ترجمة:دلال ابراهيم :
انصب الهدف من المؤتمر الدولي الذي انعقد في باريس ضمن غياب طرفي الصراع الإسرائيلي والفلسطيني في منتصف الشهر الجاري على الدفاع عن الحل المطالب بإقامة دولتين على أساس القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة وعلى عدم شرعية المستوطنات . وقد عارضت إسرائيل بشدة انعقاده على عكس الفلسطينيين .
وقد نجحت فرنسا فقط في تجميع حوالي سبعين دولة في عاصمتها لعقد هذا المؤتمر عن السلام في منطقة الشرق الأوسط الذي يعتبر واحداً من الكثير من المؤتمرات من أجل تأكيد الدعم الدولي لإقامة دولتين . عملياً ليس ثمة أمرعظيم يمكن أن نرتقبه من هذا الاجتماع لإحداث تغيير كبير على الأرض . وعلى الرغم من ذلك , فإن إطلاق إسرائيل نيرانها الكثيفة على هذا المؤتمر يشير إلى أن هذا المؤتمر كان يمكن أن يكون قد جاء في الوقت المهم لإحراز تقدم نحو إنشاء الدولة الفلسطينية . وضمن هذا السياق , أعطى رئيس حكومة تل أبيب رأيه في هذا الاجتماع ووصفه بغضب بأنه « مؤتمر مزور من قبل الفلسطينيين تحت رعاية فرنسا يرمي إلى تبني مواقف جديدة معادية للإسرائيليين » . بينما رأى وزير دفاعه الخطير أفغيدور ليبرمان في مؤتمر باريس بأنه « ليس أكثر من نسخة حديثة عن محاكمة درايفوس » مضيفاً أنه : « ليس ثمة فرق بين الاثنين سوى أنه في المرة الأولى لم يكن سوى يهودي واحد في قفص الاتهام , أما حالياً فموجود كامل شعب إسرائيل فيه.» .حتى المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا CRIF والذي يعتبر مدافعاً شرساً عن إسرائيل كان محرجاً في أعقاب البيان المشين , وقد ألمح لإسرائيل أنه عقب التصويت في الثالث والعشرين من الشهر المنصرم على القرار رقم 2334 في الأمم المتحدة والذي يدين الاستمرار في بناء المستوطنات بأن المعاملة الوديعة التي تتمتع بها إسرائيل بدأت تتراجع . وكان من الممكن ألا يكتفي المؤتمر بإعطاء مركزية اهتمامه للقضية الفلسطينية فحسب , بل من الممكن أن يفتح آفاقاً لأشكال جديدة من الضغوط على إسرائيل . ولكن وبالطبع بشرط أن تتقدم الشجاعة السياسية على بيانات النوايا . وفي هذا الصدد , لم يرق البيان الصادر عن هذا المؤتمر إلى مستوى التحديات وكرس الحدود التي لا زالت قائمة . بالإضافة إلى عدم وجود اي إشارة إلى القرار رقم 194 المتعلق بحق العودة للاجئين الفلسطينيين , وكذلك لم تتم الإشارة مطلقاً إلى آلية متابعة التوجهات المعتمدة . أي العقوبات المفروضة على أي طرف لا يمتثل للقانون الدولي . حتى إن القرار رقم 2334 لم تتم الإشارة إليه في هذا المجال . حدود وصفها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بأنها « واضحة » حول المؤتمر مشيراً بأن المفاوضات الثنائية فقط هي السبيل الذي يمكن أن يفضي إلى حل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي . ومع ذلك فإن هذا المؤتمر تم عقده نظراً لفشل مفاوضات السلام المباشرة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية . وقال الرئيس الفرنسي « إن الهدف من المؤتمر هو التأكيد على دعم المجتمع الدولي على الحل الداعي إلى إقامة دولتين , وعلى أن هذا الحل لا يزال هو المرجع . ونرى أن هذا الحل قد ضعف على الأرض وفي الأذهان , وفيما لو تركناه يتلاشى سيكون خطراً على أمن إسرائيل والذي تتمسك فيه فرنسا بشدة .
ومن جهة أخرى , جرى عقد هذا المؤتمر قبل خمسة أيام من تنصيب دونالد ترامب في البيت الأبيض , حيث التوجهات الظاهرة للإدارة الجديدة تسير على عكس المواقف المتخذة من قبل الإدارة السابقة لأوباما بشأن الشرق الأوسط , ومنها الرغبة بنقل عاصمة إسرائيل من تل أبيب إلى القدس وفي هذا اعتراف فعلي بأن المدينة المقدسة هي عاصمة إسرائيل والتهديد بقطع المخصصات المالية الأميركية عن المنظمة الأممية في حال لم يتم التراجع عن القرار رقم 2334 . والإشارة السلبية الأخرى هي عدم مشاركة وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف في مؤتمر باريس , وكذلك نظيره البريطاني بوريس جونسون , الذي يفضل جناح الحماية لإدارة ترامب الجديدة .
ولكن الانقسامات السياسية القائمة والدائمة في البيت الفلسطيني تبعث على القلق . خصوصاً وأن بعض الدول العربية وفي مقدمتها المملكة السعودية وقطر تعمل على تطوير علاقاتها المميزة بقوة مع إسرائيل , وتحاول بلا كلل استثمار القضية الفلسطينية لصالحها . ولذلك ومن أجل تفادي جميع هذه العراقيل وضمان إمكانية إقامة دولتين وهو الهدف , يتعين على فرنسا الآن الاعتراف بشكل رسمي بدولة فلسطين . فهل ستمتلك الشجاعة للقيام بذلك ؟