د: عبد اللطيف عمران /صحيفة البعث السورية/
كانت رؤية القيادة السورية سديدة تماماً بموافقتها على المشاركة في مؤتمر أستانة، وهذه الرؤية تمثّل تطويراً مقترناً بالثقة وبالقوة اللازمة لدفع المسار السياسي لحل الأزمة، وهذا ليس بجديد فعلى هذا الأساس تمّت المشاركة سابقاً في لقاءات جنيف وفيينا، ويبدو أن هذه الرؤية ستستمر مستقبلاً في سياق دعم أي حوار وطني سوري – سوري.
استمرت هذه الموافقة والمشاركة على الرغم من قناعة جماهير شعبنا من أن المجموعات المسلّحة مشتتة ومتعثّرة ومتباينة في الرؤى والأهداف تجاه المشروع الوطني القائم على سيادة سورية واستقلالها ووحدتها أرضاً وشعباً ودعم مؤسساتها الوطنية كافة في معركتها مع الإرهاب. فهذه المجموعات تفتقد الخبرة اللازمة للعمل السياسي الوطني بسبب إرهاقها بكثافة الإملاءات الخارجية.
بالمقابل أثار أمس إعلان السيد لافروف دمج المسلحين في العملية السياسية وفتح باب هذا الاندماج مستقبلاً أمام مجموعات أخرى آراء متباينة في الشارع السوري، وعند الحلفاء أيضاً الذين قدموا تضحيات جساماً لمواجهة إجرام هذه المجموعات، خاصة أنه من المستقر في القانون الدولي أن كل من يتعامل مع الإرهاب إرهابي، لكن يبدو أن الأمر في المجتمع الدولي يختلف عنه في القانون الدولي.
ومن هذا المستقر في المجتمع الدولي أن المسلّح الذي يواجه الدولة الوطنية لطالما لقي الرعاية والدعم من هذا المجتمع، وكذلك لطالما فتحت أمامه أبواب الوعي والعفو والمصالحة والمسامحة والعودة إلى أحضان الوطن، بل إلى القوات المسلحة نفسها، وإلى المؤسسات الوطنية الأخرى، فكانت خياراته واسعة جداً ومتعددة من باب قناعة الدولة بمواصلة العمل على فضح المشروع الإرهابي وهزيمته ببعديه الصهيوني والرجعي العربي.
فهناك كثيرون يرون أن دخول المسلحين في العملية السياسية صدى لجدولة الإرهاب سياسياً، أو لتسييس الإرهاب وتنحية الصفة الجرمية عنه جانباً. أي لتطوير دمج الإرهابي مستقبلاً في المجتمع السياسي على غرار ما تكوّنت دولة الاحتلال الصهيوني على الحامل التاريخي للجرم الإرهابي، وعلى غرار ما تكوّنت مملكة آل سعود على الإرهاب الوهابي، ودخل الكيانان الصهيوني والوهابي في المجتمع الدولي وبشكل فاعل أيضاً من حيث الأذيّة والتدمير وحمل مشاريع الشرق الأوسط الجديد والفوضى الخلّاقة… إلخ.
فمن أين سيأتي المسلحون بفكرهم المناسب والداعم للحل السياسي؟ ومن أين سيكتسبون المَنَعة الوطنية والأخلاقية للمتابعة في مسار العيش المشترك والوحدة الوطنية وسيادة الدولة واستقلال القرار وقد خبرنا ضعف هذه المنعة لديهم؟ وهل سيأتي هذا الفكر من المكان الذي أتى منه السلاح والمال؟.
ففي الوقت الذي اعترف فيه كيري برهان الإدارة الأمريكية، وباستفادتها من تمدد داعش في سورية، أكّد بعده لافروف أمس ظهور مؤشرات دقيقة على نوايا غير سليمة لزعزعة وقف إطلاق النار، وبالمقابل ظهرت تأكيدات على زيارات عديدة قام بها معارضون ومسلحون إلى الكيان الصهيوني، وعلى أن هناك تحضيرات مدروسة بدقة لضرب مستقبل الدولة الوطنية ومخرجات الحوار السوري السوري تقوم على دعم خارجي كبير جداً ومستمر بالمال والسلاح والأفكار الهدّامة «للإخوان» المسلمين أساس داعش والنصرة. في الوقت نفسه سنشارك في أستانة وسنعمل على تلافي مخاطر مشاركة المسلحين في العملية السياسية وفي المجتمع السياسي الذي ننشده وطنياً وعروبياً وعلمانياً.
وإذا كانت هذه المشاركة لاترقى لمستوى طموحات شعبنا وتضحياته، وصمود الدولة، وبسالة الجيش وعقائديته التي لم تتزعزع، فإننا أمام معطيات واعدة متجددة يتجلّى فيها عودة الوعي والأصالة إلى قطاعات واسعة من شعبنا من داخل الوطن وخارجه ممن غُرر بهم، وها هم اليوم يتلمّسون السبيل للعودة إلى حضن الوطن، ويزداد عدد العائدين يوماً بعد يوم مقابل ازدياد فضائح المرتزقة والمأجورين وخذلانهم.
لذلك تأتي موافقتنا على المشاركة في أستانة، وفي الدمج، في سياق دعمنا السابق والمستمر للحل السياسي المنشود والمقترن بالمشروع الوطني العروبي التقدمي العلماني الذي قامت وستقوم عليه الدولة الوطنية والوحدة الوطنية، بهدف قطع الطريق على المشروع المضاد، وهو هدف وطني صِرف يبدأ من وقف نزيف الدم، وإعطاء الآخرين فرصة للمشاركة الوطنية تنطلق من فك ارتباط المسلحين بالإرهاب وداعميه.
فإذا مانجحنا في تحقيق هذا الهدف – وسننجح – فإننا سنقدّم مثالاً حيّاً وواعداً لأشقائنا العرب ممن يعانون المعاناة نفسها ويواجهون التحديات نفسها في مصر وليبيا واليمن و…. وسيتقوّض الأساس الإرهابي «للربيع» الصهيو رجعي عربي.