ ابراهيم كانت دروس مهنيه .. رائد التحقيقات الصحفيه ،والصحافه عموما هي تحقيقات كانت تشرين تنفرد وتفرد صفحاتها لها اسبوعيا واذكر انه يوم السبت حيث لم يكن للصحف عطله اسبوعيه ابداً .. اثار اصغائي فضول الاستاذ ونشبت بيننا صداقه مهنيه ومن ثم صداقه صدوقه ومن ثم صداقة اخويه اهليه تقاعديه حميمه عززتها تجربة عمل اعلامي مهني استقصائي ميداني عندما تم تكليفي مديرا عاما للهيئه العامه للاذاعه والتلفزيون ..اتصلت بالاعلامي ابراهيم ورجوته ان نعمل معاً لبرنامج يكرس للناس ولهموم الناس فكان برنامج ملفات ساخنه الاسبوعي..
سالني يومها هل تتحمّل التبعات ؟؟ وهل انت قادر على حماية البرنامج وهل .. قلت نعم اتعهد ان تكون ايامي من اسابيعه فاما ان نبقى معا واما ان نغادر معاً ويبدو ان الزميل ابراهيم بدأ معي ومع موقعي كمدير وموقعه كصحفي محترف لعبة عض الاصابع ومن يتحمل الآخر اكثر ..وبدانا وكانت بعض الحلقات تستدعي ” ضب الشناتي “لن اطيل لان التفاصيل هنا اهم من العموميات وكان رحمه الله يمرر حلقه او اكثر عاديه ثم يدفع بحلقه ساخنه يتناول فيها ارتكابات غير مسبوقه بالطرح واستمرت ” اللعبه ” حتى غادرت الموقع بذريعة اخرى لسبب اخر .. لان مختلف الذرائع الدارجه آنذاك لم توقف البرنامج ومن حماه فعلا هو حامي الوطن فالحريه عنده مقدّسه بينما عند ما دونه مشجب … وبهذا تم ايقاف البرنامج كأول إنجاز بعد مغادرتي المبنى .. استمرت صداقتنا حتى الرمق الأخير .. كنت والزميل نبيل الصالح ننتظر هاتفاً منه لكي نلتقي مجدداً ..تأخر وبادرنا معاً مره ..وكل على حده مرّات ..لم يرد ..وما كنا ندري انه لن يرد …ساكتفي بهذا القدر من شهادةٍ على الزمن الذهبي للاعلام على الرغم من المعوقات والعقبات التي تزداد تعقيدا كل يوم….لروحك الرحمه والسكينه والذكر الطيب ايها الراحل الكبير وللفنان الشهم باسم والشقيقات والسيده الوالدة الصبر الجميل والعمر الطويل.
* ميشيل خياط : الراحل ابراهيم ياخور أكثر من مدرسة واكبر من جامعة .
أما الزميل الإعلامي الخبير وأحد أبرع كتاب التحقيقات في الصحافة السورية أيضاً الأستاذ ميشيل خياط فقال :
إن الصحفي القدير والكبير المرحوم ابراهيم ياخور دفاع مستميت عن الحقيقة ، روح وطنية مذهلة شغف بحق الفقراء في العيش الكريم ، غيرية مطلقة وحب جارف للزملاء يتبدى بالتشجيع والمساعدة وأسداء النصح ، ودأب ومثابرة واصغاء لكل الاراء صونا للعدالة .. على هذه الاسس ارتكز اداء الزميل المرحوم ابراهيم ياخور استاذ أساتذة كل الصحفيين السوريين في العصر الحديث . وبهذا المعنى كان الأداء الصحفي في حياته عملاً سياسياً وقضية وطنية ،غايتها تصويب المسار الخاطئ وإنارة الدرب الصحيح .اعتنى هذا النهج الوطني الجدي المميز ، ببراعة في الاسلوب، لم تكن الهاما ولا هبة أو اقتباسا ، لقد عاصرته منذ مطلع السبعينات من القرن الماضي وعملنا معا في غرفة واحدة ، حتى العام 1975 ، كنا لسبب أو لاخر نغادر الغرفة ، نستقبل الضيوف ، نذهب الى الغداء ،ونعود للدوام الثاني حتى الثامنة مساء ، أما هو استاذنا ابراهيم ياخور ،فلم يكن يبرح مكتبه المتواضع وكرسيه الخيزران ، يكتب المقدمة للتحقيق الكبير ، وغالبا ما كان يمزق ما كتب ويكرر المحاولة ، فإذا بالمقدمة التي ينجز ،تحفة فنية ، لا يمكن لمن يبدأ بقراءتها أن يترك الجريدة قبل أن ينهي قراءة التحقيق كله وغالبا ما كان ينشر على صفحتين مع الصور ، وهو مليء بالارقام ووجهات النظر المتباينة والمنحاز إلى المنطق السديد الاقوى .
