اللحظة الحرجة .. وحدة الإرهاب وصانعوه

 

 

أحمد الحاج علي:

إن الوطن السوري بالمعيارين التاريخي والحضاري كان ومايزال صاحب الاختصاص الأوفى في صياغة المشاهد الفاصلة والتي تحمل في عمقها كل خصائص سورية وكل سمات التصدي لأي عدوان مهما تطورت أسلحته ومهما تبدلت مناهجه

ولاسيما في هذه الحرب المفتوحة التي يشهدها بلدنا على مدى سنوات سبع حتى الآن والمشهد السوري بما فيه من قيم وماينتجه من تحولات وآثار إنما هو تلبية دائمة ومتطورة لمتطلبات اللحظة القائمة في العدوان من حيث استيعاب حقائق هذه اللحظة والرد عليها وردعها في المآل بذات النسق من العطاء الشعبي والحضاري وبذات النتائج من حيث تدمير منصات العدوان المادية والسياسية ومن حيث استعادة مصادر القوة على الوضع الأفضل في مرحلة مابعد هزيمة العدوان الغادر.‏

ولعل هذا المنطق في إنشاء قوة الرد والردع ومايتصل به من مواقف سياسية وأخلاقية وذات بصمات حضارية مصيرية لعل ذلك هو الذي فجر هذا الخوف الذي تحول إلى حقد وإرهاب في شن العدوان على سورية العربية في هذه المرحلة ، وبالمعنى العميق فإن الهدف المؤسس للحرب الإرهابية الراهنة إنما يتمثل في هذه النزعة التي تستوعبها ميزتان اثنتان ، الأولى منهما أن تكون مجمل الأهداف الثابتة والمتحولة والقائمة والمضافة وبكل مالهذه الأهداف من معطيات عسكرية واقتصادية وإعلامية أن تكون جميعاً منظومة واحدة ، وكل سلاح أو هدف بيد العدو أو عنده إنما هو أداة مضافة بطريقة التراكم لإنجاز هذه الحرب الكونية على سورية العربية ومن هنا جاء هذا النسق من التكامل بل من الوحدة العضوية بين أطراف العدوان عسكرية كانت أم سياسية أم فكرية أم إعلامية فهذه ظاهرة هي الأولى من نوعها في التاريخ المعاصر للعالم المنكوب .‏

ويتجلى هذا الوضع أكثر مايكون في الوحدة العضوية مابين قوى الاستعمار الحقيقي وملاحقها في الإقليم وفي المنطقة العربية وأدواتها المستحدثة والهائجة من القوى الإرهابية التي زودت هذه المرة بالسلاح المعنوي من خلال اختطاف الدين الإسلامي الحنيف دين السلام والمحبة والتضامن الإنساني والعمل على تطويقه ليكون مادة إرهابية كبرى وليكون كذلك مصدراً وغطاءً لكل هذه الوحشية وهذا الانحطاط الذي تمارسه المجموعات الإرهابية ضد سورية الآن ، لقد تشكلت فكرة الملتقى بين عناصر القائمة الإرهابية ودعاتها ورعاتها كحد مشترك دخل في وظيفة العمل الإرهابية ضد سورية .‏

وفي هذا السياق لاقيمة لما يطرح بأسلوب مصطنع حول تناقضات أو تمايزات أو خلافات بين عناصر المجموعة المعتدية بكل أطيافها وسمات الأسلوب الخاص لكل منها فذلك من أصول الصنعة الاستعمارية في نسختها الجديدة في عالم اليوم وسرعان ماتتراجع هذه التمايزات عند اللحظات الحرجة في المواجهة مع الإرادة الوطنية السورية إنهم مباشرة يتكاملون عند ذلك وتنفجر قواهم واتجاهاتهم في الميدان وفي السياسة لكي تصب جميعاً في العدوان الموحد من ألفه إلى يائه على وطننا السوري صاحب الامتياز المشرق في بنائه للسلم العالمي ولمصير البشر في كل مراحل التاريخ وكانت هذه الحالة من تضامن المعتدين تظهر وتدخل الميدان العسكري والسياسي في كل مراحل الحرب الهمجية على سورية ونتابع في هذه اللحظة منطق التكامل بالسياسة وبالسلاح معاً ما بين قوى الإرهاب والعدوان الإسرائيلي والمواقف الأميركية والأوروبية بصورة عامة وما نعيشه من آلام في الواقع حيث سفك الدم عبر المتفجرات والحمولات العسكرية المميتة التي يكلف بها شخص فقد عقله وقد صاغوا منه في كل أجزائه قنبلة أطلقوها في أي مكان وفي أي زمان فالمهم هو سفك الدم وتناثر الأشلاء وزرع الرعب وتدمير قواعد القيم العربية والإسلامية في هذا الوطن المعطاء.‏

ثم يأتي دور الميزة الثانية في منهج هذا العدوان الغاشم على سورية وهي في أصولها وتطبيقاتها تنتمي للميزة الأولى المتصلة بحقيقة المشروع الإرهابي الصهيوني القائم وهذه الميزة يراد لها أن تتحول إلى خط متسع أفقياً وعميق عمودياً لأنها تتمثل في بناء منهج عدواني يقوم على عناوين أساسية هي تدمير الوطن السوري هذه المرة بمقوماته ومقدماته واجتثاث المسارات التاريخية ذات الطبيعة الإنسانية التي أنتجها الوطن السوري بحضاراته القديمة والمعاصرة وبذاكرة الشهادة والشهداء التي مازالت تتقد وتشع وذلك كله في اختيار تاريخي نوعي لصياغة العرب والمسلمين أصلاً على قواعد الهزيمة والتجزئة والاقتتال والنمط الاستهلاكي في تبديد الثروة التي استودعها الله في هذه الأرض ونماها الإنسان السوري بوعي وتوهج علمي وبقدرة فائقة ومتفوقة في أن يسهم هذا النسق الحضاري السوري المتأصل في مهامه عبر إنارة مناطق الظلام من كل الكرة الأرضية وعبر نسف قوى الظلم والاضطهاد والتعصب والهمجية بكل مستوياتها من حياة البشر في نسختهم المعاصرة كما في كل مراحل تاريخ الأمم على هذه الأرض ، لقد أدرك المعتدون أن كل شيء يجب أن يزول مادام مبنياً في أصل القيم السورية، وحتى هذه المسافة ما بين السماء والأرض وقد كرمها الله وشرفها بإرادته عبر الأديان السماوية والأدوار الإنسانية المتألقة على الدوام حيث أراد لنا الخالق أن نكون خير أمة أخرجت للناس ، إن هذا التوجه في هذا الاستهداف الجذري هذه المرة لم يأت من فراغ وما كان له أن يصب في الفراغ أيضاً إنه يعتبر متراكماً مفعما بالحقد الأسود وقد هيأت له أسباب القوة المادية والمعنوية وسطوةالمال ومنتجات التكنولوجيا العسكرية والصناعية ووسائل إعلام تعدت الحدود وملأت الفراغات واستأجرت من النماذج العربية والإسلامية المنحطة ما يكفي للمساهمة المسمومة في تدمير نسق الوجود الإنساني في سورية ولبناء منصات سوداء وجوفاء استعداداً لنقل سورية إلى مجاهل التاريخ .‏

اخبار الاتحاد