لم يكن أمراً عبثياً أن يقوم السيد الرئيس بشار الأسد باختيار المُدرّج الرئيسي لجامعة دمشق مكاناً ليخاطب شعبَهُ مِنْ عليه، في هذه المحنة الصعبة، على الرغم من أنها محنة عابرة عبور المسافرين على طريقٍ سريعٍ وإنْ كانَ موحشاً.
ففي الأمس – وفقط في الأمس – وقف الرئيس الأسد على ذلك المدرّج نفسه ليعلن في وجه أمريكا وبقوّة أنه قد اختار المقاومة منهجاً ودرباً لا حياد عنه، وانه هو وسورية وشعبها لن يخفضوا رأسهم إلا لله تعالى، كاشفاً عن حقيقة خلافه وصراعه مع أنصاف رجالٍ سرعان ما عرفوا أنفسهم فأعلنوا الحدَّ عليه الذي ما يزال – هذا الحدّ ربما – مستمراً إلى اليوم، ومن الواضح أن شعبه الأبي قد فهم عليه باليوم التالي فنزلوا بالملايين إلى ساحات الوطن يؤيدون خطاه ويدعمون برنامجه الإصلاحي الشامل.
السيد الرئيس كان واضحاً جداً في خطابه ظهيرة الاثنين، صادقاً جداً، لطيفاً جداً وحازماً، ومؤكداً أنَّ سورية بخير.
فقد كان واضحاً جداً عندما أشار إلى أنَّ الحوار الوطني هو عنوان المرحلة الحالية، وأن ما يحصل في الشارع السوري الآن له ثلاثة مكونات شرحها بإسهاب لافتاً إلى أنَّ سعي الدولة لتطبيق القانون وفرض النظام لا يبرر إهمال مطالب الناس ..ولا الحاجات الملحة للبعض تبرر مطلقاً السعي لنشر الفوضى أو خرق القانون أو إلحاق الضرر بالمصالح العامة.
وأشار السيد الرئيس إلى أنه التقى بوفود عديدة البعض منها من المتظاهرين والبعض منها من غيرهم من كل المناطق والأطياف، منوهاً إلى ضرورة التمييز بين هؤلاء وبين المخربين، الذين هم مجموعة قليلة فئة صغيرة مؤثرة حاولت استغلال الآخرين وحاولت استغلال الأكثرية الطيبة من الشعب السوري من أجل تنفيذ مآرب عديدة.. فالتمييز بين الفئة الأولى والثانية هام جداً.. معتبراً أنَّ الفئة الأولى مكون وطني وكل المطالب التي طرحت كانت تحت سقف الوطن لا يوجد أجندات خارجية ولا ارتباطات خارجية وهم ضد أي تدخل خارجي تحت أي عنوان.
الرئيس الأسد كان لطيفاً أيضاً، إذ سمعناه كيف وجّه السلام على كل أم فقدت عزيزاً وكل طفل فقد والداً وكل عائلة فقدت فلذة.. والسلام على أرواح شهدائنا الذين أنبتت دماؤهم أقحواناً في الربيع والصيف
السيد الرئيس كان واقعياً ومتفائلاً أيضاً عندما أشار إلى أننا نلتقي اليوم في لحظة فاصلة في تاريخ بلدنا.. لحظة نريدها بإرادتنا وتصميمنا أن تكون فاصلة بين أمس مثقل بالإضطراب والألم سالت فيه دماء بريئة أدمت قلب كل سوري وغد مفعم بالأمل في أن تعود لوطننا أجمل صور الألفة والسكينة التي طالما نعم بها على أرضية مكينة من الحرية والتكافل والمشاركة..
إلى جانب هذا كله فقد كان السيد الرئيس حازماً أيضاً، ولكن بطريقته الحضارية حين قال: سنعمل على ملاحقة ومحاسبة كل من أراق الدماء أو سعى إلى إراقتها.. أما تأخر الإجراءات القانونية لأسباب بيروقراطية فلا يعني التسويف ولا يعني التساهل.. فالضرر الحاصل أصاب الجميع والمحاسبة على ذلك هو حق للدولة بمقدار ما هو حق للأفراد، معتبراً أنَّ الدولة هي كالأم أو الأب تحتضن الجميع ويتسع صدرها لكل أبنائها وتستند في علاقتها معهم على التسامح والمحبة لا على الحقد والانتقام.. وعندما تعفو الدولة عن المخطئين فبهدف تكريس هذه العلاقة السليمة بينها وبين أبنائها دون أن يعني ذلك التخلي عن الحزم عندما تصل الأمور إلى حد إلحاق الضرر بالمصلحة العامة.