وعلى الرغم من اني خريج معهد الاعداد الإعلامي دورة الأساتذة الألمان برئاسة البروفسور فرانز فأبر ، فإن ما تعلمته من الاستاذ ياخور كان مهما جدا جدا ، حتى لغويا فلقد كان يمتاز بلغة عربية رفيعة المستوى . كانت اختياراته لمواضيع صعبة ما ميزه ولفت الإنتباه آلية بقوة ، وقف بشدة ضد تغطية نهر بردى في منطقة جسر فكتوريا وكان على حق ،دافع عن حق العمال في مرفأ اللاذقية وفي مصانع القطاع الخاص واتاح للكثير منهم الحصول على التأمينات الاجتماعية. ومن المؤسف ولأسباب مبهمة وغير معلنة وأغلب الظن كيدية ومرتب لها وطنياً ، نقل إلى وزارة الصحة …!! وحظي هناك باحترام كبير .
1975 تبدى الترتيب الوطني أنه في السنة ذاتها ظهرت إلى النور جريدة تشرين ،بقوة وزخم كبيرين ، يقودها الاستاذ (المرحوم) جلال فاروق الشربف ، أحد مؤسسي حزب البعث العربي الاشتراكي ، وكان يريدها جريدة مميزة ، وسرعان ما استدعى الزميل ابراهيم ياخور وعهد إليه برئاسة قسم التحقيقات ، فعمل بحماسة مذهلة وانجز أعظم تحقيقاته الصحفية مدربا من انضموا إليه واصبحوا من كبار الصحفيين في النهاية .
كان مبدعا ومكتشفا ، اذكر له تحقيقا عن تكرا ر انفجار اسطوانات الغاز المنزلي آنذاك( 1978)، فتقصى الواقعة مع الخبراء وتبين له أن اسطوانة الغاز تحتوي على غازين الاول البروبين ووظيفته دفع غاز البوتان إلى الاعلى وأن نسبة البروبين التي توضع في اسطوانات الغاز السورية كبيرة ما يؤدي إلى انفجار بعض الاسطوانات ، فجرى تعديل النسبة وتم إنقاذ آلاف الأسر من الحرائق والموت .
وأذكر له سلسلة تحقيقات بشأن تسوير بحيرة السن لحمايتها ، وكان يخشى الخطر البيئي ، وهذا ما حدث اذ سقط صهريج مازوت فيها وهي مصدر مياه الشرب للاذقية ….!! ما أعطى تحذيراته وتحقيقاته أهمية كبيرة. .وجرى تسوير البحيرة فورا وتوسيع حرمها .
أجرى الزميل ابراهيم ياخور مقابلة غير مسبوقة بعنوانها ومضمونها مع المقدم خليل بهلول مدير عام الأسكان العسكري آنذاك فتمسك به وعهد إليه إدارة إعلام الموسسة وكانت الأكبر بين المؤسسات الانشائية السورية برقم اعمال 8مليارات ليرة سورية _انذاك _ أي ما يقرب من 3 مليار دولار .
- أنجز الزميل ياخور كتابين مهمين عن أعمال تلك المؤسسة في مختلف المجالات ، ما أعطاها بريقا خاصا .. انتقل الزميل ياخور من الاسكان العسكري إلى التلفزيون العربي السوري وهناك أنجز عمله العظيم المتقن غير المسبوق ( ملفات ساخنة ) واختتم حياته الإعلامية الإنتاجية ب 18 حلقة تقريبا ادهشت المشاهد السور ي واعطت وساما رفيعا للدكتور فايز الصائغ المدير العام آنذاك للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون .ثم تقاعد ، لينشط في مجال التخطيط والتدريب وظل حتى آخر لحظة من حياته شغوفا بالعطاء . الاستاذ ابراهيم ياخور تاريخ مشرق في الصحافة السورية أنه أكثر من مدرسة واكبر من جامعة .