ترجمة:ليندا سكوتي: الثورة
لو قدر لهذا المقال أن يُعد للنشر في أحد الصحف التركية فمن المسلم به أنه لن يرى النور البتة، ولن يكون مصيره أفضل حالا من مصير قدري غورسيل أحد أبرز كتاب الأعمدة في جريدة جمهورييت الذي يقبع حاليا في السجن وبعث منه برسالة بدأها بعبارة: «أحييكم من الكتلة B، الجناح رقم 25 من سجن سيليفري، الزنزانة 9»
في هذه الآونة ينظر إلى كل من يشد الرحال للسفر إلى تركيا وكأنه متوجه إلى بلاد الظلم والظلام وذلك في ضوء ما نشهده من إقصاء لعشرات الآلاف من موظفي الدولة وآلاف من الأكاديميين، واعتقال الصحفيين بأعداد كبيرة تفوق ما يحصل في أي بلد آخر، وقد زادت الخشية والتوجس عندما علمنا بأن أحد الصحفيين الأكثر شهرة المدعو حسن جمال يُحكم عليه بالسجن مع وقف التنفيذ لمدة 15 شهرا جراء قيامه بتحقيق صحفي حول زعيم حزب العمال الكردستاني ذلك لأن الصحفيين اللامعين يلاقون الحيف والسخط من النظام الأردوغاني الذي لم يتورع عن اعتبار هذا التحقيق بمثابة دعاية للإرهاب يجريها الصحفي ولم يكتف بذلك بل نسبت إليه تهمة إهانة شخص الرئيس.
وفي الآونة الأخيرة، تم اعتقال المراسل التركي-الألماني في صحيفة دي فيلت الألمانية. أما الصحفيون الذين كشفوا شبكات غولن التي كان لها دور هام في محاولة الانقلاب التي جرت الصيف الفائت قد تم اعتقالهم أيضا.وكتب غورسيل عمودا في صحيفة جمهورييت قائلا: «ما يثير الدهشة والاستغراب أن توجه لنا التهم على الرغم من عدم وجود أي دليل يثبت ذلك»
خارج قاعة المحاضرات في جامعة البوسفور وبعد إلقائي محاضرة عن حرية التعبير، قدم لي الطلاب حلويات ساخنة مرفقة مع أوراق صغيرة، بدت وكأنها تشابه ما يقدم في عيد الميلاد كتب عليها «حرية التعبير في جامعة البوسفور تحت التهديد منذ اشهر عدة. لا تلتزم الصمت!» وبعد ذلك طرح الطلاب سؤالا «ماذا ينبغي علينا فعله؟» وتمنيت في حينها لو كان لدي الجواب الشافي.
يجول في خاطري سؤالان لاسيما ونحن نقترب من موعد الاستفتاء على إجراء تعديل للدستور المقرر في 16 نيسان، الأول: ما هو الوصف الأكثر دقة للنظام السياسي الحالي في تركيا؟وتلقيت الإجابة في اسطنبول وتراوحت بين «السلطة الاستبدادية البحتة» إلى «السلطة الاستبدادية المنتخبة». وقائمة الجيل الجديد من السلطويين باتت مألوفة في الوقت الراهن. إذ بالإمكان السيطرة على وسائل الإعلام من خلال قلة قليلة وتكتلات تجارية تملكها. فجريدة حرييت التي تعود ملكيتها لمجموعة دوغان لم تنشر مقابلة قال بها اورهان باموك الكاتب الحائز على جائزة نوبل بأنه سيصوت بكلمة لا في الاستفتاء القادم.
من السهولة بمكان التأكد من السيطرة السياسية على القضاء المستسلم. فبإمكان أي أحد ضخ السرد الشعبي القومي عبر التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي بينما تُتهم وسائل الاعلام المستقلة والمنظمات غير الحكومية بأنها تمثل الطابور الخامس وتمولها مصادر أجنبية. وقريبا ستمنح التغييرات الدستورية المقترحة صلاحيات جديدة واسعة النطاق لرجب طيب اردوغان فضلا عن إتاحة الفرصة له بالبقاء كرئيس للبلاد لغاية عام 2029.
أما السؤال الثاني الذي يدور في خلدي فهو: «ماذا يجب علينا فعله؟» وكلمة «علينا» تعني أوروبا، والغرب، والأشخاص الذين يحملون الافكار الليبرالية في كل مكان، في ضوء كون نتائج الاستفتاء ليست نتيجة مضمونة أو معروفة بشكل مسبق. إذ اظهرت استطلاعات الرأي بأن أغلبية صغيرة ستدلي بكلمة نعم. وإزاء ذلك، فإن حضور مراقبين دوليين ومحليين للعملية الانتخابية أمر حيوي.
وهنا يتعين علينا طرح السؤال التالي: ماذا عن النفوذ الأوروبي والأميركي الأوسع؟ ينظر أصدقائي الاتراك بحسرة وألم إلى العصر الذهبي الذي كانت عليه تركيا في مطلع هذا القرن عندما خضعت لحكومة إسلامية منفتحة، وكان ثمة اعتقاد سائد بإمكانية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ويبدو أن الاتحاد كان جادا بشأن تركيا. لكن كل ذلك ذهب أدراج الرياح.وسواء كانت على صواب أم خطأ لا تزال انجيلا ميركل تشعر بإمكانية الاعتماد على اردوغان للحد من تدفق اللاجئين في الفترة التي تسبق الانتخابات في المانيا. وفرنسا مشغولة الانتخابات. في حين تأمل تيريزا ماي بالسفر كبائعة متجولة تتنقل من ترامب إلى اردوغان إلى زيارة نارندرا مودي في الهند.
في الأحوال التي نرغب بها مساعدة تركيا يتعين علينا أن نتولى ذلك بأنفسنا على الرغم من أنه ثمة دور هام من الممكن أن تقوم به كل من أوروبا وأميركا ومع ذلك فمن غير المرجح إحداث أي تغيير في توجهات السياسة التركية ونرى بأن تدخلات على مستوى ضيق قد تجدي نفعا. وذلك بتقديم الدعم والمؤازرة على غرار المساعدات التي قدمناها للمنشقين في الاتحاد السوفييتي.
يتعين على الجامعات في العالم التدخل لصالح العلماء والمعاهد في تركيا. إذ إن الاكاديميين يقدمون الشراكة والدعم. لكن ما يثير الإحباط وخيبة الأمل ما سمعته في اسطنبول إزاء تراجع أعداد الأجانب الاكاديميين والكتاب والصحفيين والفنانين الذين يزورون هذا البلد. لذلك يشعر زملاؤنا فيه بالمقاطعة. في حين يتوقعون منا أن نستمع لهم ونكتب عنهم ونؤازرهم. وهذا ما قام به وفد من كتاب نادي القلم الدولي مؤخرا.
يجب على منظمات حقوق الإنسان قرع الطبول لمؤازرة الأفراد والجماعات المضطهدة. ويمكنكم متابعة بعض الاجراءات والتضامن على تويتر عبر #FreeTurkeyJournalists وفي freeturkeyjournalists.com. إذ بإمكان الصحف والمجلات دعم نظرائهم المحاصرين في تركيا،من خلال تسليط الأضواء الصحفية الدولية على ما يجري بحقهم. ذلك لأن حكوماتنا لا تتخذ أي خطوات ملموسة كما يتعين علينا اتخاذ خطوات حتى لو كانت صغيرة. ونافلة القول بأن أردوغان يوغل في غيه يوما إثر يوم لذلك علينا أن نسعى لتحقيق التضامن المدني.