حميدي العبدالله
تشهد علاقات تركيا مع حلفائها التقليديين، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، توتراً مستمراً، وتحديداً في السنتين الأخيرتين. كما أنّ علاقات تركيا مع روسيا وإيران تشهد توتراً متواصلاً، وربما منذ فترة أطول على خلفية سلسلة من القضايا التي تشكل تبايناً في المصالح.
ولوحظ أنّ تركيا، ولا سيما في فترة تولي أردوغان رئاسة الجمهورية، تشهد اضطراباً واضحاً وعدم استقرار في علاقاتها التحالفية، سواء مع الحلفاء التقليديين، أو الحلفاء الجدد.
لا شك أنّ لذلك أسباباً موضوعية ولا تعود فقط إلى شخصية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
صحيح أنّ شخصية أردوغان المسكونة بجنون العظمة والذي يتوق إلى إحياء أمجاد العثمانيين تلعب دوراً هاماً في تردّي علاقات تركيا مع الغرب ومع روسيا وإيران، وتحول دون قيام علاقات طبيعة وهادئة على ما هو متوفر من مصالح مشتركة، لكن هذا العامل لا يكفي بمفرده لتفسير التوتر الحاصل بين تركيا، وحلفائها التقليديين أو الجدد.
اضطراب مواقف تركيا وتوتر علاقاتها مع حلفائها سببه، أولاً، طموحات الرئيس التركي غير الواقعية، ومطالبه التي تجاوزت المعقول، وثانياً، مصالح تركيا موزّعة على دول تشكل محاور متقابلة في صراع تحفزه مصالح جيو سياسية كثيرة، المقصود هنا الغرب بزعامة الولايات المتحدة من جهة، وروسيا وإيران من جهة أخرى.
ضغط المصالح المشتركة بين تركيا من جهة، والغرب من جهة أخرى يمنعها من الذهاب بعيداً في علاقاتها مع روسيا وإيران، لأنّ توطيد العلاقات مع هذين البلدين، وما ينجم عن ذلك من تعاون سياسي لا يقبل به حلفاء تركيا التقليديون الذين يعتقدون ويصرّون على أن تواصل تركيا لعب دورها في إضعاف نفوذ روسيا وإيران في منطقة الأوراسيا والشرق الأوسط، ولذلك تقوم تركيا، عندما يشتدّ عليها الضغط من حلفائها التقليديين بالاستجابة لبعض طلباتهم، وهذا يقود إلى اتخاذ مواقف معادية من روسيا وإيران، وتؤدّي هذه المواقف إلى توتر علاقاتها مع هذين البلدين، كما يلاحظ في الأيام الأخيرة.
ولكن مصالح تركيا الناشئة مع روسيا وإيران، حتى وإنْ لم تكن بحجم مصالحها مع حلفائها الغربيين، تضغط على تركيا وتمنعها من الذهاب بعيداً في معاداة روسيا وإيران، وهذا يقود بدوره إلى توتر علاقاتها مع الغرب الذي يطلب منها المزيد.
توزع مصالح تركيا الاقتصادية والجيو سياسية على محورين دوليين وإقليميين بحجم مصالحها مع الغرب وبعض دول المنطقة الحليفة له، وبحجم مصالحها مع روسيا وإيران ونفوذهما في مناطق تعتبرها تركيا حيوية بالنسبة لها مثل العراق وبعض جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، هو الذي يسبب بشكل رئيسي اضطراب علاقات تركيا مع حلفائها التقليديين والجدد.