تنتهي جولة من محطات جنيف دون نتائج تذكر كما يتوقع المراقبون، ويعرف جميع السوريين تلك الحقيقة باعتبارهم يدركون أن أي محطة خارجية ما هي إلا مكان لتجاذب الصراعات،
وميدان لقوى البغي والعدوان الاستعمارية لتخريب أي حلول ممكنة والالتفاف على أي اتفاقات متوقعة وذلك من خلال استغلال منصات الأمم المتحدة المختلفة والمنظمات الدولية كونها تسيطر عليها بأساليب وطرائق متعددة وتوظيف مسؤوليها ورؤسائها وتجنيد الكثير من موظفيها ضمن إطار المخطط الأكبر للعدوان الصهيوني الغربي من خلال تجنيد الإرهابيين لضرب النموذج السوري في الصمود والحياة. وأمام هذه الحقيقة المعرفية فإن السوريين لا يعلقون آمالاً حقيقية على لقاءات جنيف وغيرها ما دامت الإدارة الأميركية تسير خلف رغبات الصهاينة وكيانهم العدواني وأهواء وأوهام الرجعيات والمشيخات المتخلفة والمثخنة بعقد النقص، فتسايرهم رغبة في نفط العرب وحماية الكيان العدواني في فلسطين المحتلة، لأنه يدرك أن الدولة السورية بشعبها وجيشها ونظامها السياسي وحدها تشكل الخطر على وجوده الاستيطاني وهي وحدها الباقية ضمن المجموعة العربية على موقفها من فلسطين باعتبارها قضية العرب الأساسية، ولكن لماذا تسارع الحكومة السورية للمشاركة في جنيف وآستنة وغيرهما من اللقاءات في ظل تلك المعرفة المسبقة بأدوار التخريب والإعاقة والعداء التي تقفها الدول الغربية وتنفذها المجموعات السارقة لحق تمثيل المعارضة السورية؟
إن السياسة التي تتبعها الحكومة السورية واضحة في تفاصيلها تقوم على الفصل ما بين محاربة الإرهاب كمهمة أساسية وبين المسار السياسي الذي يعكس الموقف الوطني الجامع لأبناء الوطن كافة ويحتويهم جميعاً تحت مظلة الدستور والقوانين الوطنية التي تحدد بدقة الحقوق والواجبات بالنسبة لجميع المواطنين، وهنا يمكن فهم عمليات المصالحة المحلية وتسوية أوضاع السوريين ممن تورطوا في الأعمال العدوانية ويبدون رغبة في التراجع عن الخطأ والعودة إلى حياتهم الطبيعية مستفيدين فيها من مرسوم العفو العام الذي أصدره السيد رئيس الجمهورية ويتم تمديد العمل به مرة بعد أخرى لإتاحة الفرصة أمام أكبر عدد من الأشخاص الذين يتعرضون لكثير من الضغوط الخارجية، فيما تؤكد عمليات المصالحة والتسويات حالة الثقة العالية والضمان الذي تقدمه الحكومة للعائدين عن الخطأ.
وعلى الرغم من هذه المعرفة إلا أن المسار السياسي يبقى أسلوباً مؤكداً لوضع النهايات الأخيرة للعدوان الإرهابي وبذلك تكون جنيف وآستنة وغيرهما محطات تؤسس وتبني للمحطة المرجعية التي ستكفل وحدها وضع الصيغة الأخيرة لإسقاط المخطط التآمري والقضاء على الإرهاب واجتثاث جذوره، ومن بعدها البدء بالتأسيس لمستقبل سورية بأيادي وخيارات السوريين وحدهم ومن داخل الأرض السورية وليس من خارجها. صحيح أن جنيف وغيرها قد تشكل الإطار العام ضمن القانون الدولي والالتزام بقرارات الأمم المتحدة، إلا أن مناقشات الدستور وشكل وآليات الحكم السياسي ونظام الانتخابات لن يتم الاتفاق عليها إلا داخل الأراضي السورية ضمن مؤتمر وطني عام تنبثق منه لجان فنية وقانونية وسياسية وغيرها تصوغ وحدها مستقبل سورية والسوريين.