عشر سنوات.. لم تكن كافية لاستنفاد أغراض أحداث أيلول، ولا لوقف تفاعلاتها والتوظيفات السياسية التي انطوت خلفها.. ولايزال استثمارها معمولاً به على الأرض بالوتيرة ذاتها.
مات بن لادن.. قتل وألقيت جثته في البحر في واقعة يصعب على العقل أن يصدقها.. وانطوت معها وخلفها حكايات وتفاصيل ستبقى إلى وقت طويل خارج التداول المسموح به، لتظل الرواية الأميركية هي المعمول بها.
لكن يبدو أن المسكوت عنه في هذه القضية بأبعادها وتداعياتها أكثر بكثير مما هو متاح، وأن حدود التواطؤ لامست سقوفاً تجاوزت المعتاد، وهي تحاكي في معطياتها تناقضاً صارخاً لايمكن فهم تداعياته دون الأخذ بعين الاعتبار الشواهد التي تحركه.
تحت راية محاربة الإرهاب حددت أميركا الأعداء والأصدقاء.. الخصوم والحلفاء، ووزعت وفقاً لهذا التقسيم علامات القبول والرضا، أو سجلت تبعاً له درجات الغضب، وفي أغلب الأحيان كان الاتهام اللافتة التي تعكس مستوى الرفـض، أو الاستحسان!!.
وتحت راية الإرهاب شنت حروبها المتتالية التي لم تتوقف منذ ذلك التاريخ رغم الإعلان أكثر من مرة عن انتهائها، وعقدت على هذا الأساس تحالفات وأقامت محاور، وفرقت هنا، وجمعت هنا، قتلت ومازالت تقتل حسب ماتقتضيه مصالحها تلك وبتحالفاتها وعداواتها وتحت الراية ذاتها..
عشر سنوات وحبل الحشد المناهض يرسم خطوط تعرجاته على المشهد الدولي، ولاتزال حالة الاستلاب الداخلي والاتهام الخارجي قائمة دون توقف في ظل ضخ إعلامي لم تخفف منه عملية قتل بن لادن.. وما تبعها ولا ما كان سابقاً لها.
على هذا المنوال دفعت الولايات المتحدة الأميركية العالم ليكون تحت فزاعة الإرهاب التي فرضت مساحات من التهويل السياسي، واليوم حيث يفقد الزخم الإعلامي أهم معطياته بالقضاء على زعيم التنظيم، حولت الإدارة الأمريكية اتجاهاتها واهتماماتها من محاربة الإرهاب إلى إعادة النظر فيه وبمقتضياته وظروفه، والتي تضمنت لائحة تمتد طويلاً في الذهن البشري وإلى أبعد من العناوين التي تموضعت خلفها طيلة السنوات الماضية.
ووفق المعادلة ذاتها قدمت الولايات المتحدة الأميركية سوابق في التناقضات الحادة التي حاولت أن تجمعها على سطح واحد، وفيما صفيح محاربة الإرهاب يبرد، بدا صفيح التعامل مع أدواته ورموزه يسخن إلى سقوف جديدة أملت حضورها في العقل السياسي الأميركي تحت شعارات وعناوين تلونت حسب الحاجة والظرف.
وماكان مرفوضاً، وإن كان في أغلبه مسكوتاً عنه بحكم العلاقة الوثيقة بين نشأة الإرهاب والمصالح الأميركية، يبدو أنه اليوم بات مطلوباً، وهي علاقة تعبّر عن نفسها كنوع من المصالحة التلقائية التي أفضت إليها العملية الأميركية بإعلان مقتل بن لادن، وما كان رمزاً من رموز الإرهاب.. بات في المفهوم الأميركي الجديد أحد الخيارات القابلة للتطبيق بحيث تبدلت المحاور والتحالفات، واقتضت دائماً المصلحة الأميركية أن يكون الأساس لكل ذلك جزءاً من الحراك الجديد الذي يستوطن المنطقة اليوم ونرى تداعياته ليكون أحد مبررات التدخل الفظ في الشؤون الداخلية للدول وصولاً إلى فصوله العسكرية الدامية!!.
في الحصيلة النهائية ان عشر سنوات على أحداث أيلول غربت فيها أميركا وشرقت، امتدت شمالاً وجنوباً، وعادت لتضع ثقلها في متغيرات المنطقة وأدوارها الجديدة، وبين إرهاب مسكوت عنه أميركياً، وإرهاب مسموح به، وآخر مطلوب، تسعى جاهدة وبكل قواها لإعادة انتشاره وفق التوزع الجديد للمصالح الأميركية ومقتضياتها..!!
وحيث المسكوت عنه يتفشى تحت رعاية أميركية ضامنة وحامية له، فإن المسموح به يتحرك وفق اجتهادات تعبّر عن النيات المبيتة من خلاله والأهداف والأغراض المعدة له..
وبين هذا وذاك يطلّ الارهاب المطلوب من أنقاض الاستحواذ والاستنفار الأميركي بتداعيات الحدث، وقد أفسحت له مساحات كبرى يتظلل من خلالها باليد الأميركية الممدودة تشجيعاً وبالأصابع الإسرائيلية المتماهية مع أذرعه مشاركة وتنفيذاً بالاتجاه والحصيلة، ليكون الحاضن الفعلي لكثير مما نشهده في عالم اليوم..!!
بقلم: علي قاسم /صحيفة الثورة