الملحدون الجدد | عبد الفتاح العوض

 

ثمة ردة غربية عن الحريات.. الغربيون الذين أشهروا إيمانهم بدين الحريات ها هم يعلنون الإلحاد بها.

من البداية.. نحن من الشعوب التي تعاني مرضاً مزمناً اسمه نقص الحريات وإصابتنا بهذا المرض تاريخية.

لكن مما تبديه الأحداث الأخيرة أن دول عريقة بالتحدث عن قدسية حرية التعبير عن الرأي ارتدت عن مبادئها وعقيدتها وأصبحت لا تسمح لأحد أن يقول غير ما تراه.

في فكرة اعتراضية تفرضها الموضوعية وهي أن نتحدث أولاً عن أنفسنا… إضافة لموقف كثير من الحكومات البارد والبليد فإن الموقف الشعبي في كثير من دول الغرب أكثر وضوحاً من مواقف الشعوب في الدول العربية والإسلامية وفي ذلك ثلاثة مشاهد قاسية.

المشهد الأول رأي علماء الدين الذين كانوا ينادون بالجهاد أصبحوا يتحدثون عن السلم وفوائده والتطبيع وثماره، والذين كانوا يتحدثون عن جواز الخروج على الحاكم أصبحوا أكثر نفاقاً ليس للحاكم فقط بل لأعداء دينهم ومعتقداتهم.

المشهد الثاني إن أصواتاً على قلتها من مشاهير ورجال أعمال عرب أصبحت أكثر جرأة بالمجاهرة برأيها في التعامل مع الكيان على أنه جار يجب الترحيب به واللعب معه.

المشهد الثالث وهو مشهد مثير للاهتمام أن كثراً توقفوا عن نشر آرائهم خوفاً على صفحة على الفيس بوك وخشوا أن يضحوا أو خافوا على وجودهم في بلاد الغرب وحتى في بعض عواصم عربية فكيف يمكن الحديث عن تضحيات أكبر وأهم؟

ومع أن نقص الحريات في الدماء العربية يكاد يصبح جينياً لكن اللافت أن الذين عاشوا في بلاد الغرب وفي أفياء حرياته عندما أصبح الموضوع قيد المساءلة ساروا جنب الجدار وقالوا يارب اللجوء.

لو كانت القصة مجرد مواقف لا يرضى عنها الغرب لكان الأمر هيناً ومعتاداً، لكن الذي يحدث الآن هو تجريم التعاطف الإنساني والانحياز الوطني وفي هذا تغير كبير وجوهري بالعقل الغربي إزاء الحريات، ونستطيع أن نتلمس ذلك من خلال عدم وجود وسائل إعلام قادرة على التعبير عن رأي آخر غير الرأي الأميركي وصداه الأوروبي وطرد الإعلاميين الذين يعبرون عن رأي مخالف، عن رأي المؤسسات التي يعملون بها، حتى ولو كان الأمر مجرد إرسال بريد إلكتروني لزميل بالعمل يحوي أخباراً عن الحالة الإنسانية.

حتى وسائل إعلام عريقة أوقفت صحفيين عن العمل وصحف كبرى طردت محررين لمجرد إبداء الرأي، وهناك صحف شهيرة قامت بإجراءات جديدة لما سمته: «فحص المحتوى» قبل النشر.

عندما تصل حضارات إلى هذا المستوى فهي في واقع الأمر تكتب وصيتها قبل الرحيل.. فما ازدهرت إلا لأنها آمنت بالحرية وما ينذر بنهاياتها إلا أنها تحفر قبور الحرية.

أقوال:

– ‏يا أمة لخصوم ضدها احتكمت كيف ارتضيت خصيماً ظالماً حكماً.

– حرروا الحرية، والحرية تقوم بالباقي.

– حرية التعبير حقك في قول ما يعجبك، وحق الآخرين في قول ما لا يعجبك.

المصدر :صحيفة الوطن

اخبار الاتحاد